د. موزة أحمد راشد العبار
يروي الدكتور المهندس المعماري المصري الشهير عبد الرحمن مخلوف الذي تنقلت سيرته بين مدن عربية عدة، بداية من القاهرة، مروراً بالمدينة المنورة ومكة المكرمة وجدة بالمملكة العربية السعودية.
وصولاً إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي التي كان له معها حكاية طويلة ذات شجون وذكريات يفصّلها في كتابه «رحلة العمر مع العمران.. نصف قرن مع تخطيط المدن»، الذي صدر عن المكتب العربي للتخطيط والعمارة في أبوظبي والعين، في 259 صفحة.
في لقاء مع المغفور له الشيخ زايد في قصر البحر عام 1974، يقول مخلوف «كان موضوع اللقاء تسمية الطرق الرئيسة (الشوارع) في أبوظبي. واختار الشيخ زايد الأسماء المعروفة الآن في المدينة، وهي في مجملها ذات دلالات حكيمة: الوفاء للأجداد من آل نهيان.
وتأكيد الإحساس بالمدى الجغرافي لأبوظبي، شوارع مهمة بأسماء أماكن جغرافية: دلما، بني ياس، البطين.
ومن المعاني الدالة على أهدافه نحو أبناء وطنه اختياره اسماً فريداً لأحد أهم شوارع أبوظبي (شارع السعادة)، وهذا يذكرني بما قاله أرسطو عن المدينة المثالية؛ أن تكون بجانب تأدية وظيفتها الأساسية: (توفير المأوى والحماية لسكانها) مصدراً لسعادة الإنسان، فقد كان زايد، رحمه الله، يتصف بالتروي والواقعية، وهذا ما جعله يتجنب الطفرة والقفز من مكان إلى مكان أبعد، وكنا أحياناً نرى التسريع في بعض المشاريع والانتقال بها من طفرة إلى طفرة أكبر، ولكنه، رحمه الله، كان يصر على الروية والتروي في إنجاز الأعمال لتدارك الأخطاء والسلبيات التي قد تطرأ على الساحة، فقد كان، رحمه الله، يستبصر المستقبل ويستشرفه بكل إيمان ووضوح وكأنه يراه أمامه رأي العين، وكان هذا سر نجاحه في جعل «أبوظبي مدينة متطورة ومتجددة ومتنامية الأطراف» دون الحاجة إلى الكثير من الأمور التي يتطلبها التوسع كالهدم وإعادة البناء من جديد، لأنه وضع لكل مرحلة ما تحتاجه، كما أنه لم يغفل عما تحتاجه المراحل المقبلة والمستقبلية، فوضع لها ما تحتاجه من الخدمات والمتطلبات كافة، فلهذا تطورت أبوظبي ونمت رويداً رويداً وعلى أسس وقواعد قوية ومتينة، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه الآن بفضل نظرته المستقبلية الصحيحة، رحم الله حكيم العرب زايد الخير وأسكنه فسيح جناته، ومن بعد رحيله، طيب الله ثراه، ها هي مدينة أبوظبي عاصمة «دولة الإمارات العربية المتحدة» في عهد خلفه صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، وولي عهده الكريم صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أمست مدينة أبوظبي «عاصمة النظافة والطاقة المتجددة» تنافس عواصم العالم الأكثر تحضراً وتقدماً، بما تمتلك الإمارات من سجل حافل بالإنجازات في مجال «الطاقة المتجددة»، وصار توجهها نحو ارتياد هذا المجال جلياً خلال السنوات العشر الماضية، وتجسد هذا التوجه على أرض الواقع بإطلاق مبادرات قوية ورائدة، وهو ما يتجلى في إطلاق مبادرة «مصدر» التي تعمل في اتجاه تعزيز مكانة الدولة على خريطة صناعة الطاقة المتجددة بأن تصبح مركزاً رئيسياً لاقتصادات الطاقة البديلة في المنطقة.
كما أن الإمارات تتمتع بثراء الطاقة الشمسية والتي تعتبر من أنظف مصادر الطاقة المتجددة. حيث تستقبل أكثر من 300 يوم مشمس في السنة، لذا فإن الطاقة الشمسية هي المصدر الرئيسي للطاقة.
بحسب رأي الخبراء المختصين في الطاقة البديلة. كما تعد طاقة الرياح خياراً جيداً نظراً لوجود مناطق عدة في الدولة بها سرعات رياح عالية.
وقد أكد مسؤولون اقتصاديون وماليون بالقطاع السياحي وخبراء بارزون أن فوز الإمارات باستضافة فعاليات الدورة الرابعة والعشرين لـ «القمة العالمية للطاقة 2019» التي تقام كل ثلاث سنوات كان أمراً متوقعاً، مشيرين إلى أن «أبوظبي تعد «المدينة الأمثل» لعقد هذا الحدث» الدولي المهم نظراً لامتلاكها سجلاً باهراً في مجال الطاقة والاستدامة… ومن هذا المنطلق الذي حققته دولة الإمارات في هذا المجال، تتوج «سولار إمبلس 2» التي تعد أول طائرة شمسية تنجح في الدوران حول العالم، رحلتها التاريخية بالهبوط في مطار البطين بأبوظبي.
واختتمت الطائرة وهي مشروع تقني وبحثي مدعوم من شركة أبوظبي لطاقة المستقبل (مصدر) رحلتها عائدة إلى النقطة نفسها التي انطلقت منها في مارس من العام الماضي.
في رحلتها الأخيرة من القاهرة فجر الأحد الماضي في تمام الساعة 3:28 صباحاً بتوقيت أبوظبي، وستدخل الطائرة التاريخ بعد أن أنهت دورانها حول العالم كأول طائرة تعمل بالطاقة الشمسية عبر 17 محطة في 9 دول بقارات العالم، قاطعة مسافة تزيد على 42.11 ألف كيلومتر على مدار 545 ساعة وخلال فترة زمنية دامت 16 شهراً.
ومع عودتها إلى أبوظبي، تؤكد «سولار إمبلس 2» الدور الريادي لأبوظبي والإمارات بصفة عامة في دعم مشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة في العالم، كما تؤكد الرحلة التاريخية للطائرة المستقبل الزاهر الذي ينتظر صناعة الطيران في العالم، وقدرة التقنيات النظيفة على توفير إمدادات طاقة مستدامة.
إن جهود دولة الإمارات العربية المتحدة لمشاركة دول العالم المتحضرة للتحول إلى طاقة المستقبل، الطاقة الخضراء، واضحة وملموسة بإيجاد تقنيات جديدة لتوليد الطاقة المتجددة للحد من الاستغلال غير الرشيد للطاقة اللا حضورية وللاعتماد على طاقة الشمس والرياح.
يأتي هذا الحدث العالمي في سياق الرؤى المستقبلية التي تسير عليها استراتيجية الدولة الداعية للأخذ بسياسات تمكين مفاهيم الاستدامة البيئية. وكما هو معروف أن الشبكة الدولية للطاقات المتجددة تعمل على مدى سنوات لمواجهة تداعيات التقلبات المناخية، ـ ثم تحديات التدهور البيئي والتغيرات الديموغرافية (السكانية).
البيان