الفجيرة اليوم / تجربة الغناء والتمثيل ليست حديثة العهد على كثيرين من الفنانين. وبالعودة إلى حقبة الستينيات والسبعينيات، نجد أن هناك رموزًا فنية عربية دخلت في هذه التجربة التي امتزج فيها أداؤهم ما بين الغناء والتمثيل الدرامي، ولعل أبرز هذه الأسماء «العندليب الأسمر» عبد الحليم حافظ والفنانة اللبنانية صباح ونجاة الصغيرة وسعـاد حسني، ووديع الصافي، وغيرهم. والفنانون السعوديون كان لهم نصيب أيضًا في خوض هذه التجربة، ولم تكن مثل تجارب فناني جيل الستينيات والسبعينيات من ناحية المحتوى والمضمون. في هذا التقرير، نستعرض معكم مجموعة من الفنانين السعوديين الذين خاضوا هذه التجربة.
طلال مداح:
عندما نتحدث عن الفنان الراحل طلال مداح، تعود بنا الذاكرة إلى أبرز مؤسسي الأغنية السعودية ومطوّريها، إذ سجَّل اسمه الفني من ذهب وأصبح مدرسة متكاملة للأجيال من بعده، ولم يكن مداح مطربًا فحسب، بل فنانًا شاملاً استطاع بفضل موهبته أن يكون أول سعودي يمثل وينتج فيلمًا سينمائيًّا عاطفيًّا، وذلك في عام 1967 عندما أنتج فيلم «شارع الضباب»، وهو عمل مشترك مع شركة لبنانية وبمشاركة نخبة من النجوم، من بينهم الفنانة اللبنانية صباح، وهند طاهر، ورشيد علامة، وعادل مراد، وسميرة بارودي، وهو من إخراج سيد طنطاوي.
وقد اشتُهِرَت تلك الحقبة بموضة جماهيرية تكمن في تقديم الفنانين أنفسهم كنجوم وممثلين بارعين في الدراما، لكن الفنان طلال مداح حظي بهذا العمل الدرامي الوحيد في مسيرته، ولشدة حبه للفن قرر أن يبيع ممتلكاته الخاصة ليشدّ رحاله إلى العاصمة اللبنانية بيروت، منوهًا بأنه لن يعود إلى السعودية إلاّ حاملًا معه ذكرى مشاركته في الفيلم. وبالفعل، أقدم على هذه الخطوة التي طوّرت من مسيرته الفنية، وقدم من خلالها أغنية «بيني وبينكم إيه»، وقرر بعدها الراحل التوقف عن خوض غمار التجربة الدرامية والاستمرار في عالم الطرب والغناء.
محمد عبده:
في عام 1969، خاض محمد عبده تجربة التمثيل عبر مسلسل «بحر الأماني» الذي عُرِضَ على شاشات التلفزيون من تأليف لطفي زينيوإخراج نور الدمرداش، ويُعتبر التجربة الدرامية الوحيدة التي ظهر من خلالها. وصُوّر المسلسل في العاصمة المصرية القاهرة، ومن المفارقات الجميلة في مسيرة «فنان العرب» أن أروع أعماله الغنائية الخالدة قدمها في هذا المسلسل، ولعل أبرزها: «لو كلفتني المحبة، أسمر عبر، يا مركب المهند، ليتك معي ساهر، منيتي وأكذب عليه».
وعلى رغم أن هذه الأعمال تجاوز عمرها الأربعة عقود، فإن محمد عبده لا يزال يتغنى بها في حفلاته، مع الأخذ في الاعتبار تواضع مستوى التسجيل الغنائي والمؤثرات الصوتية في تلك الحقبة، لكن طريقة تسجيلها وعرضها تعود بالمشاهد إلى ذكريات الحنين، لأن هذه الأعمال تلامس المشاعر لجمالها.
راشد الماجد:
تُعتبر فترة التسعينيات الفترة الذهبية للفنان راشد الماجد، وذلك من خلال الأعمال الغنائية العديدة التي قدمها، ولعل هذه الفترة شهدت تعدد مواهبه الفنية، إذ خاض تجربة الدراما عبر مسلسل «لا للزوجات»، وحظي العمل بانتشار واسع في تلك الفترة، وجاء تحت اسمين، إذ كان الاسم الثاني له «دنيا حظوظ»، وهذا الاسم هو اسم أحد ألبومات الماجد في التسعينيات.
وقد تميز راشد في أداء دوره في ذلك العمل الدرامي الكوميدي إلى جانب نخبة من نجوم الفن أبرزهم خالد سامي وناصر القصبي ونادين خوري وحسن حسني ووحيد سيف وسناء يونس.
