سامي الريامي

هكذا هو بكل بساطة، إنسان يعشق الحياة البسيطة، متجرد من كل مشاعر العظمة التي ترافق كثيراً من قادة العالم أينما حلوا، ومتجرد من البروتوكولات والرسميات والتعقيدات التي تحيط بنظرائه في كل خطوة يخطونها، هو إنسان قبل أن يكون نائب رئيس دولة ورئيس وزراء وحاكماً شغل الدنيا والعالم بإنجازاته وخطواته الجريئة ورؤيته الشاملة.
كم هي مؤثرة تلك اللقطات التي أظهرت صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وهو يجلس في مترو الأنفاق في لندن، وبقربه نجله سمو الشيخ حمدان بن محمد، ضارباً أروع صور التواضع والبساطة العفوية غير المصطنعة، وضارباً كذلك أروع صور الثقة بالنفس، في وقت يضطرب فيه العالم من غربه إلى شماله، وشرقه وجنوبه.
محمد بن راشد اكتسب هيبته من بساطته، وكسب حب الناس لأنه دائماً قريب منهم، هو نموذج للزعيم الشعبي المحبوب من شعبه وغير شعبه، وهو يمارس حياته بكل جوانبها دون تعقيد، تماماً كما عاشها أجداده حكام دبي، وعلى الرغم من التغييرات الكبيرة التي طرأت على مجتمعات دبي والإمارات والمنطقة بأسرها، إلا أن ذلك لم يغيّر شيئاً في شخصية محمد بن راشد، ولم يؤثر صيته الذي شاع وذاع في العالم بأسره في طريقة حياته، وبساطته، بل جعله ذلك أكثر اقتراباً من الشعب بمختلف فئاته.
فليخجل كل من يحمل في نفسه ذرة كبر أو يعشق التفاخر والتباهي بالمال، وليخجل كل من يسيء تمثيل دولته في العواصم الأوروبية، وليخجل كل من جعلنا هدفاً لكاميرات الإعلام من خلال السيارات الفارهة، والصفقات المثيرة، وأساليب التعالي والتباهي في المأكل والملبس، فإنكم لن تبلغوا الجبال طولاً، ولن تصلوا يوماً للعالم كما وصل محمد بن راشد، ومع ذلك فهو يرتدي ملابسه الرياضية، ويتجول في الأسواق، ويجلس في مترو مع ولي عهده متنقلاً بكل أريحية وعزة وأمان، في عاصمة لا تخلو من المخاطر!
المال قد يمنحك وضعاً أفضل، لكنه لن يمنحك يوماً حب الناس ما لم تكن تستحقه، والمال قد يلفت الأنظار إليك يوماً، لكن هذه الأنظار قد لا تكون نظرات احترام وإعجاب، وحده التواضع من يجعلك مميزاً بحب، ويجعلك محبوباً دون مجاملة أو بحث عن مصلحة.
بعد أن تجول محمد بن راشد في مترو لندن، هل يا ترى أصبح وضع من يشحن سيارته الفارهة، ويسير بكل عنجهية وجنون في شوارع لندن الضيقة مثيراً للإعجاب؟ وهل أصبح مميزاً كل من يتباهى بركن سيارته على الأرصفة والشوارع، ضارباً بالقوانين والمشاة عرض الحائط؟ وهل أصبح كل متعال مجنون بآفة الاستعراض عبر وسائل التواصل، محط إعجاب وتقدير واحترام؟ لا أعتقد ذلك أبداً!
قائد قدوة، وحاكم نموذج، لذلك اكتسح القلوب، واستحق دعوات الأمهات والعجائز، وأصبح حلم الشباب، وقدوة لكل صغير، وسنداً لكل كبير، لن أنسى كلماته التي مازالت ترن في أذني منذ سنوات عدة، عندما سألناه يوماً عن ذلك فقال: «سعادتي عندما أرى السعادة في عين كل محتاج، والله أعطانا المال ليس لنجمعه ونكنزه، بل لنسعد به الآخرين»، وتساءل: «مادمت أجد كل ما يساعدني على الحياة، فهل سيضيف لي المال شيئاً أكثر؟»، صدى كلماته تلك تردد في ذهني وأنا أشاهد صورة سموه جالساً بكل تواضع في المترو، ذلك التواضع الذي رفع مكانته إلى القمة.

الامارات اليوم