تشارف 11 سيدة يناهزن الستين من العمر أو يكبرن بقليل ممن جلسن على مقاعد الدراسة في أحد فصول محو الأمية بمجلس أولياء أمور الشارقة إنهاء فصلهن الدراسي، ضمن مبادرة السعادة التي أطلقها مجلس الشارقة للتعليم للقضاء على الأمية، بتوجيه من صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة.

وبالرغم من تجاوز أعمار بعضهن منتصف الستين، فقد آثرن القدوم والاستفادة من هذه الفرصة، مؤكدات أن السبب وراء إقبالهم على التعليم «بشغف» تعلُّم قراءة القرآن الكريم.

«البيان» التقت عدداً من الدارسات، منهن فاطمة عبد الله محمد التي تبلغ من العمر 60 عاماً، حيث قالت: «إن المسؤولية التي ألقيت على عاتقها مبكراً بعد زواجها وهي في سن صغيرة، وانشغالها بتربية ستة من الأبناء، حالا دون دخولها المدرسة وتلقي تعليمها أسوة بأقرانها، لكنها اليوم بعد أن أدت رسالتها كأمّ وتخرّج جميع أبنائها وتقلدوا وظائف، آثرت العودة لتحقق حلماً راودها كثيراً، وهو تعلم القراءة والكتابة، وتعلم كتابة اسمها وقراءة القرآن».

أما السبب الذي قاد عائشة عبيد (65 عاماً) إلى فصول محو الأمية، وهي أم لـ9 أبناء، فرغبتها الدفينة في فهم ما يجري حولها عبر القراءة والكتابة، وعدم الشعور بأنها غير قادرة على تسيير شؤونها بمفردها، والاعتماد على الآخرين خاصة في الدوائر الحكومية، إذ إنها لا تستطيع الذهاب بمفردها لعمل بطاقة صحية على سبيل المثال، لكونها لا تعرف القراءة والكتابة، وقالت: «أريد أن يدخل نور العلم إلى قلبي وعقلي، واليوم صاحب السمو حاكم الشارقة وفّر لي الإمكانية لأفعل ذلك، من خلال هذه المكرمة المهمة التي تحقق حلماً راودني أكثر من 40 عاماً».

أما مريم مبارك التي بلغت من الكبر عتياً، فقالت إنها حضرت إلى فصول محو الأمية بدعم وتشجيع من أبنائها الـ11 الذين ضحّت من أجلهم ولم تتعلم ولم تعرف للمدرسة طريقاً، مشيرة إلى أن هدفها تعلُّم مبادئ القراءة والكتابة وحفظ القرآن الكريم والأحاديث النبوية، فكان الالتزام بالحضور المبكر والدائم هو الصفة الدائمة والملازمة لها، فحفظت بعض السور من القرآن الكريم.

الحماسة للتعلم كانت طابع آمنة محمد التي تعد أصغر الدارسات، وتبلغ من العمر 40 عاماً، فأكدت أن ظروفاً خاصة منعتها من الالتحاق بالمدرسة، كان أبرزها زواجها، ثم وفاة زوجها، وتكريس حياتها لتربية أبنائها، مشيرة إلى أن العلم نور يبدّد العتمة، وهي تريد أن تتعلم كيف تكتب وتقرأ، وتود أن تتابع دراستها كي تستطيع مجاراة أولادها والتقرب إليهم، وأنهم هم من شجعوها ودفعوها للانضمام إلى مركز محو الأمية، ولا تتردد في القول إن شعورها تغير في هذه المرحلة التي تستطيع فيها القراءة والكتابة.

الدكتور سعيد الكعبي، عضو المجلس التنفيذي رئيس مجلس الشارقة للتعليم، أوضح أن مشروع محو أمية هذه الفئة يأتي بتوجيهات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة، وهو يمس شريحة مهمة من أفراد المجتمع، ممن فاتهم قطار التعليم لأسباب مختلفة، وذلك لإكمال دراساتهم ومواصلة المشوار العلمي للراغبين منهم، ما ينعكس إيجاباً على شخصياتهم وتكوينها النفسي والمعرفي والثقافي، إلى جانب تحسين مستواهم الاقتصادي، مضيفاً أن البرامج التعليمية وفرت الكوادر البشرية للقيام بهذه المهمة، التي تفتح الباب واسعاً أمام الراغبين في استكمال دراستهم.

بلغ عدد المستهدفات من المبادرة 89، منهن 11 دارسة في مجلس أولياء أمور الشارقة، و16 دارسة في مركز البطائح الثقافي الرياضي، و23 في مراكز التعليم المسائية، و4 تم إلحاقهن بمدارس الإمارة الحكومية، بعد التنسيق مع وزارة التربية، وحل الإشكالات التي تعوق استكمال دراستهن، وهن من الفئة العمرية الصغيرة، و10 حالات استوعبتها مدينة الخدمات الإنسانية، و20 سجلن لاحقاً، بينما تعذر قبول 17 حالة لشدة الإعاقة، ويشهد الفصل الثالث والأخير بداية تعليم عدد من غير القادرات على التحرك، بنقل الدروس إلى بيوتهن، لتجنيبهن مشقة التنقل، بواقع 5 حالات، واحدة في الحمرية، و3 في الذيد، وواحدة في المنطقة الشرقية.

قال علي الحوسني، الأمين العام لمجلس الشارقة للتعليم، إن المجلس تسلّم كشوفاً بأسماء من أدرجن في عملية التعداد الناتجة من الإحصاء، وذلك بعد اجتماع تنسيقي عُقد في وقت سابق بين مجلس الشارقة للتعليم ودائرة الإحصاء والتنمية المجتمعية في الإمارة، حيث تكفّل كادر تربوي متخصص بدراسة الحالات بشكل فردي، والتواصل معها للتأكد من ظروفها وكيفية التنسيق معها، وأضاف أنه تمت مخاطبة الجهات ذات العلاقة، وعلى رأسها وزارة التربية والتعليم الحليف الاستراتيجي، ومدينة الشارقة للخدمات الإنسانية، لإلحاق بعض الحالات، وكذلك اتخاذ الإجراءات العملية لفتح فصول في مجالس أولياء الأمور، لاستقبال فئة كبار السن، وتوفير مواصلات لهن بواقع 3 أيام في الأسبوع، أما عن فئة كبيرات السن غير القادرات على الوصول إلى مقر مجالس أولياء الأمور، فأوضح الحوسني أن المجلس سيرسل مطلع الفصل الدراسي الثالث والأخير معلمة إلى بعض الحالات الصعبة في منازلهن بواقع 3 أيام في الأسبوع.

‎المعلمة نورة سعيد المخيني قالت إن أعمار الدارسات تراوح بين 50-65، والسمة الغالبة منذ بداية الفصل الدراسي الثاني الإقبال والرغبة في تعلم القراءة والكتابة، وغالبيتهن يجمعهن هدف واحد، وهو الشغف بقراءة القرآن.

وذكرت أن هدف الكادر التدريسي تعليم المهارات القرائية والكتابية لللرغبات في التحرر من الأمية، ومساعدتهن على التفاعل الإيجابي داخل المجتمع، والقضاء على شعور العزلة الذي ينتاب بعضهن، مشيرة إلى أن مجهوداً كبيراً يُبذل، وأضافت: «أجمل شيء أن ترى ثمرة لهذا التعب، متمثلةً في تمكين هذه الفئة الشغوفة من القراءة».

البيان