وفي المسلسل، تغنّى راشد بمجموعة من أعمال ألبومه «دنيا حظوظ» الذي طُرِحَ في عام 1992، ليضيف الطابع الغنائي إلى جانب موهبته التي برزت في المسلسل. وتحدث راشد عن هذه التجربة، موضحًا أنه اعتبر خوض مضمار الدراما مرحلة مهمة لتحقيق الانتشار، ومن خلالها تمكن من تصوير عشرة أعمال غنائية، كما حظي بتوصية من الفنان خالد سامي بالمشاركة معه.
ومن بين الأعمال التي تغنّى بها في المسلسل: «مسافر في سما النسيان، تصدّق ولا أحلف لك، مشتاق لك موت، مستغربه»، والمسلسل من إخراج يوسف شرف الدين.
وعد:
عرفت الفنانة وعد طريق الفن عبر الغناء وتقديمها باكورة من الأعمال الغنائية الناجحة، ونالت نصيبًا من التجربة الدرامية ذات الطابع الكوميدي في عام 2016، فكان مسلسل «سيلفي» أول أعمالها بمشاركة الفنان ناصر القصبي. وفي هذا العام، كررت وعد التجربة، وذلك بظهورها عبر مسلسل «عوض أبًا عن جد» الذي يتحدث عن فانتازيا تاريخية كوميدية، وعُرِضَ في شهر رمضان الماضي، وشاركت وعد في بطولة عدد من حلقاته، وظهرت كممثلة متميزة بتوليفة غنائية قدمتها في الحلقات. وتحدثت وعد عن مشاركتها الدرامية، قائلة إنها إضافة لها على المستوى الفني، إذ أصبح لديها قدرة على التمثيل. وأشارت إلى أن تقييم دورها الدرامي جاء من خلال المشاهدين والنقاد، مؤكدةً كذلك أنه من الصعب إرضاء الجميع. يُذكر أن المسلسلين من إخراج أوس الشرقي.
آراء النقاد
الصحفي والناقد الفني سهيل طاشكندي:
تحدث الناقد الفني سهيل طاشكندي عن مسار تحول الفنانين من الفن إلى الدراما، قائلاً إن الفنان الذي يجد في نفسه الموهبة والقدرة على تقديم الدراما عليه أن يخوض هذه التجربة، لأن العمل الدرامي مهم لإظهار موهبة جديدة غير معروفة من قبل لدى الفنان. وللأسف، الفنانون في السعودية والخليج لم يخوضوا هذه التجربة على رغم إمكاناتهم الفنية الكبيرة كمطربين جيدين، وكانت البداية والأسبقية للفنان الراحل طلال مداح رحمه الله، وهو أول فنان سعودي خليجي يخوض هذه التجربة بفيلم سينمائي بعنوان «شارع الضباب» في الستينيات الميلادية مع النجمة العربية صباح. ثم قدم أيضًا مسلسلاً تلفزيونيًّا في السبعينيات بعنوان «الأصيل«، وقدَّم في هذين العملين الدراميين مجموعة من أجمل أغنياته. وبعدها، شارك محمد عبده في مسلسل «أغاني في بحر الأماني»، وكذلك حضر الفنان راشد الماجد في تجربة درامية وحيدة كانت في بدايات مشواره الفني، في مسلسل بعنوان «لا للزوجات». بعد ذلك، لم نرَ للمطربين السعوديين تجارب درامية، وحتى ظهور المطربة الشابة وعد في المسلسل الرمضاني «سيلفي» العام الماضي، كان بمثابة تجربة متواضعة.
وحول تأثيرهم في الدراما، أكدَّ سهيل طاشكندي أن التمثيل بصفة عامة تجربة مهمة، ولكن لم يكن لها إضافة مؤثرة في مسيرتهم، لأنها تجربة محدودة ولم تستمر.
وحول هذه التجربة كونها كانت سائدة في السبعينيات والستينيات، قال إن المطربين السعوديين اليوم لم يخوضوا التجربة الدرامية، واكتفوا بموهبتهم الغنائية، وربما كان هذا عائدًا إلى قناعاتهم الشخصية.
كما لفت إلى إمكانية خوض الفنانين الصاعدين تجربة الدراما، مؤكدًا أنه من المهم أن يكون الفنان مقتنعًا في داخله أنه يمتلك موهبة التمثيل.
ويرى طاشكندي أن الراحل طلال مداح نجح من خلال العملين الدراميين اللّذين قدمهما، بخاصة أنه في الفيلم السينمائي «شارع الضباب»، شاركته البطولة أسماء عربية بارزة، مثل الشحرورة صباح، وقدَّم طلال مجموعة من أجمل أغنياته التي عرّفت الجمهور العربي به وبفنه الأصيل.
