الزعيم «الوهمي» الذي سيصبح خليفة على المسلمين، ويحكم بهم العالم، ويقضي على النصارى واليهود، ويجعلهم يدفعون الجزية وهم صاغرون، لايزال يعشعش في أذهان ملايين البسطاء من عوام المسلمين في كل مكان، ولأن الساسة ورجال الدين يعرفون أهمية هذا الرمز في عقول وقلوب الملايين، فقد أدركوا أن الوصول إلى العقول والقلوب والتحكم بملايين البشر لن يتم إلا عن طريق دغدغة العواطف، والتلاعب بالكلمات، وتزييف الصورة قدر المستطاع، لتكون قريبة من صورة الزعيم الوهمي الموجود في مخيلة هؤلاء البسطاء، ليس بهدف الخلافة المنتظرة، بل بهدف السلطة والمال ولا شيء غيرهما!
لن يتحقق هذا الحلم، ولن يأتي هذا الزعيم، ليس في ذلك انتقاص للإسلام، بل سيبقى الإسلام دين محبة وسلام وتسامح، دين القيم والمبادئ التي تحمل في طياتها صلاح البشرية لا دمارها، لن تأتي الخلافة التي ستسيطر على العالم، لأن الزمن غير الزمن، والوضع الحالي ليس كمثله قبل آلاف السنين، عندما كانت الكلمة للأقوى، والقوي يأكل الضعيف. نحن اليوم نعيش في عصر القوانين والأنظمة والدول المستقلة، هناك نظام عالمي، وأمم متحدة، وقيود تحد من أطماع الدول، صحيح أن هناك خروقات من دول عظمى، لكنها ليست خروقات سافرة تعتمد على شريعة الغاب، نحن الآن في زمن الحضارة الإنسانية، وهذه الحضارة تقتضي أن نركز على التعايش والسلام، وننبذ الحروب والطائفية والعنصرية، لا أن نسعى لتدمير غيرنا كي نُحيي خلافتنا!
عانى العرب والمسلمون في العصر الحديث طويلاً الشعور بالنقص من وجود زعيم للأمة، كما عانوا الظلم والفقر والقهر، ما جعلهم يعتقدون أن الخروج من هذا الوضع السيئ لن يتم إلا بوجود زعيم يُعيد لهم الخلافة، وبالتالي تولدت فكرة الزعيم الوهمي المنتظر، على الرغم من أن الجميع يؤمنون في بواطنهم بأن هذا لن يحدث، وأن هذا الزعيم الشامل لن يفيدهم في شيء!
تناسى العرب والمسلمون أن الخروج من أزمة الضعف والتخلف لن تتم إلا ببناء الدول، وفقاً للمعايير الحديثة المبنية على الاقتصاد والتنمية والتطوير وبناء الإنسان بشخصيته المميزة، ذلك الإنسان المتسلح بالعلم والقادر على الإنتاج والعطاء، وقبل ذلك القادر على التعايش مع الآخر بحب وسلام!
تناسوا ذلك، وجرى معظمهم خلف الخطب العصماء، خلف كل من تمسح بالدين وتغطى بردائه وخاطبهم بلغته، سواء كان هذا الشخص سياسياً أو رجل دين، فهؤلاء عرفوا أين تكمن مفاتيح السيطرة على العقول، وعرفوا أن التستر خلف الدين هو الحصن المنيع، وهو الطريق السريع للوصول إلى الأهداف الباطنية الدنيوية التي لا تخرج أبداً عن إطار السلطة والمال!
الأمثلة على ذلك كثيرة، بل كثيرة جداً، سواء أولئك الساعون وراء الزعامة «الوهمية»، أو تجار الدين الذين حرضوا الشباب، ودمروا الدول، ونشروا العنف والقتل، ومارسوا الإرهاب بأبشع صوره، وهم يظنون أنهم يُحسنون صنعاً، هؤلاء هم أسوأ نماذج البشر في دولنا العربية والإسلامية، وهم أكثر من شوّه الإسلام وأبعده عن أصوله ومبادئه، ولا أسوأ منهم سوى الذين يتبعونهم دون تفكير، ومازالوا ينخدعون بخطاباتهم الملونة والمزيفة والكاذبة!
الامارات اليوم