أكد صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أن دولة الإمارات تفوقت إقليمياً في المساواة بين الجنسين، وفقاً لأحدث تقارير المنتدى الاقتصادي العالمي الذي أوضح أن 49.3 % من سكان الإمارات، و 66% من سوق العمل في الدولة من النساء، وأن ثلثي القوى العاملة في الحكومات، الاتحادية والمحلية، هن أيضاً من النساء، منهن خريجات الجامعات، ومنهن ثلث مجلس وزراء دولة الإمارات. وأضاف سموه، بأن النساء يشكلن نسبة 38 % من القوى العاملة في قطاع البنوك، وأن معدل الأمية بين النساء في الإمارات انخفض بنسبة 7،3% عام 2015.

جاء ذلك خلال الكلمة الرئيسة التي ألقاها صاحب السمو حاكم الشارقة، بحضور قرينته، سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، رئيسة مؤسستي «القلب الكبير»، و «نماء» للارتقاء بالمرأة، ومعالي الدكتورة أمل عبدالله القبيسي رئيسة المجلس الوطني الاتحادي، وسمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في حفل افتتاح الدورة الثانية من مؤتمر «الاستثمار في المستقبل»، الذي تستضيفه إمارة الشارقة، تحت شعار « بناء قدرات النساء والفتيات في العالم العربي»، وتنظمه كل من مؤسسة «القلب الكبير»، المؤسسة الإنسانية العالمية المعنية بمساعدة اللاجئين والمحتاجين حول العالم، التي تتخذ من إمارة الشارقة مقراً لها، وهيئة الأمم المتحدة للمساواة بين الجنسين وتمكين المرأة «هيئة الأمم المتحدة للمرأة»، في قاعة «الجواهر» للمناسبات والمؤتمرات بالإمارة صباح أمس.

وقال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة: «حسناً فعلت وتفعل مؤسسة «القلب الكبير» وهي تمد يدها إلى منظمة الأمم المتحدة للمرأة وللشراكة مع مؤسسة «نماء» للارتقاء بالمرأة ومعهما جامعة الدول العربية، لترتيب هذا المؤتمر العالمي في دور انعقاد ثانٍ لغاية العناية الفاعلة بحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين، والذي يجمع كوكبة رفيعة العلم والمعارف في ممارسات تمكن المرأة وحماية حقوق الفتيات».
وأضاف سموه مخاطباً الفتيات والسيدات: «أنتن مدرسة إذا أعددناها، .. فالمرأة في المدرسة والبيت والمجتمع لها وضع وقدر وفعل لا يمكن إغفاله في حياتنا العامة، هل أقول إن استثمارات المرأة الإماراتية في الوقت الحاضر تتجاوز اثني عشر مليار درهم؟! بيد أن تمكين المرأة اقتصادياً يحتاج في عالمنا العربي إلى اهتمام جدي وبذل جهود أكبر، ولكني أود أن أتوجه إلى حقوق التعليم، فقد أشرت إلى زوال كبير للأمية في بلادنا، ولكن بلاد العرب بلادي، والأمية من المحيط إلى الخليج مرتفعة وخاصة بين النساء».

وأشار صاحب السمو حاكم الشارقة إلى أن تنظيمات مثل مراكز التنمية الأسرية، ومجالس سيدات الأعمال، ومراكز محو الأمية وتعليم الكبار، والمجتمعات النسائية على تعددها وتنوعها، يمكن أن تردم الفجوة في المجالات المذكورة، بل وتهيئ للمرأة مكانة للفعل والتفاعل لأجل المساواة في الحقوق التي تكفلها الأديان والأوطان.

وقال سموه «بالعلم ترتقي الأمم وترتقي الشعوب، وفي عالم اليوم يجب الانتباه إلى هذه الثورة الهائلة في مجال تكنولوجيا المعارف والعلوم، مما يوجب علينا أن نخوض غمارها لكي نسارع إلى ضمان كسب رهانات المستقبل بتوفير مستلزمات اللحاق بالعصر والمساهمة في جعل العالم أكثر إنسانية وعدالة، بل وتسامحاً وأماناً وأمناً».

وأضاف صاحب السمو حاكم الشارقة في كلمته إلى الحضور «إن مؤتمركم هذا لهو سبيل فاعل إلى التغيير ولسوف تكون مخرجاته، بإذن الله، وسيلة لنا لتحقيق بعض توصياته التي سوف تجعل تمكين المرأة في عالمنا العربي الأفريقي والآسيوي ممكناً ورفاه المرأة واقعاً إذا آمنّا بأن ما يحقق للمرأة يتحقق للمجتمع كله». وتابع الحضور خلال حفل افتتاح المؤتمر، فيديو وجهت من خلاله سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي بصوتها، رسالة للعالم حول أهمية الاستثمار في مستقبل الفتيات، قالت فيه «تدفع الفتاة، في كثير من دول المنطقة، ثمناً باهظاً، نتيجة واقع مؤلم تعيش فيه، جراء ضعف التشريعات الداعمة لها، وغياب التقدير المنصف من مجتمعها، لنكن جميعاً رجالاً ونساءً معها، ندعمها، نقدرها، نستثمر قدراتها التي لن يستطيع أحد سواها أن يبدع فيها، المرأة هي عصب الحياة، ومحور تكوين المستقبل بشراكة غير قابلة للفصل مع الرجل، لنكن مع المرأة ليس لأجلها فقط بل لأجل المجتمع، والمستقبل، والتنمية، والسلام».

