منذ أيام كان لي لقاء مع معالي الدكتور أنور قرقاش، وزير الدولة للشؤون الخارجية، بحضور عدد من الزملاء رؤساء تحرير الصحف المحلية، ودار الحديث مع معاليه حول كثير من قضايا المنطقة والأزمات العميقة التي تشهدها بعض الدول العربية، ومن ضمن سياق الحديث كنا نتساءل عن دور جامعة الدول العربية المفقود في هذا الوقت الحساس والصعب، فكان رد الوزير لماذا لا تسألون الأمين العام الجديد للجامعة، وبدا من حديث معاليه أنه متفائل بوجود الدبلوماسي المصري المخضرم أحمد أبو الغيط على رأس الجامعة العربية في هذه المرحلة، فقمت بالتواصل مع الجامعة، وكان الرد سريعاً بالموافقة على الحوار، سافرت إلى القاهرة، وفي مكتب معاليه في مقر جامعة الدول العربية كان هذا اللقاء.

كنت أخشى أن الأمين العام لجامعة الدول العربية معالي أحمد أبو الغيط سيزيدنا من الهم العربي هماً أو بيتاً، وأنه سيبدو ربما حائراً أو متشائماً أمام الملفات المتخمة والساخنة، ولكن فُوجئت بأنّه بدا متفائلاً بالغد وبالمستقبل، ورأيت أن تفاؤله ليس من فراغ، بل هو نتيجة لقراءة جيدة وشاملة لكل الأحداث والحوادث، وإلمام بالشؤون العربية، وقدرة معروفة عنه على اقتحام الأمور كافة بمنطق وعقلانية الدبلوماسي المخضرم الذي تكوَّنت لديه حصيلة تراكمية من الخبرة بشأن العمل العربي.

الملفات والقضايا العربية ليست فقط كثيرة ومتشعبة ومتقاطعة ومتشابكة، ولكنها أيضاً شائكة ومعقدة .. والمتابع العادي للمشهد العربي لا يكاد يرى أي ضوء في نهاية النفق، خصوصاً مع تدويل معظم الأزمات العربية، إنْ لم تكن كلها، وما يشبه التحييد أو الإبعاد القسري للعرب عن قضاياهم، وكذلك مع دخول قوى إقليمية على الخط العربي واشتباكها مع أزماتنا وقضايانا، ناهيك عن الأطماع المتزايدة والتدخلات الواضحة في الشأن العربي ونزعات الهيمنة، وكل هذا يُضاف إلى أن المجتمع الدولي ممثلاً في منظمة الأمم المتحدة والقوى الدولية، أصبح يكتفي بإدارة الأزمات العربية دون إرادة واضحة لحل أو حتى حلحلة هذه الأزمات.

تحدث معالي الأمين العام بكل شفافية ووضوح حول كل القضايا العربية، ورؤيته لها، ولكن الملف الذي يحظى بأولوية لديه هو ملف العمل العربي المشترك، وخلق دور أكثر إيجابية، وحركة أكثر اتساعاً لجامعة الدول العربية في الاشتباك مع قضايا الأمّة وأزماتها، حيث يرى معاليه أن إصلاح أو لنقل تنشيط الجامعة العربية هو مفتاح الحل لكل القضايا، ولا بد من إعادة الملفات العربية كلها إلى بيت العرب حتى إذا كان لا بد من التعاون مع المجتمع الدولي في هذا الشأن، لكن الأساس هو أن تكون جامعة الدول العربية هي اللاعب الرئيس والأهم في كل قضايانا، وقد خرجنا من الحوار مع الأمين العام لجامعة الدول العربية أكثر تفاؤلاً بالمستقبل رغم صعوبة وحساسية ودقّة الظرف العربي الحالي، لأنّ معالي الأمين العام كان يُردد خلال اللقاء: أنا هُنا خادم العرب، وأمين على جامعة الدول العربية، ولست أميناً لها..

محمد الحمادي- الاتحاد