يعتبر الخط العربي أهم ما نفخر به من بين فنوننا الإسلامية والعربية؛ فهو فن عربي إسلامي برع فيه أجدادنا وتفننوا فوصلوا إلى مرتبة الأصالة وبلغوا في أنواعه وتصميماته وزخارفه درجة العظمة والخلود، وقد عبر الخط العربي خلال مساره الطويل عن ملامح حضارتنا العربية الإسلامية، وعكس روحها وطبيعتها، ومثّل تطورها ومعاناتها.
فكان الخط العربي ولا يزال أصل الفنون جميعها لأنه يستمد نبله وشرفه من كتابة آيات القرآن الكريم، وقد برز خط الطغراء، الذي يمزج بين خطي الديواني والإجازة في فترة من الفترات السابقة ليشكل أحد أنواع التوقيع، كما وضع أيضاً على النقود الإسلامية.
وفي فن الطغراء وتكييفه وتكوين رسمه، نتج التصرف في قواعد الخط المألوفة والخروج عن طور الكتابة الصحيحة إلى الرسم، فجاء من هذا التطوير في الرسم خط جديد أُطلق عليه اسم خط الطغراء، وهناك العديد من الاقتباسات الحديثة للطغراء، أبرزها توقيعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وإمبراطور اليابان أكيهيتو بطغراءات حديثة.
وفي حديث «البيان» مع الخطاط محمد النوري عن طبيعة هذا الخط، قال: استخدم الطغراء على النقود الإسلامية والطوابع البريدية، ولكل حقبة زمنية أسلوب ورسم خاص بها، فتتطور نظراً لتغير الأوضاع لكل زمن، وقد كان لها موظف خاص يعمل في ديوان الدولة يسمى بالطغرائي، وأصل كلمة الطغراء أُطلقت على إشارة استعملها بعض خلفاء المسلمين ومنهم سلاطين مصر المماليك .
وكان منهم محمد بن قلاوون سنة 752هــ، وقيل إن هذه الكلمة تاتارية الأصل تحتوي على اسم السلطان الحاكم ولقبه وأن أول من استعملها هو السلطان الثالث في الدولة العثمانية مراد الأول 671 – 792هـ.
وأضاف النوري: أقدم ما عُثر عليه من نماذج شبيهة بالطغراوات ما كان يستعمل في جليل المكاتبات باسم السلطان المملوكي الناصر حسن بن السلطان الملك محمد قلاوون، ويروى في أصل الطغراء قصة مفادها أنها شعار قديم لطائر أسطوري كان يقدسه سلاطين الأوغوز، وأن كتابة طغراء جاءت بمعنى ظل جناح ذلك الطائر.
و«الطرة» أو «الطغراء» أو «الطغرى» هو شكل جميل يكتب بخط الثلث على شكل مخصوص. وأصلها علامة سلطانية تكتب في الأوامر السلطانية أو غيرها ويذكر فيها اسم السلطان أو لقبه. وقال البستاني: «واتخذ السلاطين والولاة من الترك والعجم والتتر حفاظاً لأختامهم.
وقد يستعيض السلاطين عن الختم برسم الطغراء السلطانية على البراءات والمنشورات ولها دواوين مخصوصة، على أن الطغراء في الغالب لا تطبع طبعاً بل ترسم وتكتب وطبعها على المصكوكات كان يقوم مقام رسم الملوك عند الإفرنج».
تكوين بصري
ومهما كان أصل شكل الطغراء فتكوينها البصري يحمل عناصر تصميمية جميلة كتوازن الشكل العام والإيقاع الناشئ عن تكرار الخطوط العمودية وفي دوران البيضتين على اليسار ثم خروج نهايتهما من جهة اليمين في حركة نشيطة، كذلك التباين في كثافة الكتابة بين أسفل الطغراء والفضاءات الرحيبة في جانبها الأيسر.
وقد ذهب أتراك اليوم أكثر من ذلك في التحليل الجمالي للطغراء التي يعتزون بها كثيراً. بل إن الطغراء قد تأصّلت في الحياة والثقافة التركية ولم تستطع العلمانية اجتثاثها بالرغم من منشأ الطغراء العثماني. وإلى اليوم تجد الطغراء موضوعاً لتجارات وصناعات وفنون عديدة فيما هو مناسب وما هو غير مناسب.
البيان