سامي الريامي
القراءة والثقافة، ليستا هوايات كمالية، ولا هما رفاهية زائدة لمن يمتلك وقت فراغ، إنهما في وقتنا الحاضر ضرورة قصوى، بل هما الحماية الحقيقية لعقول الشباب العربي من العبث والفوضى والعُنف، وهما الوسيلة الوحيدة الفاعلة للقضاء على الأفكار الضالة، وعلى التشدد والتزمّت والكراهية.
العالم العربي يمر اليوم بأسوأ حالاته، وهناك فوضى وجهل مغلف بفكر عقيم، يتبعه انسياق من البسطاء والسطحيين والعامة، ولو كانت هناك ثقافة وعلم ومعرفة، لما وصلت الحال إلى هذه الدرجة من السوء، ولما انتشرت الطائفية البغيضة، والتشدد المقيت، والأفكار الضالة العقيمة، ولما تناحر العرب، وما انتشر العنف باسم الدين، هذا التدهور السريع هو نتاج مباشر لغياب العلم والمعرفة، وفي مقابل ذلك، فإن المخرج الوحيد من هذه الأزمات هو نشر العلم والثقافة والمعرفة والقراءة، ولا شيء غير ذلك!
العلم يرقى بالشعوب، والثقافة تغذي عقولها، وبذلك يتحول الشعب كله إلى قادة يصعب انقيادهم وراء كل فكر دخيل أو غريب أو مدمّر، وهنا يكمن الفرق بين الشعوب، تماماً كما قال صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في تحليل جميل ومنطقي: «الشعوب أنواع: شعب قيادي، وشعب انقيادي، ورقي الدول وتطورها واستقرارها مبنية أساساً على نوع الشعب، فالهند مثلاً تعتبر شبه قارة مملوءة بالتناقضات، هي شعوب عدة في دولة، ومئات اللغات المختلفة، ومئات الأديان، ومع ذلك فالشعب الهندي قيادي، لذلك لا توجد مشكلات خطيرة، ولا اقتتال بين الطوائف، ولا خلافات مميتة»!
«كذلك اليابان، دولة تتميز بشعبها الحضاري المثقف، ولذلك حتى عندما انهزمت القيادة اليابانية في الحرب العالمية الثانية، استطاع الشعب أن يعود سريعاً إلى مرتبته المتقدمة عالمياً، وذلك لأن الشعب الياباني شعب قيادي وليس انقيادياً، ومثله تماماً الشعب الألماني في مثال واضح ومماثل لما حدث في اليابان»!
أما شعوبنا العربية، فهي في الأغلب مُغيّبة العقل، هي شعوب انقيادية، أُعطيت حرية لا تعرفها، وقيادة لم تتدرب عليها، لذلك لا غرابة أن تتطاحن، وتتقاتل، وتغزوها الطائفية، وتسيطر عليها الأفكار البالية، وينتشر العنف والتشدد والكراهية، بمجرد أن الشعوب شعرت بحرية لا تعرفها، ولا تعرف كيفية التعامل معها!
حالة الإحباط التي تمر بالوطن العربي، وكل هذا التناحر والتنافر سببه المباشر غياب العقل، ولن يعود العقل دون فكر وعلم وثقافة ومعرفة، ولن تأتي الثقافة والمعرفة من دون قراءة ومن دون كتب، هذه هي الضمانة الأكيدة لترقية العقل، وبناء الوطن، وضمان انتشار المحبة والسلام والاستقرار، فالسلام والمحبة هما نتيجة الفكر الراقي، والعنف والتخلف والتشدد والكراهية هي نتيجة طبيعية للجهل وتسليم العقل للآخرين!
لذلك ما تفعله حكومة الإمارات، وما يفعله قادتها، من تشجيع على القراءة، وإطلاق المبادرات العربية والعالمية في هذا الاتجاه، يجعلها نموذجاً عصرياً لمكافحة الفكر بالفكر، وبناء الأوطان بالعلم والمعرفة، ونشر التسامح والمحبة من خلال الثقافة، هي نموذج رائد للتقارب والتعايش، وهي نموذج لصهر ودمج ثقافات العالم في بوتقة واحدة، وهذا هو ضمان الاستقرار والأمن، ونشر الاطمئنان بين جميع فئات المجتمع، والوسيلة الناجعة للقضاء على كل فكر شاذٍّ، لا يواكب العالم العصري الحديث!
الامارات اليوم