أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فوز الباحثين الأستاذ الدكتور ياروسلاف ستيتكيفيتش وزوجته الأستاذة الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش بجائزة “شخصية العام الثقافية” للدورة الثالثة عشرة 2019.

ومن المقرّر أن يُقام حفل تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب بتاريخ 25 أبريل القادم، في مسرح البلازا – متحف اللوفر أبوظبي.

وقال معالي محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، والعضو المنتدب لرئيس مجلس أمناء جائزة الشيخ زايد للكتاب إن “عائلة ستيتكيفيتش أسهمت في نشر وتعزيز مكانة الثقافة العربية، عبر تكريسها لجهود التعريف بها لدى غير الناطقين باللغة العربية، وبخاصة في الدول الغربية، عبر تقديم أعمال بحثية ومعلومات قيّمة عن ثقافتنا، لتثري أدوات قراءتها كما أنّها لعبت دوراً جوهرياً في تطوير هذه الأدوات”.

وأضاف معاليه أن اختيار عائلة ستيتكيفيتش للفوز بهذه الجائزة المرموقة يأتي انسجاماً مع أهداف الجائزة ورسالتها في أن تكون الثقافة جسراً للتواصل والحوار وفهم الذات والآخر، بما يعلي من قيم التسامح بعيداً عن أي لون من ألوان التعصب”.

بدوره، أشار سعادة الدكتور علي بن تميم أمين عام الجائزة إلى أنّ فوز عائلة ستيتكيفيتش بشخصية العام الثقافية جاء نتيجة لعدد من الاعتبارات، أبرزها الإضافة المتميزة التي قدمها الباحثان للثقافة العربية والأدب العربي للناطقين باللغة الإنجليزية، وإحياءً لتقليد عربي أصيل لتكريم العائلات التي يشترك أفرادها في بناء مشروع بحثي معرفي ذي آثار إيجابية في خدمة الثقافة العربية والتعريف بها، فقد عرف العرب عائلات استطاع أفرادها النهوض بمشروعات ثقافية ضخمة كعائلة تيمور في مصر وعائلة البستاني في لبنان، كما عرف الشعر العربي عائلات شعرية ربطت بينها قرابة الإبداع في الماضي والحاضر، وهي ظاهرة تكاد تكون قد تلاشت، لهذا تسعى جائزة الشيخ زايد للكتاب إلى تسليط الأضواء عليها”.

وأضاف د. علي بن تميم إلى أن الباحثين اختارا الشعر العربي ليكون ميداناً للدراسة والتحليل، وهو مجال يتطلب استعداداً خاصاً ومعرفة عميقة بلغة الشعر وما فيها من مجازات وأخيلة تنطوي على محتوى ثقافي متعدد، حيث قدم كل منهما دراسات مرموقة في هذا الميدان، تؤكد مستوى اطلاعهما الموسوعي والشامل لهذا الفن الذي يعد ديواناً للعرب، كما تكشف عن قراءة نقدية عميقة لهذا الشعر في ضوء مناهج نقدية حديثة، ومنظور قادر على إدراك تحولات الخطاب الشعري العربي”.

ويعمل الأستاذ ياروسلاف، أستاذاً في الأدب العربي بقسم اللغات وحضارات “الشرق الأدنى” في جامعة شيكاغو. كما أنه باحث في قسم الدراسات العربية والإسلامية، بجامعة جورجتاون في العاصمة الأميركية واشنطن، وهو حاصل على شهادة الدكتوراه في الأدب العربي عام 1962 من جامعة هارفارد.

وقدم الأستاذ ياروسلاف عدداً كبيراً من الدراسات والبحوث التي تتناول الثقافة العربية، وتسعى إلى تقديمها على نحو منهجي، إذ تناول في دراساته اللغة العربية الأدبية وتطوراتها المعجمية، كما شغلته الشعرية العربية الغنائية، وجاء كتابه “صبا نجد: شعرية الحنين في النسيب العربي الكلاسيكي” تجسيداً لهذه الحالة الشعرية الغنائية. إذ يعتقد أن الشعر العربي أصلاً وفي معظم الأحوال، شكلاً وموضوعاً، هو شعر غنائي، وعن ذلك يقول ياروسلاف “من هذا المنطلق كان لا بد أن نبدأ مع القصيدة العربية الكلاسيكية.

