الفجيرة نيوز – بكر المحاسنة :
عندما تبدأ العطلة المدرسية يعود الأطفال إلى حضن العائلة الدافئ، حيث “الجمعة” واللقاءات المتواصلة والجلوس في رحاب الجد والجدة طمعاً في دلال زائد وحكاية مسلية والاستماع إلى نصيحة سديدة، حيث إن بيت الأجداد متنفس الأحفاد في العطلات لممارسة ألعابهم وهواياتهم وكسر رتابة عام دراسي طويل، وهو المكان الذي يتعلم فيه الأطفال الأصالة والحكمة والمرح في أجواء ملؤها الحب والحنان والعاطفة الجياشة .
وللوهلة الأولى يبدو وكأن الأمر عبء جديد على الجدّات، ومزيد من الراحة للأمهات، لكنها في الواقع عادة جميلة تؤكد الترابط الأسري، ووسيلة للاستفادة من خبرة كبار السن في الحياة وسماع قصصهم المسلية . كما أن بيت الأجداد منبع الحكمة والمودة والأمن وتعلم الخصال الحميدة .
الوالدة عائشة راشد اليماحي من منطقة مربح جدّة ل 15 حفيداً، تفرقهم المدارس ويجمعهم الصيف في حضرتها، تتحدث بعفوية عن أبرز ما تشهده الجمعات الصيفية قائلة: طوال العام الدراسي يزورنا الأحفاد، وقلّما يتجمعون معاً، لكن اللقاءات تعود في العطلة الصيفية وتكثر المناسبات الاجتماعية، وكثيراً ما تذهب زوجات أولادي للمشاركة في عرس ثم يودعن أولادهن عندي، ليبدأ شغب وأحياناً تكسير أكواب، وربما يصل الأمر إلى حد التعارك فيما بينهم، لكن هذه الضجة على قلبي أحلى من العسل، بل وألح على أحفادي بالمبيت عند أجدادهم، حتى حفيدتي روضة (عمرها 5 أعوام) تفضل المبيت وتبكي إذا فرض عليها والداها العودة إلى بيتهما ويضطر أهلها للاستجابة لمطلبها، لأن حجّة “غداً صباحاً دوام” تكون غير نافذة المفعول في عطلة الصيف .
الشعور ذاته يتملك الجدة حلاوة اليماحي من منطقة الطويين وهي تؤكد أن الجمعات في العطلة الصيفية تحفزها على العودة لعمل الأكلات والحلويات الشعبية ، مؤكدة أن ميزة اللقاءات في العطلة الصيفية أنها تجعل كل يوم طبخة، وتؤكد أن زوجات أبنائها يحضرن أحياناً المواد ليتم الطبخ في بيتها.
ويؤكد الجد سعيد الكندي من منطقة الفرفار أن أحفاده يملأون حياته دفئاً ويمنحونه متعة كبيرة في الحياة فهو الوالد والجد والصديق لهم، فأحفاده أعزّ على قلبه من أبنائه وعلاقته بهم وطيدة للغاية، وهم يستشيرونه في كل صغيرة وكبيرة في حياتهم وهو بدوره يستمع إليهم ويشاركهم اهتماماتهم وهواياتهم .
ويشير الكندي إلى أن أحفاده يذكّرونه بشبابه، لذلك يدلّلهم، ويحنو عليهم هو وزوجته، ويوجهانهم نحو الطريق الصحيح، متبعَيْن مبدأ الثواب لا العقاب الذي ربما يواجهونه مع آبائهم .
في حين ترى موزة محمد علي أن وجود الأحفاد في بيت الجد الغاية منه مزيد من الحنان، ولكنه ربما يكون أحياناً ممزوجاً بالدلال المبالغ فيه، فأولادها ينتظرون العطلة الصيفية بفارغ الصبر لزيارة بيت الجد الواسع الرحب الذي تحيطه الأشجار والجبال فيتواصلون بذلك مع الطبيعة، ويمكثون فترة طويلة خارج البيت يلهون بدراجاتهم وألعابهم الأخرى .
و تشير مريم عبيد من الفجيرة إلى أن الأطفال يحبون بيت الأجداد لما فيه من متعة القصص واللهو واللعب وممارسة هواياتهم المتعددة .وتؤكد أن زيارة بيت الأجداد في العطل هي وسيلة للتواصل بين الحاضر والماضي واكتساب القيم، من خلال القصص التراثية القديمة التي يقوم الأجداد بسردها للأطفال . كما يعتبر وجود الأولاد في بيت أجدادهم تواصلاً أسرياً وطريقة لتعزيز الصلات الاجتماعية، وحلاً للمشكلات في حال وجودها، لأن الأجداد كنز ثمين في المعرفة والعلم ..
شيخة محمد طالبة في الصف الرابع الابتدائي تقول: جدي وجدتي لطيفان وحنونان وأحب الذهاب إلى بيتهما في العطل، لأنهما يعلّماني قراءة وحفظ القرآن والدعاء، كما لا يبخلان بشيء فيقومان بشراء الهدايا من ملابس وألعاب .
الدكتور سيف المعيلي مدرب التنمية البشرية والخبير الأسري يقول: بقاء الطفل في بيت الجد يكسبه الكثير من الأمور التي ربما يفوت على الأبوين تعليمها للطفل بسبب ظروف الحياة والمعيشة، فكل منهما منهمك في عمله أو بالتزاماته ولكن وبمجرد وجود الجدين مع الطفل يلاحظان كل التصرفات التي يتصرفها والأفعال والحركات التي ربما تسيء إليه وعليه يقوم الجدان وبحكم تفرغهما، وبطريقة غير مباشرة، بتعليم الطفل كثيراً من العادات والتقاليد وإصلاح العديد من التصرفات والسلوكيات الخاطئة لديه.
ويشدد المعيلي على أن الطفل يتعلم في بيت أجداده، بعض المفاهيم والعادات الأصيلة التي تغرس في نفسه من دون أن يشعر وتنمو في داخله ليجدها في مستقبله عوناً له في التعامل مع المجتمع .