الناقد الفني عبد الله الراشد:
أعتقد أن تجربة توجُّه بعض الفنانين والفنانات للدراما أمر طبيعي، خصوصًا في ظل قلة الحركة الغنائية المتزامنة مع ندرة طرح الألبومات، واقتصار ذلك على كوكبة من نجوم الصف الأول في الوسط الغنائي، وهي موجة ليست عابرة، فالسبعينيات شهدت تجاربَ لمحمد عبده في مسلسل «أغاني في بحر الأماني»، وتجربة للعملاق الراحل الفنان طلال مداح في مسلسل «شارع الضباب»، ولا تزال تجربة الفنان راشد الماجد في «لا للزوجات» التي جمعته بناصر القصبي في الذاكرة.
ومن وجهة نظري، لا حرج في تحوُّل المطرب إلى ممثل، شرط أن يكون مُؤهَّلاً لذلك من ناحية امتلاك مقومات التمثيل، وهذا نادر على المستوى الخليجي، إلى جانب أن يكون النص مناسبًا لوجوده كفنان، حتى لا يكون ظهوره دراميًّا مجرد حشو، وهذا ما يُخشَى على الفنان من الوقوع فيه، وذلك يتطلَّب استشارة من أشخاص على اطلاع ومعرفة بتفاصيل الحبكة الدرامية، وعوامل الظهور المتكامل الذي يضيف للفنان، ولا يخدش تاريخه ومشواره في عالم الغناء. وقد يكون نجاح نجوم الغناء في العالم العربي دراميًّا، سببًا يدفع نجوم غناء الخليج لتجربة الأمر، لكن البيئة الفنية مختلفة ما بين هنا وهناك، ولا بد من التروي وعناية الاختيار، حتى يكون تجسيدهم للأدوار الدرامية منطقيًّا ومقبولاً.
الإعلامية والناقدة منيرة المشخص:
ترى أن خوض الفنانين مجال الدراما والفن معًا كان تجربة لا نعلم مسبباتها الحقيقية، ولكن الراحل طلال مداح ومحمد عبده كانت لهما تعاونات بين مصر والسعودية بقوة في المجال الفني في تلك الفترة، بحكم الحفلات التي كانت تُقام في مصر، كما تعتبر أن مشاركة محمد عبده وطلال مداح في هذه التجربة الدرامية لم تكن ناجحة، ولكن الجميل في الموضوع هو أن المصريين تحدثوا باللهجة السعودية، وهذا يُحسَب لهم، والأمر الآخر أن التجربة لم تتكرر، لأنهما أيقنا أنهما نجوم غناء، وقد يؤثر ذلك في مسيرتهما الغنائية، وقد نخسرهما في الحالتين، والدليل على ذلك أنه على رغم مرور سنوات طويلة جدًا على هذه الأعمال، فإنها لا تزال تُذكر بالسلبية على أنها كانت مشروعًا تجاريًّا دراميًا، علمًا أنها كانت تجربة وحيدة. وقامتان فنيتان مثل طلال مداح ومحمد عبده عرفا أن إبداعهما سيكون في المجال الغنائي، وهذا الأمر لصالحهما على رغم نجاح نجوم عرب آخرين في التجربتين، مثل تامر حسني وشيرين وأنغام.
وقد شارك الفنان راشد الماجد في مسلسل «دنيا حظوظ»، وكانت مشاركته على سبيل المجاملة للممثل خالد سامي، ففي فترة من الفترات كان المنتج هو الممثل، وكان يختار المقربين منه للمشاركة في الأعمال الدرامية التي ينتجها، حتى وإن كان المحتوى ضعيفًا، ومسلسل «دنيا حظوظ» الذي شارك فيه راشد الماجد وحسن حسني وخالد سامي، كان يميل للكوميديا أكثر من المغزى الدرامي، ولم ينجح في النهاية، والماجد لم يكرر التجربة لأنها كانت مجاملة، والمشكلة تكمن في أن حسابها المستقبلي قد يؤثر في المسيرة الفنية، وراشد الماجد كان ذكيًا في قراره بعدم تكرار التجربة، على رغم أنه يملك حضورًا جميلاً في الكليبات المصورة.
وظاهرة مشاركة المطرب في الدراما سلبية إلا في ما ندر، والفنانون السعوديون الذين خاضوا هذه التجربة قلة، على عكس الفنانين العرب بشكل عام، على رغم أن نسبة النجاح كانت ضئيلة.
sayidaty.net