الفجيرة اليوم  /  انتقلت حرب البقاء بين منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) والرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى مستوى جديد من التصعيد، في ظل انباء اشارت إلى ان المنظمة تلوح باستبدال الدولار كعملة لتجارة النفط العالمية بعملات اخري، وهي خطوة فهم منها انها ردا على تلويح ترامب بسن مشروع قانون مكافحة الاحتكار النفطي المعروف باسم(نوبيك) والذي يستهدف المنظمة عبر تخويل النائب العام الامريكي سلطة مقاضاة اعضاء اوبك بتهمة التلاعب بأسعار النفط والإضرار بمصالح المستهلكين الأمريكيين.
وسارعت السعودية وهي اكبر منتج لنفط في اوبك لنفي بيع النفط بعملات أخرى غير الدولار الامريكي ، وقال وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إنه ليس هناك تغيير في سياسة المملكة طويلة الأمد فيما يتعلق ببيع النفط بالدولار الأمريكي.
ووصفت وزارة الطاقة السعودية ما تردد من معلومات بأنها تفتقر إلى الدقة، ولا تعكس الأخبار موقف المملكة، مشيرة إلى ان المملكة عكفت على بيع نفطها بالدولار على مدى عقود عديدة، وهو ما يفي بمستهدفات سياساتها المالية والنقدية على نحو جيد.
وأكدت الوزارة التزام المملكة بدورها كقوة توازن في أسواق الطاقة، وعدم المخاطرة بهذه الأولوية لسياستها، وما قد يترتب على إدخال تغييرات أساسية على الشروط المالية للعلاقات التجارية النفطية حول العالم.
وتزامنت تصريحات وزير الطاقة السعودي مع تصريحات مماثلة لوزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي أكد فيها إن استخدام الدولار الأمريكي كعملة رئيسية لتجارة النفط لا يمكن تغييره بين عشية وضحاها، داعيا إلى عدم القفز إلى تلك الافكار.
ورغم النفي السعودي والإماراتي لاستبدال الدولار كعملة لتجارة النفط على الأقل في الوقت الحاضر، إلا ان اجواء المواجهة توحي بان التلويح بهذه الورقة يستهدف الضغط على الكونجرس الامريكي لإجهاض مشروع القانون، وإضافة سلاح جديد لترسانة اوبك في مواجهة تغول صناعة النفط الصخري الامريكية على اسواقها وحصصها.
وجربت اوبك في الماضي استخدام سلاح تحذير المؤسسات المالية الامريكية الممولة لصناعة النفط الصخري من أن تمرير مشروع القانون يعني أن يعود منتجي النفط من داخل وخارج المنظمة إلى الإنتاج دون قيود، ما يعني ان الاسعار ستهبط إلى ادني مستوى وستعجز صناعة النفط الصخري المدينة بمليارات الدولارات للمؤسسات المالية عن مواصلة الإنتاج عند هذه المستويات السعرية غير المجدية اقتصاديا.
وحتى وقت قريب كانت استراتجية اوبك في مواجهة تهديدات ثورة صناعة النفط الصخري، التي سمحت للولايات المتحدة بان تحقق الاكتفاء الذاتي من النفط وان تصبح اكبر منتج للنفط في العالم، والتحول من دولة مستوردة للنفط إلى دولة مصدرة للنفط، تقوم على خفض الإنتاج للمحافظة على الاسعار عند سعر عادل، دون ان يجعل لصناعة النفط الصخري اليد العليا في تحديد مصير الاسواق.
ويري الكثير من الخبراء أن ديناميكيات اسواق الطاقة العالمية تبرر هذه الخطوة فالطلب الصيني على النفط اصبح اكبر بكثير من الطلب الأمريكي على النفط، ما يجعل تجارة النفط والتجارة بصفة عامة بين الدول المصدرة للنفط والصين اكثر ربحية لكلا الطرفين إذا جري التعامل بعملة اخري غير الدولار.
ويري مؤلف كتاب (حروب العملات) جيمس ريكاردس أن هناك سببا إضافيا للتحول عن الدور المهيمن للدولار على الاقتصاد العالمي، حيث انتقل مركز الجاذبية في الاقتصاد العالمي من الغرب إلى الشرق وأصبحت القارة الاسيوية وحدها مسئولة عن نحو 40 في المئة من إجمالي الاقتصاد العالمي، ما يجعل التعامل بالدولار امر غير مبررا .
ويأتي التلويح بورقة استبدال الدولار بعملات اخري في تجارة النفط العالمية في وقت تكتسب في مساعي الحد من هيمنة الدولار على الاقتصاد العالمي زخما قويا ليس فقط من جانب الصين وروسيا وإنما ايضا من جانب الدول الاوربية التي استحدثت إلية خاصة للالتفاف على العقوبات الأمريكية على الكثير من الدول، ما يقلص من فرص الشركات الاوربية في الدخول إلى اسواق هذه الدول.
وتلعب علاقة النفط بالدولار دورا مهما في فهم خطورة التلميح باستبدال الدولار كعملة لتجارة النفط العالمية، حيث يرتبط الدولار والنفط بعلاقة عكسية، فعندما يكون الدولار قويا يقل الطلب على النفط وينخفض السعر، وعندما يكون الدولار ضعيفا يزيد الطلب على النفط ويرتفع السعر.
ويمثل الحفاظ على طلب قوي على الدولار الامريكي حجر الزاوية في الامبراطورية الامريكية فالدور المهيمن للدولار على الاقتصاد العالمي يضمن للولايات المتحدة السيطرة على مستويات التضخم وأسعار الفائدة، ويضمن للشركات الامريكية افضلية في الاستثمارات الخارجية.
ويخطي من يتصور ان الولايات المتحدة الامريكية وخاصة القطاع المالي فيها ستقبل بروح رياضية جلوس الدولار في المقاعد الخافية لحركة التجارة العالمية، ليس فقط لأن الدولار اساس الامبراطورية الامريكية، ولكنه ايضا أهم ما تنتجه امريكا .

الرؤية