لم يجد أهالي الأسير زياد بزار، الذي يقضي حكماً بالسجن قوامه 48 عاماً، عندما طرح فكرة الإنجاب عن بعد من خلال «نطفة مهرّبة» من داخل السجن، إلا أن يقولوا له «تحت أمرك».. كيف لا وقد ضحى بشبابه في سبيل حرية وطنه وأبناء شعبه، وهي طريقة باتت متّبعة في سبيل تحدي استمرار الحياة رغم الاحتلال.

ولأن حبس الجسد لا يعني مطلقاً حبس الروح، فقد أنجب الأسير زياد قبل 6 سنوات، الطفل «رائد» من نطفة مهرّبة. وفي هذه السن أصبح الطفل شغوفاً بكرة القدم، ما دفع والدته وعائلته إلى إرساله إلى إحدى الأكاديميات التدريبية المتخصصة باللعبة في مدينة رام الله، حيث تقطن عائلة البزار.

يقول محمد الجيوسي، الذي يشرف على تدريب رائد من خلال الأكاديمية الفلسطينية البولندية للموهوبين كروياً، إن رائد يعشق كرة القدم، ويتمنى أن يصبح لاعباً مشهوراً ويمثل فلسطين.

يوضح الجيوسي لـ«البيان»: «مجرد أن علمنا بأن هذا الطفل، هو إبن أسير فلسطيني، ومن نطفة مهرّبة، قمنا باحتضانه، وسنستمر معه حتى ينضج بموهبته الفذة، ويحقق أحلامه وطموحاته»، مشدداً على أن رائد بات علامة فارقة في الأكاديمية.

حكايات

في سجون الاحتلال، ثمة قصص وحكايات لأسرى فلسطينيين طال أسرهم، ولا يعلم أحد متى ينتهي، ومن بين هؤلاء، مئات من الأسرى تركوا زوجاتهم يعشن على الأمل، بأن يرين أطفالهن على أيديهن، في انتظار أشبه بـ«المؤبد».

ومع أن فكرة تهريب النطف لغرض الإنجاب، أمر غير اعتيادي أو مألوف لدى المجتمع الفلسطيني، لكن أهالي الأسرى بدأوا يتفهمون حاجة الزوجين للأطفال، خاصة إذا ما كانت فترة أسر زوجها طويلة، ناهيك عن مخاوف عدم القدرة على الإنجاب، إذا طالت فترة الاعتقال وتقدم الزوجان في العمر، وهذا ما جرى بالفعل مع العديد من الأسرى وزوجاتهم. كغيره من الرجال، يحلم الأسير الفلسطيني بأن يكون أباً يوماً ما، تماماً كما تحلم زوجته بالأمومة أيضاً، فماذا يفعل أسير أبعدته قيود السجّان عن زوجته، وانتزعته قوات الاحتلال من «عش الزوجية» بعد زفافه بأيام أو أسابيع، فطال به الزمن في غيابات السجن، وحال الأسر دون تحقيق حلمه وشريكة حياته، في تكوين أسرة، يزيّنها البنون؟.

2013

بدأت حكاية الإنجاب من خلال النطف المهربة من الأسرى إلى زوجاتهم، عام 2013، عندما بادر أحد الأسرى لتهريب نطفة مع زوجته، مستغلاً زيارتها له في السجن، ليتم تجميدها ومن ثم تخصيب الزوجة، في أحد المراكز المتخصصة بأطفال الأنابيب، بعد الحصول على فتوى شرعية تجيز هذا الأمر، لتتوالى عمليات الإنجاب بهذه الطريقة، بعيداً عن استغراب المجتمع، لا سيما وأن هذه العملية تتم برفقة أهالي الزوجين، وبشهادتهم.

تاريخياً، قهر الفلسطينيون قيود السجن والسجان، بأشكال وأوجه مختلفة، فهناك العديد من الأسرى عقدوا قرانهم داخل الأسر، وهناك من أكملوا تعليمهم خلال سنوات الإعتقال، وفي حكاية رائد بزار وأقرانه من أطفال النطف المهرّبة، شاهد جديد، بأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة.

البيان