جدد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية، مساء أمس، دعوته إلى تضافر الجهود لمحاربة آفة الإرهاب التي تواجه الأمة الإسلامية والعالم أجمع، وتضرب المنطقة من جديد، وكشف داعميها وتجفيف مواردها المالية بكل السبل والوسائل المتاحة، مشيراً إلى تعرض سفن تجارية بينها ناقلتا نفط سعوديتان لعمليات تخريب إرهابية قرب المياه الإقليمية للإمارات العربية المتحدة، ما يشكل تهديداً خطيراً لأمن وسلامة حركة الملاحة البحرية والأمن الإقليمي والدولي.
وأشار خادم الحرمين في كلمته الافتتاحية لأعمال الدورة الرابعة عشرة لمؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي «قمة مكة: يداً بيد نحو المستقبل» في قصر الصفا بمكة المكرمة إلى تعرض محطتي ضخ للنفط في المملكة لعمليات إرهابية عبر طائرات من دون طيار من قبل ميليشيات إرهابية مدعومة من إيران، مؤكداً على أنّ هذه الأعمال الإرهابية التخريبية لا تستهدف المملكةَ ومنطقة الخليج فقط، وإنما تستهدف أمن الملاحة وإمدادات الطاقة للعالم.
وترأس صاحب السمو الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم رأس الخيمة، وفد الدولة إلى أعمال مؤتمر القمة الإسلامية. ويضم وفد الدولة، سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي، ومعالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومعالي ريم بنت إبراهيم الهاشمي وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان سفير الدولة لدى المملكة العربية السعودية.
وكان صاحب السمو حاكم رأس الخيمة والوفد المرافق وصل إلى جدة، حيث كان في استقباله بمطار الملك عبدالعزيز الدولي، صاحب السمو الملكي الأمير مشعل بن ماجد بن عبدالعزيز محافظ جدة، والشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان سفير الدولة لدى المملكة العربية السعودية، وأمين محافظة جدة صالح التركي، ومدير شرطة منطقة مكة المكرمة اللواء عيد العتيبي، وتركي بن عبدالله الدخيل سفير المملكة العربية السعودية لدى الدولة رئيس بعثة الشرف، ومدير عام مكتب المراسم الملكية بمنطقة مكة المكرمة أحمد بن ظافر.
وشدد الملك سلمان في كلمته على أن القضيةَ الفلسطينية تمثل الركيزة الأساسية لأعمال المنظمة، وهي محور الاهتمام حتى يحصل الشعب الفلسطيني الشقيق على كافة حقوقه المشروعة والتي كفلتها قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية. مجدداً التأكيد على الرفض القاطع لأي إجراءات من شأنها المساس بالوضع التاريخي والقانوني للقدس الشريف، ومستذكراً في هذا العام مرورَ خمسين عاماً على تأسيس منظمة التعاون الإسلامي التي جاء تأسيسها بعد حادثة إحراق المسجد الأقصى الذي لا يزال يرزح تحت الاحتلال ويتعرض لاعتداءات ممنهجة.
وقال خادم الحرمين إنه من المؤلم أن يشكلَ المسلمون النسبة الأعلى بين النازحينَ واللاجئين على مستوى العالم جراء الاضطرابات والحروب وانحسار فرص العيش الآمن الكريم في بلدانهم. وأضاف أنه من هذا المنطلق فإنٌ المملكةَ كانت ولا تزال تسعى ما استطاعت إلى الإصلاح وتوفيق وجهات النظر المختلفة خدمة للدول الإسلامية وشعوبها، مع الاستمرار في مد يد العون والمساعدة عبر الجهد الإنساني والإغاثي حرصاً على سيادة وأمن واستقرار الدول الإسلامية في ظل وحدة وطنية وسلامة إقليمية.وأكد أن إعادة هيكلة منظمة التعاون الإسلامي وتطويرها وإصلاح أجهزتها أصبحت ضرورة ملحة لمجابهة التحديات الإقليمية والدولية التي تمر بها أمتنا.وقال إن المملكة ستسعى من خلال رئاستها لأعمال هذه القمة للعمل مع الدول الأعضاء والأمانة العامة للمنظمة للإسراع في تفعيل أدوات العمل الإسلامي المشترك تحقيقاً لما تتطلع إليه شعوب الأمة الإسلامية. معرباً عن أمله في أن تحقق القمة ما تصبو إليه الأمة من عزة وتقدم وأمن وسلام ورخاء وازدهار.
وكان العاهل السعودي أكد في وقت سابق أن القمة الإسلامية ستتصدى للتهديدات وستعمل من أجل مستقبل الدول العربية والإسلامية، وقال في تغريدة على «تويتر»: «نجتمع في مكّة لنعمل على بناء مستقبل شعوبنا، وتحقيق الأمن والاستقرار لدولنا العربية والإسلامية»، وأضاف: «سنتصدى بحزم للتهديدات العدوانية والأنشطة التخريبية كي لا تعيقنا عن مواصلة تنمية أوطاننا وتطوير مجتمعاتنا».