ووجدت أن الحنين مسيطر على الروح العربية. وكما هو معروف فالقصيدة تبدأ بالنسيب، تتعامل مع شيء شبه رثائي، الشعور بالحزن، وفقدان شيء والحنين إلى شيء آخر. لكنني لاحظت أن الغنائية كأنما بدأت تكتسب صفة سلبية في بعض الدراسات النقدية العربية، وهنا أتساءل كيف يمكن لشيء يكشف لنا النفس العربية الشاعرة، أن نسميه سلبياً، السلبيات نوع من اليأس وعدم إمكان العمل، وهذا ما لا يمكن أن يوجد في الشعر العربي الأصيل. الحنين إذن هو سر الخلاص أكثر منه الاستسلام إلى اليأس”.

وقد سعى ياروسلاف في كتابه “العرب والغصن الذهبي” الذي استغرق العمل فيه قرابة عشرين عاماً إلى النفاذ إلى البدايات المبهمة للتاريخ العربي، وتوصل إلى التاريخ الفعلي للقبائل العربية البائدة وبخاصة قبيلة ثمود التي استطاع أن يستنقذ تاريخها، كما قام بترميم حكاياتها وتحليلها في ضوء قراءة بصيرة.

وقد قدم حكاية ثمود العربية القديمة كإحدى الحكايات التأسيسية الكبرى للثقافة للعربية منذ أقدم عصورها حتى اليوم، في سياق الفهم الحديث كما تناولتها المدارس النقدية الحديثة.

أمّا الأستاذة الدكتورة سوزان ستيتكيفيتش، فهي رئيسة قسم الدراسات العربية والإسلامية في جامعة جورجتاون – واشنطن، وهي المحرر التنفيذي لدراسات الأدب العربي، ودراسات بريل في سلسلة دراسات الآداب في الشرق الأوسط. كما عملت سابقاً محرراً في مجلة الأدب العربي، وهي حالياً عضو في هيئة التحرير.

وحصلت الدكتورة سوزان على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو عام 1981، وعرفت بأعمالها الهامة والمرموقة عن الشعر العربي الكلاسيكي منذ فترة ما قبل الإسلام خلال الفترات الكلاسيكية الجديدة، والتي حظيت بفرصة نشرها باللغتين الإنجليزية والعربية. كما أنّ لها عدة كتب من أهمها كتاب “أبي تمام وشاعرية العصر العباسي” 1991.

وقدمت الدكتورة سوزان نموذجاً للباحثة المجتهدة، التي سعت في كتبها وبحوثها لاستكشاف الشعر العربي منذ العصر العباسي، وشكلت دراستها عن أبي تمام منطلقاً لفهم الشعر العربي في تلك الحقبة وما تنطوي عليه من جماليات. يتناول الكتاب حياة أبي تمام وما أحدثه من تجديدات في الأسلوب الشعري وتفنيد الآراء التي عارضت هذه التجديدات وتصحيح النظرة لشعر أبي تمام، إذ تتناول في الجزء الأول التقليد النقدي العربي والخلاف حول البديع، وفي الجزء الثاني تقدم قراءة متعمقة وتحليلٌ لخمس قصائد في المديح لأبي تمام، أمّا الجزء الثالث فقد خصصته لدراسة مختارات شعرية من ديوان “الحماسة” ومنهجه في تلك المختارات وأهميتها بين المختارات الشعرية العربية.

كما كانت دراستها عن “لزوميات أبي العلاء المعري” منطلقاً لقراءة تحولات نوعية في الشعر العربي، فقد قرأت شعر المعري تحت عنوان “من المجتمع إلى المعجم: من التصويرية إلى التجريدية في شعر أبي العلاء المعري”. كما قرأت الأستاذة سوزان القصيدة العربية من منطلق أسطوري – انثروبولوجي يتمثل في طقوس العبور، إلى غير ذلك من الدراسات المهمة في مجالات الشعرية العربية.

استطاع الباحثان خلق حالة إيجابية فاعلة على المستوى العالمي بخصوص قراءة الأدب العربي بين الباحثين في الغرب، وإعادة النظر في طرائق قراءة الاستشراق للشعر العربي على نحو يتعامل مع الثقافة العربية بعيداً عن أي مركزية وبروح بحثية تتحلى بالتسامح والبعد عن أي لون من ألوان التعصب والمواقف المسبقة.

وقد حظي العديد من أعمالهما بالترجمة إلى العربية وأحدثت تأثيراً إيجابياً واسعاً وكان لحضورهما الفعال في المؤتمرات الثقافية في العالم العربي دور مهم في إحداث تفاعل ثقافي خلاّق.

يُذكر أن الفائز بلقب “شخصية العام الثقافية” يمنح “ميدالية ذهبية” تحمل شعار جائزة الشيخ زايد للكتاب وشهادة تقدير بالإضافة إلى مبلغ مليون درهم إماراتي.

يذكر أن فرعي “التنمية وبناء الدولة” و”الترجمة” تم حجبهما لهذه الدورة.

المصدر: الاتحاد