د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
الأمة الإسلامية أمة واحدة في دينها وشريعتها وعقيدتها؛ فهي تؤمن بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وآله وسلم نبياً ورسولاً، وتؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ولا تفرق بين أحد من رسله، كما تؤمن باليوم الآخر، وبالقضاء والقدر، خيره وشره، من الله تعالى، فهذه أسس الإيمان ومبانيه العظام التي لا تختلف فيها، كما أنها تقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج بيت الله الحرام، فماذا بقي من مقومات الوحدة غير هذا؟ لذلك سماها الله تعالى أمة واحدة في أكثر من آية، ووصفها بأنها كالبنيان المرصوص، ووصفها المصطفى، صلى الله عليه وسلم، بأنها كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمَّى، لذلك فرض الله تعالى عليها التعاون على البر والتقوى وخاطبها بقوله: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}، والأمر للإيجاب، وهو يشمل الأفراد قبل الجماعات، كما أمرها سبحانه بالاعتصام بحبله والتمسك بشرعه ونهاها عن التفرق الذي يوهن القُوى ويجرئ الأعداء، وجعل التعاون بينها سمة بارزة في جميع شؤونها كما قال سبحانه {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}، لذلك هي أمة واحدة في مقوماتها الفكرية والسلوكية، وإن تفرقت مناهج حياتها سياسياً أو فكرياً، فذلك لا يؤثر على ذاتها الوحدوية، إلا أن الواجب الزمني يفرض عليها تمثُّل وحدتها في قضاياها الأساسية التي تهدد وجودها كأمة واحدة، ذات إرث إبراهيمي اختاره الله لعباده ليعرفوه به ويعبدوه فيه، فليس لها مفر من ذلك.
ويتمثل هذا الواجب الآن على وجه الخصوص برص الصفوف لسد الشرخ الذي أصاب جدارها بفعل المارقين، حتى يبقى جدار الأمة محكماً منيعاً، لأنه إذا ترك فيتسع الخرق على الراقع، وعندئذ سينهار على من فيه من أفراد وشعوب ودول، وقد أوجب الله على الأمة أن لا تستسلم لذلك، بل تقاوم حتى يقضي الله أمراً كان مفعولاً، وهو ما يكون في آخر الزمان الذي مازال بيننا وبينه أمداً بعيداً، وقد دل على ذلك الوجوب حديث السفينة عن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذِ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعاً».
فالأمة الإسلامية تسير في سفينة واحدة ورُبَّان هذه السفينة هو مجموع الأمة، وها هو الشرخ قد بدأ بفعل الإجرام العريض الذي استحل الفجور وخراب الدور، وتجاوز الحدود، وأصاب البشرية بالذهول، ما جعل كل أمة من البشر ترى أنها مستهدفة، وأنها معنية بحماية نفسها، وحُق لكل أمة أن تدافع عن نفسها بشرط أن لا يجرمنها شَنْآنُها لأهل الإجرام أن لا تعدل في القضية، وأن لا تساوي بين البريء والضحية.
وقد أحسنت الأمة في السابق بإنشاء نواة للتعاون الحقيقي، وهي منظمة التعاون الإسلامي، التي أسست عام 1969، على إثر العدوان الغاشم على المسجد الأقصى، ومازالت هذه المنظمة عاملة ناصبة في لم شمل الأمة وجمع شتاتها من خلال برامجها الكثيرة، ومشروعاتها المتعددة، ولها ثقل كبير في المحافل الدولية والأوساط المجتمعية، وعليها الآن أن تلتفت إلى المشروع الفكري والثقافي، الذي يصون وحدة الأمة، ويحافظ على كيانها، ويمنع انهيارها من الداخل قبل اكتساحها من الخارج.
الأمة الإسلامية اليوم معنية بأن تجعل وسطية الإسلام شعاراً لها في الخارج، ومنهجاً لها في الداخل، فيكفيها ما حل بها من ويلات وحروب ودمار وشتات، فلا ينبغي التعامي عن المآلات، فإن ذلك ليس من الكيْس في شيء.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل.
الامارات اليوم