يعد قصر «البديع» أحد أهم المعالم الأثرية والعمرانية في تاريخ المغرب العربي، لما كان له من شأن عظيم أيام بنائه وما حمله من صفات العظمة والفخامة والمساحة والعناصر المعمارية المتميزة والأصيلة، مما حمل الكثير من المؤرخين على وصفه بأعجوبة زمانه.
أمر بتشييد قصر «البديع» السلطان أحمد المنصور الذهبي، الذي تولى حكم دولة السعديين بالمغرب من عام 1578م إلى عام 1603م، وتشير بعض الكتابات التاريخية إلى أنه جلب لبناء القصر وزخرفته أمهر الصناع والمهندسين المغاربة والأجانب.
ونظراً لضخامة هذا القصر، استغرقت أعمال بنائه ست عشرة سنة كاملة ولم تنته إلا بتاريخ 1002ه/ 1594م، بل إن بعض الأعمال التكميلية استمرت إلى ما قبيل وفاة المنصور سنة 1012ه / 1603م، حسبما تفيد رسالة صادرة عنه من فاس، ويوصي فيها بتركيب سواري الرخام عند تسقيف بعض الجهات.
وقد أطلق اسم «البديع» على القصر، دلالة على كل ما هو جميل وحسن، فقد زينت أرضيته وجدرانه وأسقفه بالزخارف والتوشيات من الزليج والفسيفساء، وأبدع الصناع في بناء وتجميل مختلف مرافقه، وقد استُمد هذا اللفظ إما من اسم إحدى القباب التي كانت تزين قصر قرطبة بالأندلس، أو كناية على رياض من رياضات الحماديين في باجة، والذي لحقه الخراب ثم أعيد ترميمه من قبل الموحدين. ورغم تعدد التفسيرات، فقد طابق الاسم المسمى لأنه تضمن كل بديع وغريب وعجيب، جاء قرار بناء قصر البديع تعبيراً عن سرور وغبطة أحمد المنصور بتسلم مقاليد الحكم، وانتشاء بالنصر المظفر على الجيوش البرتغالية، بزعامة دون سيباستيان.
لقد كانت المميزات الأولى لقصر البديع، هو ذاك العدد الكبير من القباب التي احتواها، والتي حملت أسماء جميلة وأوصافاً دالة، منها قبة الخمسينية، وقبة الزجاج (أو قبة الذهب)، وقبة النصر، وقبة التيجان، والقبة الخضراء والقبة العظمى.
وتشهد جدران القصر على روعة الزخارف والإبداع الحرفي العالي الذي أقيم فيه، حيث طرزت جنباته وحتى أستاره بمقاطع شعرية نقشت بمرمر أسود وأبيض، كما اشتملت على زخارف النباتات والزخارف الهندسية.
حمل الطابع المعماري للقصر الكثير من المميزات الفنية، لكن«الدار الكبرى» التي يفضي إليها من قصر البديع هي التي نالت الحظ الأوفر من الإعجاب، حيث قامت على خمسمئة عمود من المرمر، وتوسطها فناء فسيح الأرجاء تبلغ مقاييسه 135 متراً طولاً و110 أمتار عرضاً، وفي هذه المساحة تمتد البركة العظيمة المستطيلة، وقد انتصب وسطها حوضان من المرمر، ويمكن الاقتراب من الحوضين بواسطة ممرات حُملت على سواري من الرخام.
وفي زاويا الساحة الكبرى توجد أربع برك أخرى مستطيلة، وبين البرك الأربع الصغيرة، وعلى الطرفين الطويلين للبركة الوسطى الكبرى، ترتفع قبتان عظيمتان إحداهما غربية وهي «الخمسينية» التي ينتصب في الرفرف المحيط بها تمثالان لعقابين عظيمين، وفي مقابلها تنتصب قبة الزجاج بمساحة 240 متراً مربعاً، وقد علا سقفها قطع من الزجاج الملون، واحتلت وسطها فوارة من مرمر أخضر زادت في بهائها وجمالها.
وإضافة إلى هاتين القبتين توجد قبتان أخريان إحدهما شمالية وهي (قبة النصر) ذات المحاريب والخزائن، وقد امتاز سقف بهو هذه القبة بأنه صنع من منحوت العاج والأبنوس، ويقابلها على الضفة الجنوبية (قبة التيجان).
انتصبت على زوايا القصر أبراج في غاية الارتفاع، وانفتحت في أسواره أبواب رئيسية وثانوية، كان أبهاها وأروعها ما عُرف بباب الرخام، كما زُود بعدد من الصهاريج المتقابلة التي تباينت مقاساتها، وكانت المساحات التي ضمتها مرتفعة عن الأرض، ليسهل تفريغها والاستفادة من مائها في ري الحدائق الشاسعة المحيطة بها، كرياض «المسرة».

الخليج