محمد الحمادي

الراصد للمشهد العربي بطول هذه المنطقة وعرضها لابد أن ينتابه إحساس بالإحباط وشيء من اليأس؛ فنحن نرى مشاكل ولا نرى حلولاً، ونرى مآسي ولا نرى منها مخرجاً.. والأهم والأخطر أننا نرى العرب قد خرجوا تماماً من إدارة أزماتهم، وأن الأمر لم يعد بأيديهم، وأن مفاتيح البيت العربي لم تعد في يد العرب، بل إنها في يد الأجنبي الإقليمي أو الدولي.. وأن القوى الدولية الإقليمية ليست معنية بالحلول، ولكنها معنية بإدارة أزمات العرب وإطالة أمدها لأكبر فترة ممكنة، وبعقد الصفقات السياسية معاً على حساب هذه الأزمات.

في اليمن فقط تدارك العرب الموقف، وتسلموا زمام المبادرة، وأقاموا تحالفاً عسكرياً قوياً استطاع أن يلجم الطموحات الإيرانية، ويهزم مشروع الملالي، لكن للأسف لم يستطع العرب تكرار هذه التجربة في ليبيا أو سوريا أو العراق.
وكل التحليلات والقراءات للأوضاع تؤكد أن سوريا لن تعود كما كانت قبل الحرب، وكذلك ليبيا والعراق، وأن القوى الإقليمية والدولية تبرم صفقاتها وتحالفاتها وهي تستدفئ باسترخاء على النار العربية المشتعلة في كل مكان بالمنطقة.. وهذه القوى تعيد الآن صياغة علاقاتها مع بعضها على حساب الأوضاع العربية في كل مكان بالمنطقة.. وهذه القوى تساوم بعضها بعضاً بالورقة السورية أو الورقة الليبية أو العراقية، بل وبورقة «داعش» والتنظيمات الإرهابية الأخرى.. حتى ينتاب المرء ما يشبه اليقين بأنه لا توجد جدية أو إرادة لدى هذه القوى في حل الأزمات العربية.

أما العرب فما يزالون مصممين على عدم مواجهة الحقيقة المرة ومواجهة عيوبهم. والحقيقة المرة هي أنه لا يوجد موقف عربي موحد، ولا يوجد ما يسمونه العمل العربي المشترك، بل توجد ممانعات ومماحكات ومواجهات سياسية عربية – عربية واضحة، والأمة العربية التي كنا نتحدث عنها قديماً لم تكن موحدة ولا واحدة منذ اندلاع ما يسمى الربيع العربي، بل إن هناك دولاً خرجت تماماً من المنظومة العربية، إما بفعل السيطرة عليها من جانب إيران أو بفعل انكفائها على أزماتها الداخلية الطاحنة، وإذا ولَّيت وجهك شطر الجامعة العربية فسوف تجدها ترجمة أمينة للضعف والترهل العربي، وتجلى ذلك في القمة العربية الأخيرة التي استضافتها موريتانيا.. وكل هذه التراكمات الصعبة ألقي عبئها كله على كاهل دول الخليج العربية التي وجدت نفسها مطالبة بقيادة سفينة الأمة العربية في هذا البحر المتلاطم الأمواج، ووسط هذه العاصفة الهوجاء، فهل ينتفض العرب من جديد ويستعيدون مفاتيح البيت العربي من القوى الإقليمية والدولية، وينضمون إلى مجلس التعاون الخليجي في قيادة سفينة الأمة إلى بر الأمان؟

الاتحاد