بعد ذلك، ألقى الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي يوسف بن أحمد العثيمين كلمة ثمن فيها عالياً حرص المملكة العربية السعودية على دعم منظمة التعاون الإسلامي وتعزيز دورها في محيطها الإقليمي والدولي بما توفره من تسهيلات وإمكانيات تسند عمل الأمانة العامة. وأعرب عن ثقته في أن تشكل هذه القمة، علامةً فارقةً في تاريخ المنظمة التي تتوّج عامها الخمسين، للتعاضد يداً بيد نحو مستقبل أفضل للشعوب، وموقف موحّد تجاه قضايا العالم الإسلامي.
وأشاد بجهود رؤساء اللجان الدائمة لمنظمة التعاون الإسلامي، وهي: لجنة القدس، واللجنة الدائمة للتعاون العلمي والتكنولوجي، واللجنة الدائمة للتعاون الاقتصادي والتجاري، واللجنة الدائمة للإعلام والشؤون الثقافية، على قيادتهم باقتدار لشؤون هذه اللجان المهمة. وأوضح أن مسيرة العمل الإسلامي المشترك، حققت من خلال الجهود الخيرة والدؤوبة للدول الأعضاء، حصيلة إيجابية في مختلف المجالات، وزخماً متواصلاً في معالجة قضايا العالم الإسلامي، والتعاطي الفاعل مع الأوضاع السائدة على المستويين الإقليمي والدولي، غير أنّ منطقة العالم الإسلامي ودولها تقع في قلب التداعيات الخطيرة لتقلبات هذه الأوضاع التي تفاقمت بسبب الأزمات والتحديات القائمة.
وقال إن هذا الوضع يستوجب، أكثر من أي وقت مضى، مواصلة الجهود والبناء على ما تحقق، في تضامن إسلامي متين، قوامه الروابط الأخوية التي تجمع بين البلدان الإسلامية، وسنده القيم الإسلامية، والتكافل لمواجهة مختلف التحديات، ومعالجة أوضاع المنطقة، ونصرة القضايا العادلة، وتسوية الأزمات بالطرق السلّمية، بما يدرأ المخاطر. وبين أن في مقدمة هذه التهديدات، آفتي الإرهاب والتطرف، ولا أدلّ على ذلك العمليات الإرهابية التي شهدتها دول غير إسلامية، والتي أثبتت أن الإرهاب لا دين له أو جنسية أو عرق وأبرزها الحادث الذي وقع في مارس الماضي في مسجدين بنيوزيلندا.
وأضاف العثيمين أن السعودية شهدت اعتداءً إرهابياً آثماً على محطات الضخ البترولية، مستهدفةً مصالح الدول وإمدادات النفط العالمية، كما تعرضت أربع سفن تجارية لأعمال تخريبية في المياه الإقليمية لدولة الإمارات العربية المتحدة، مهددةً أمن وسلامة حركة الملاحة البحرية العالمية. مجددًا إدانة المنظمة الشديدة لهذه الأعمال الإرهابية، وداعياً المجتمع الدولي للنهوض بمسؤولياته للحفاظ على السلم والأمن في المنطقة. كما تطرق إلى المحاولات التي تقوم بها الميليشيات الإجرامية الحوثية لاستهداف المملكة، موجهة صواريخها الإرهابية إلى أقدس بقاع الأرض. وأكد أن المساس بأمن المملكة إنما هو مساس بأمن وتماسك العالم الإسلامي بأسره. مؤكداً تضامن المنظمة التام مع المملكة في كل ما تتخذه من إجراءات للدفاع عن أمنها واستقرارها. وأكد العثيمين أن القضية الفلسطينية ستبقى في أعلى سلم أولويات العمل الإسلامي بالنظر لمكانتها المركزية لدى جميع الدول الأعضاء. وقال «إن سلاماً عادلاً وشاملاً، هو الحل الأمثل، ضمن مفاوضات تأخذ في الحسبان المبادرة العربية، ورؤية حل الدولتين، في قيام دولة فلسطينية على حدود الرابع من يونيو-حزيران 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقا لقرارات الشرعية الدولية». وشدد على الدور الذي تقوم به وكالة الأونروا وضرورة دعمها سياسياً ومالياً لتمكينها من الوفاء بولايتها الأممية.
وجدد التأكيد على ثبات مواقف المنظمة بخصوص قضايا جامو وكشمير، والوضع في إقليم ناغورنو كاراباخ، ومعاناة جماعات الروهينجيا طبقا للمبادئ العامة للميثاق، وعلى ضوء القرارات المعتمدة من قبل القمم الإسلامية، ومجالس وزراء الخارجية، والقرارات الأممية، مع الإشادة بكل دعم إنساني وإنمائي للدول المحتاجة. وأشار إلى سعي المنظمة من خلال التشاور مع الحكومة العراقية لتنظيم مؤتمر إعادة الإعمار في العراق، كما أشاد باستئناف جلسات مجلس النواب اليمني كخطوة في طريق استعادة وتعزيز مؤسسات الدولة اليمنية.
