مواصلةً لما رصدته «الاتحاد» أمس، من تطور وفعالية نشاط البحث الأدبي في الدولة، مستصحبة آراء لأكاديميين حول هذه الظاهرة، يجيء هذا التحقيق لفهم الحضور الغالب للمرأة في هذا الحقل الذي تكتب فيه الأكاديميات ضمن رؤى ثقافية مؤسَّسة (بفتح السين) منهجياً، إذ بمراجعة سريعة، لأبرز ما خلفه هذا الحراك البحثي الجديد من عناوين، يظهر أن الجهد العلمي الأبرز والمتواصل في حقل الأدب يصدر غالباً عن الأقلام النسوية؛ وكما الحال في الإبداع، تطغى المرأة كباحثة، ومما يمكن أن نقرأه في هذا الإطار، إصدارات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة، على سبيل المثال لا الحصر: «السرديات النسوية الحديثة في الإمارات..»، للباحثة ليلى بنت محمد، و«القصة القصيرة النسائية الإماراتية: 1970ـ 2000م»، للباحثة ناجية الخرجي، و«قضايا المرأة في الرواية الإماراتية» للباحثة هند المشموم، وهناك الكثير… فما سرّ إقبال المرأة على البحث في الحقل الأدبي؟

ثقة المجتمع
الباحثة الدكتورة ليلى بنت يوسف، أنجزت بحثها للماجستير حول «الرواية النسوية في الإمارات..»، وهي تعلق على الحضور اللافت للمرأة، قائلة: «مُنحت المرأة الإماراتية الثقة والمكانة في المجتمع؛ فكان عليها أن تقابل ذلك بالمزيد من العطاء وبمضاعفة الجهد لإثبات الذات وتحقيق النجاح، في كل الصعد وليس حصراً في الساحة الأدبية، هذا هو تفسيري»، وتضيف: «هناك ميزة في اشتغال المرأة الباحثة على المنجز الإبداعي المحلي، فهي تقدم وجهة نظر أقرب وأعمق، باعتبار أن معظم إبداعاتنا كتبت بأقلام نسوية».
وتؤكد «أن ما أنجز من أبحاث على قدر عالٍ من الجودة، وأتطلع إلى أن أرى الباحثات الإماراتية في تخصصات أدبية دقيقة، وأكثر حضوراً في المنتديات الثقافية ليس المحلية فقط، إنما الدولية أيضاً».
وحول التحديات التي تواجه المرأة الباحثة في الأدب، تقول: «هناك تحديات عديدة ولعل أهمها هو تجاهل الإعلام وحتى المؤسسات الثقافية للباحثة الإماراتية، إذ لا يسلط الضوء على جهودها كما يحصل مع الرجل. ولا تحظى بفرص ملحوظة في المنتديات الثقافية التي تقام هنا وهناك، ولا تتم دعوتها، وحضورها نادر في المشاركات التي تمثل الدولة في المحافل العالمية، ونتمنى أن يتغير كل ذلك..».

إثبات الذات
من جانبها، تؤكد الباحثة رحاب الكيلاني، التي أنجزت رسالتها للدكتوراه في موضوع «تحولات صورة الآخر في الرواية الخليجية»، أن هناك «حضوراً أكبر للباحثات، مقارنة بالباحثين، في قوائم الملتحقين بكلية الدراسات العليا التي درست بها.. وكذلك في نسبة الحائزين على شهادة الدكتوراه في البحث الأدبي»، وهي تقرأ ذلك كمؤشر على اهتمام أكبر للمرأة بهذا الأمر، وتقول: «ربما النساء أكثر اهتماماً.. ليس لدي تفسير محدد، كما يمكن القول إن المرأة دائماً تسعى لإثبات نفسها، من دون أن نغفل القيمة العالية لفكرة الحصول على شهادة جامعية. أعرف الكثيرات يطمحن إلى الترقي في هذا الجانب، والدرجة العلمية تسهم في الارتقاء بالمكانة الاجتماعية، كما أن لها انعكاسها الإيجابي على الوضع الوظيفي، وكل هذه العوامل تدفع المرأة لمواصلة مشوارها الأكاديمي».
أما الباحثة مريم الهاشمي فتستغرب «غياب الأديب والناقد في حقل البحث الأدبي، ما السبب؟» وتقول إن ذلك هو السؤال الأهم الذي يجب الوقوف عنده، مشيرة إلى أن «البحث العلمي هو الطريق إلى توسيع الدائرة لتصبح أكثر شمولية؛ للاستمرار قدماً في الحركة الأدبية والنقدية في الساحة الإماراتية».

.. وللنقاد رأي
بالنسبة لأستاذ الأدب المقارن بجامعة الشارقة، غانم السامرائي، فإن كثرة الأسماء النسائية في حقل البحث الأدبي «ربما هو انعكاس لحضورها القوي في الساحة الإبداعية، كما أن توجه الباحثين إلى النصوص الإبداعية النسائية يتسق مع حقيقة أن معظم الإنتاج الإبداعي أنجزته المرأة».
أما أستاذ النقد الأدبي صالح هويدي فيقول: «المرأة تتسيد المشهد الأدبي كمنتجة وهذا متفق عليه، ومن هنا يتقدم منجزها كمادة للبحث، ويبدو أننا نشهد حالياً تسيداً للمرأة على مجال البحث الأدبي الأكاديمي أيضاً، أما تفسير ذلك فربما مرده التنافس، فالمرأة الأكاديمية تريد تحقيق ذاتها في الساحة الثقافية لتناظر بذلك زميلتها المرأة ـ المبدعة».

الاتحاد