د. أحمد بن عبدالعزيز الحداد
كم لله علينا من نعمٍ يغدقها علينا ليلاً ونهاراً وصيفاً وشتاءً! نتذكر بها المنعم جل في علاه فنزداد له شكراً، ويزيدنا عطاءً، وفي هذا الصيف القائظ الذي يحرق الشجر والبشر، نجده ينعم علينا بنعم الطَّلع النضيد الذي يقول عنه سبحانه: {وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَهَا طَلْعٌ نَضِيدٌ}أي فارهات الطول، ولها من الثمر ما هو متراكب بعضه فوق بعض لكثرته وجودته – نضيد أي منضود، يقال: نضَّد متاعه إذا وضع بعضه فوق بعض – فيصف لنا المولى سبحانه حال ثمر النخل وهو طلع ثم بلح ثم زهوٌ ثم بسر ثم رطب ثم تمر، ونحن الآن في أوان كونه رطباً، وهو ألذ ثمراً وأطيب أكلاً، وكل الناس يتوق إليه، وكم قد تطلعوا إليه! ووجوده يهوِّن لهب الحر، وفائدته المادية والمعنوية تهون تعب زرعه وسقيه حتى أتى يوم حصاده.
وفي هذه المنَّة الإلهية حقٌّ لا ينسى، وهو الزكاة التي فرضها الله تعالى في مثل هذه النعمة للفقراء والمساكين، الذين يتطلعون إلى نصيب فيه يكفيهم مؤنة سنتهم، أو بعضاً منها، والمتعين فيه على مَن منَّ الله تعالى عليه بهذه النعمة أن يؤدي شكرها بإخراج الزكاة التي أمر الله تعالى أن تخرج يوم الحصاد، والملاحظ في هذا الخير الكثير لدى بعض أصحاب المزارع أن كثيراً من هذا الحق يفوت بفعل أكله رطباً فيضيع حق كثير على الفقراء. والمتعين على من وجد في نخله نصاباً وهو خمسة أوسق، والمقدرة بـ653 كيلوغراماً، أن يعرف حق الله تعالى فيه ليخرجه بعد حصاده تمراً وهو معلوم لديه.
وسبيل ذلك أن يخرصه عند بدّو النضج، أي يقدر الواجب فيه وهو الـ5% فيكون معلوماً، ثم يأكل ويتصدق ويبيع ويهدي ما شاء، وقد علم ما وجب عليه، فإذا جاء وقت حصاد التمر أخرج الواجب المقدر، وهذا ما كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يفعله ويأمر به، كما روت عائشة، رضي الله تعالى عنها، قالت وهي تذكر شأن خيبر: «كان النبي – صلى الله عليه وسلم – يبعث عبدالله بن رواحة إلى يهود، فيخرص النخل حين يطيب قبل أن يؤكل منه»، وروى عتاب بن أسِيد، رضي الله تعالى عنه، أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم «أمره أن يخرص العنب زبيباً كما يخرص التمر».
ذلك أنه لا يصح أن تخرج زكاة التمر رطباً ولا الزبيب عنباً، لأنهما لا يُدَّخران، والشأن في الزكاة أن يدخرها الفقير لسنته.
وحتى لا يكون حرج وتضييق على أصحاب النخل في استقصاء الحق المعلوم، فقد كان النبي، صلى الله عليه وسلم، يأمر الخارصين أن يتجاوزوا عن القليل فيقول «إذا خرصتم، فخذوا ودعوا الثلث، فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع».
وبما أنه ليس هناك خرص منظَّم من جهة بيت المال، فقد تركت الدولة، رعاها الله، هذا الأمر لضمائر المزكين.
لذلك فإن على كل إنسان أن يقدر ما في نخله من الخير، فيقول مثلاً: فيه طن أو طنان، والواجب فيه 5% ففي الطن 50 كيلوغراماً، وفي الطنان 100 كيلوغرام، حيث إن المزارع تسقى بالمؤنة، فيكون معلوماً عند بيعه نسبة الواجب فيه، فيخرجه تمراً أو قيمة، بنفسه أو عن طريق صندوق الزكاة الذي هو مؤسسة رسمية توصل الزكاة لمستحقيها بدقة متناهية، ولا يمر عليها عام وعندها زكاة لعام آخر.
وما يفعله كثير من الخيرين من إخراجه هدايا فإن الزكاة تبقى في الذمة؛ لأن الزكاة لا تصح إلا بنية، ولا تصح إلا لمستحقيها من الأصناف الثمانية المبينة في آية الصدقة.
الامارات اليوم