المجلة الشهيرة «الأزمنة الحديثة» التي أسسها جون بول سارتر وسيمون دو بوفوار في عام 1945، والتي تصدر عن مطبوعات غاليمار، سوف تتوقف نهائياً عن الصدور.
متفاعلاً مع مقال منشور في صحيفة «لوموند»، موقّع من عدد من أعضاء هيئة التحرير: جون بورغو، ميشيل دوغي، ليليان كاندل، جون خلفا، باتريس مانيغلييه، جون-بيير مارتان، إريك مارتي، آن مليس وجولييت سيمون، بتاريخ 2 مايو، تناول أنطوان غاليمار، مالك دار النشر التي تحمل اسم العائلة، قلمه لكي يلقي الضوء تفصيلياً على التغيّرات التي تبعت هذا القرار الرمزي. خلال أكثر من نصف قرن، استقبلت «الأزمنة المعاصرة» عدداً معتبراً من المثقفين الفرنسيين المشهورين: صمويل بيكيت، مارغريت دوراس، بيير بورديو، آلان باديو، برونو لاتور… وغيرهم.
بعد وفاة سيمون دو بوفوار في عام 1986، تولى كلود لانزمان رئاسة تحرير المجلة: «روح المجلة وهيكلها». بيد أن وفاته في يوليو من العام الماضي بيّنت نوعاً ما قرار مطبوعات غاليمار المفاجئ.
نهاية عصر. توقيعات المقال الأول تعترف طوعاً بأن «المجلة فقدت أستاذها»، ولكنها قدرت قرار مطبوعات غاليمار الذي يعتبر «رغماً عن كل شيء حدثاً رمزياً ذا دلالات كبيرة».
مجلة «الأزمنة الحديثة» جزء متمم ـ حسب رأي الموقعين على هذا المقال ـ للحياة الثقافية الفرنسية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، «بتجسيدها للإرادة المتبلورة خلال القرن العشرين، وقيامها بتوزيع الجهود للتفكير في التاريخ وقتما يصنع». عصر ذاك، لخص الفيلسوف الفرنسي موريس ميرلو-بونتي المشروع: «قراءة الحاضر بصورة وافية ووفية بقدر الإمكان، لا تحكم من دون روية على المعنى، الذي يعرف الفوضى واللغو حيثما يوجد».
ومن ناحيته قال أنطوان غاليمار: «فك شفرة العالم واللف حوله، فهم الحاضر والتعبير عنه، الابتعاد عن مركز الرؤية والنظر إلى ما وراء الأقنعة، هو ذا الأفق الذي توارثناه من مؤسسيِ «المجلة الفرنسية الجديدة» (إحدى مطبوعات غاليمار العريقة صدر عددها الأول في عام 1908)… ليس هناك أي لذة من إطفاء نور البيت، حتى وإن كان متذبذباً. لأنني أعرف الإرث الثقافي لهذه المجلة المولودة ما بعد الحرب وخطها الإنساني والتقدمي».
ومن أجل فهم كلمات بوب ديلان «الأزمنة في حالة تغير»، من اللازم توفر قوة الاعتراف بأن الصيغة الموضوعة في عام 1945 غير مقبولة البتة في عصرنا الحالي، عالم الشبكة العنكبوتية: في هذا الشأن، اتفق أنطوان غاليمار وهيئة التحرير.
في الواقع، من الصعب الاشتراك في أي نقاش فكري من دون ضمان وجود حقيقي على الشبكة العنكبوتية: «لم نعد كما كنا، المحذرون غيروا من هويتهم ومن منبرهم (…) وفي بعض الأحيان، على الرغم من كل الجهود، يتبدى الوضع: كل صوت فقد نبرته، كل أداة فقدت طابعها. وهكذا توقفت السلاسل. هكذا اختفت المجلات»، هكذا حلل آ. غاليمار الوضع.
من ناحيتهم، لم يقل أعضاء هيئة التحرير شيئاً مخالفاً: «ربما أن قطع المجلة الورقية غير ملائم في صياغة العالم».
ولهذا، هل هناك مسعى لإصدارها إلكترونياً، حتى وإن كان الإصدار سيكون ثلاثة أعداد سنوياً كما يشاع. لا شيء رسمياً حتى هذه اللحظة على الرغم من «تمنيات» غاليمار: «أجتهد في البحث عن هذه الأشكال الجديدة التي يهتم القراء بها»، كما قال في نهاية حديثه.

الاتحاد