كما أثنى على المشاركات الثرية للدول الأعضاء في مهرجان المنظمة المنعقد في دورتيه الأولى والثانية، معرباً عن شكره للدولتين المستضيفتين للمهرجان، جمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة، مشيداً بالاهتمام منقطع النظير الذي حظي به هذا الحدث الأول من نوعه الذي مثّل مناسبةً للتأكيد على أن الحضارة الإسلامية، الضاربة بجذورها عمق التاريخ، هي حضارة متكاملة، ذات قيم خالدة، أنارت على مر الزمان العالم بالعلوم والآداب والفنون، والاحتفاء بها لا يتعارض مع تعاليم الدين الإسلامي الصافي النقي المعتدل. وأضاف: «نحن على ثقة تامة أن السعودية، ستواصل خلال رئاستها لهذه الدورة دورها الريادي في إعلاء مكانة الإسلام والمسلمين، ونصرة الحق، وتغليب الحوار، وتركيز سنّة التضامن الإسلامي، لمواجهة التحديات الراهنة».
المجموعة العربية: قضية فلسطين أولوية
أكد الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، أن القضية الفلسطينية تأتي في أولويات القضايا المدرجة على جدول أعمال القمة الإسلامية بجانب الأزمات القائمة في ليبيا وسوريا واليمن، سعياً لإعادة الأمن والاستقرار في المنطقة الإسلامية وتوطين مقومات السلم وتهيئة الأرضية لمرحلة جديدة للعمل المشترك بين الدول الإسلامية. ودعا في كلمة نيابة عن مجموعة الدول العربية، جميع الدول الإسلامية إلى التنسيق المشترك وتفعيله مع المنظمات الدولية حتى تتخلص بلداننا من التداعيات الخطيرة على مختلف المستويات، وتأثيرها في تغذية تيارات الإرهاب والتطرف وتعطيل التنمية واستنزاف طاقات البلدان الإسلامية.
وأهاب بموقف إسلامي قادر على مواجهة التحديات وتعزيز الأمن والاستقرار، وأبرز حرص الدول العربية على المشاركة الفاعلة في اجتماعات منظمة التعاون الإسلامي والانخراط في مختلف برامج عملها وفي كلّ الجهود والمبادرات الرامية إلى خدمة القضايا العربية والإسلامية وتعزيز مقوّمات الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم باعتبار أهمية البعد الإسلامي في مقوّمات الهويّة والسياسة الخارجية للدول العربية. وأضاف أن تونس المعتزة بانتمائها العربي الإسلامي تعمل على مواصلة الإسهام في توثيق علاقات التعاون والتنسيق بين البلدان العربية والإسلامية.
المجموعة الآسيوية تنوه بجهود الإمارات في قضية الروهينجا
أكدت رئيسة وزراء بنجلاديش، الشيخة حسينة واجد، أهمية الدور الذي تضطلع به منظمة التعاون الإسلامي منذ إنشائها من أجل استعادة حقوق الشعب الفلسطيني وكرامة الأمة الإسلامية. وتناولت في كلمة أمام القمة الإسلامية الـ 14 نيابة عن المجموعة الآسيوية، ما يعترض له الإسلام وينسب إليه بصورة خاطئة «التطرف والإرهاب»، متطرقة إلى جهود بلادها تجاه النازحين من ميانمار، وضرورة أن تكون هناك بيئة ملائمة لعودتهم، مشيرة إلى جهود الإمارات عبر دعوة محكمة العدل الدولية من أجل مواجهة قضية الروهينجا وتحقيق العدالة، وداعية دول المنظمة لمساعدة بنجلاديش التي تؤوي نحو مليون وأكثر وهو ما يشكل عبئاً على بلادها.
المجموعة الأفريقية: مواجهة الأنشطة الهدامة للإرهابيين
قال الرئيس النيجيري محمد بخاري، إن القمة الإسلامية في دورتها الـ14 تحظى بأهمية بالغة حيث تحتفل منظمة التعاون الإسلامي بخمسين عاماً على تأسيسها، وهي مناسبة كي نتدبر أفضل السبل التي نعالج من خلالها التحديات المعاصرة، ومن ذلك القضية الرئيسية، وهي استعادة الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكذلك حل الصراعات الأخرى العالقة التي لم تحل.
وأوضح في كلمة نيابة عن المجموعة الأفريقية أهمية التعامل مع كثير من القضايا الأمنية الخطيرة التي تتمثل في الأنشطة الهدامة للإرهابيين والمتطرفين الذين يتبنون العنف، وكذلك المجرمين الذين يحملون السلاح في كثير من الدول الإسلامية. مؤكداً دعم بلاده للإجراءات التي تقوم بها منظمة التعاون الإسلامي للتوصل إلى حل مبكر للقضية الفلسطينية التي طال أمدها وكذلك تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني في أن يكون له دولة مستقلة. وأكد دعم بلاده لفريق اتصال منظمة التعاون الإسلامي المعني بالسلام والحوار لتحقيق الأهداف المتوقعة، أهداف السلام والتسامح والتضامن، وكذلك من خلال القيام بالوساطة في الصراعات والنزاعات. كما أكد دعم المجموعة الأفريقية على التعاون والتعامل مع كافة الدول الإسلامية من أجل إنجاح القمة.
الاتحاد