وأضافت سموها «نؤمن في دولة الإمارات العربية المتحدة، بأن المرأة لم تكن يوماً نصف المجتمع، بل كانت وستبقى أساس المجتمع وحاضره ومستقبله، ولهذا نحن هنا اليوم في الشارقة لنناقش معاً واقع الفتيات والسيدات في المنطقة، وآلية الاستثمار في المستقبل، المستقبل الذي سيشرق بفكر المرأة وعطائها، بعمقها وأبعادها».
وحضر حفل الافتتاح رولا بيبي جول غني، السيدة الأولى في جمهورية أفغانستان الإسلامية، حرم الدكتور محمد أشرف غني أحمدزي، وكايلاش ساتي ارثي، الناشط الحقوقى الهندي في مجال حقوق وتعليم الأطفال، وملالا يوسف زاي، الناشطة الباكستانية في مجال تعليم الإناث، وأصغر حاصلة على جائزة نوبل للسلام، والدكتورة فومزيلي ملامبو نكوكا، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة، إلى جانب نخبة من الناشطين ومناصري المساواة بين الجنسين، وممثلي الحكومات والمنظمات الدولية ومتخذي القرار، وعدد من الأكاديميين والخبراء من المنطقة. وقال سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، في كلمة ألقاها خلال المؤتمر: «عندما نزل الوحيُ أولَ مرةٍ على النبيِّ الأمينِ – عليه الصلاة والسلام – هرع إلى امرأة، لم يَذهَب إلى صديق أو قريب، بل اتجه مباشرة إلى أُمِّنا خديجة رضي الله عنها. طمأَنَتْهُ، وعزَّزَتْ ثِقَتَهُ بنفسه، ثم منحته الأمل.. وهذا ما لا يستطيع أحدٌ أن يقوم به كالمرأة: بثُّ الأمل في الناس والحياة». وأضاف سموه «ولقد كانت المرأة حاضرة في سِيرَتِه العَطِرة، إلا أنها ظُلِمَت في مراحل كثيرة من التاريخ، ولم تُذكر إلا في شَذَراتِ بعض الكتب، وكأن الرجال عاشوا وفكّروا وعَمِلوا وبَنَوا وعَمّروا لوحدهم، ولهذا، فإذا أردنا أن نعرف مدى رُقِيِّ أُمّة فعلينا أن ننظر إلى مكانة المرأة فيها، ونبحث عَن المرأةِ في تاريخها».

وأكد سموه أن لنا في الذُّريّةِ الشريفة للنبي الكريم – عليه الصلاة والسلام – أمثلةٌ جميلةٌ لمكانة المرأة في المجتمع، فلقد كانت حفيدتُه، السيدة سُكَيْنة بنتُ الحسين تاجاً على رؤوس الأُدباء، وشامةً في خَدِّ الأدب. فقد انتقلت بين الفقه والحديث والشِّعْرِ والأدب، وكان بيتُها داراً مِن دُورِ العِلْمِ والثقافة في ذلك الزمن، حتى كان يُقال عنها بأنها سيدةُ نساءِ عصْرِها وعَقِيلَةُ قُريش. وكانت أول من أنشأ « صالوناً » أدبياً كـ « صالونات » الأدباء المُعاصرين.

وأضاف سموه: « أما السيدةُ نفيسة حفيدةُ الحسن بن علي، فلقد كانت تذهَبُ إلى المسجد النبوي لتسمع من شيوخه وتأخُذَ مِن عُلمائه الفقه والحديث حتى صارت تُلقَّبِ بـ «نفيسةِ العِلْم». وعندما استقرّت بمصر، كان الناس يجتمعون إليها يومين في الأسبوع لينهلوا من علمها ومعرفتها.

وأشار سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، إلى أن الأمثلة على مكانة المرأة في تاريخنا كثيرة، إلا أننا لا نقرأُ جيداً، داعياً كل مسؤول تَقَعُ تحت مسؤوليتِه تعليمُ الناس، أن يكون أميناً في سَردِ التاريخ، حتى تَنشأَ الأجيالُ القادمةُ مُدْرِكَة حقائقَ التاريخ، وعارفة مكانة المرأة الحقيقية ودورها في الحياة والمجتمع، مضيفاً أنه في دولة الإمارات، لم يبن الرجل هذا البلد لوحده، ومنذ القدم كانت المرأة عبر تاريخنا وما زالت إحدى أركان البناء، كالرجل تماماً. وقال سموه: «ما زلتُ أذكرُ صورة والدي المغفور له بإذن الله الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان – طيب الله ثراه – وهو جالس مع أمي الشيخة فاطمة بنت مبارك – حفظها الله – يُخبرها عن قضية ما ثم يسمعُ منها، كان يستشيرها في شؤون المجتمع ككل وليس في قضايا المرأة فقط، واليوم تأخذ على عاتقها أن تُمنَحَ الفتياتُ في دولة الإمارات الفرص نفسها التي يحظى بها الشباب، في التعليم والعمل، وفي الحقوق والواجبات كذلك». وأضاف: «في شارقةِ العِلْم والثقافة فإن المرأةَ هي القلبُ الكبير.. حيث نجتمع اليوم لأن سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي تؤمن بأنه لا مستقبل مِن دون المرأة، وما هذا التجمع إلا دليلٌ على رؤيتها الصادقة والطموحة لتكون فتاة الإمارات نموذجاً للفتاة العربية التي لا تَأْنَفُ مِن قِيَمها وموروثها، ولا تجد مُشكلة في التفاعل مع العالم الجديد بمُعطياته وأساليبه الحديثة».

وتابع سموه «إننا اليوم في دولة الإمارات نحصُدُ زَرْع الآباء والأُمهات عبر السنين، فالشباب في الإمارات تقودهم المرأة، والتسامحُ في الإمارات تنشره المرأة، ودعونا لا ننسى أن السعادة في دولة الإمارات تَبُثُّها المرأة».

الاتحاد