صعّدت الولايات المتحدة والصين أمس من حدة الاتهامات المتبادلة بينهما وسط مخاوف من تأثيرات الإجراءات الانتقامية على الأسواق ومستقبل النمو العالمي.
وأكد البنك المركزي الصيني أن قرار واشنطن تصنيف بكين متلاعباً بالعملة سيلحق «ضرراً هائلاً بالنظام المالي العالمي وسيسبب فوضى في الأسواق المالية فيم أكد ترامب قوة بلاده اقتصادياً وأن الصين لن تتمكن من إلحاق الأذى بهم واتهمت واشنطن بكين بمحاولة الحصول على ميزة تنافسية بصورة غير عادلة فيما عمد الجانبان لاحقاً إلى التهدئة لمنع تدهور الأسواق.
واستعادت الأسهم العالمية أمس تماسكها وعادت لتلتقط أنفاسها بعد يوم عاصف أول من أمس مع اشتعال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين، حيث تسببت جلسة الاثنين في محو 117 مليار دولار من ثروات أغنياء العالم فيما شهدت «وول ستريت» أسوأ يوم لها في 2019 فيما يعتبرمحلل في«وول ستريت» إن انتقام الصين يأتي في المرتبة الــ 11 على قائمة من 10 خطوات للتصعيد.
وأكد محللون وخبراء أن خفض «اليوان» بمثابة طلقة من الصين صوب البيت الأبيض وأن سيناريوهات التصعيد خارج التوقعات فيما استبعد «جولدمان ساكس» اتفاقاً تجارياً قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة.
تراجع اليوان
وجاءت حالة الهدوء بعد أن طمأن البنك المركزي الصيني الشركات الأجنبية بأن العملة الصينية لن تستمر في التراجع بشكل كبير وبعد أن دحض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس المخاوف من حرب تجارية طويلة الأمد مع الصين فيما أكد مستشار للرئيس الأمريكي أن ترامب ما زال يرغب في إبرام اتفاق تجاري مع بكين كما استفادت الأسهم الأوروبية من بيانات ألمانية قوية أعادت الطمأنينة إلى المستثمرين.
وفتحت الأسهم الأمريكية على ارتفاع، إذ تلقت أكبر دعم من قطاع التكنولوجيا، في الوقت الذي تدخلت فيه الصين لتحقيق استقرار في اليوان.
وجاء تماسك الأسهم الأمريكية بعدما أفاد تقرير إخباري بأن مسؤولين بارزين من «بنك الشعب الصيني» (المركزي) طمأنوا شركات أجنبية بأن العملة الصينية لن تستمر في التراجع بشكل كبير، وذلك بعد يوم من تراجع قيمة اليوان ليتجاوز سعر صرف الدولار 7 يوان للمرة الأولى منذ عام 2008.
بيع الدولار
وذكرت وكالة بلومبيرغ أنها اطلعت على بيان أفاد بأن البنك المركزي عقد اجتماعاً مع عدد من المصدّرين الأجانب أمس في بكين، وأن المسؤولين أكدوا خلاله أيضاً أن قدرة الشركات على بيع وشراء الدولار ستظل طبيعية.
ورصدت الوكالة أن سعر صرف اليوان تحسن في الخارج بعد هذه الأخبار، ليصل الدولار إلى 7.0428 يوان، وهو أقوى مستوى للعملة الصينية في هذه الجلسة.
وكانت الصين قد سمحت بتراجع اليوان في الداخل إلى ما دون المستوى الذي ظلت تدافع عنه لسنوات، في خطوة تم تفسيرها على أنها بمثابة إطلاق نار في الحرب التجارية بين الصين والولايات المتحدة.
وأعلن البنك المركزي الصيني أنه يأسف بشدة لتصنيف الولايات المتحدة لبكين على أنها متلاعبة بالعملة.
التعافي العالمي
وقال بنك الشعب الصيني (البنك المركزي)، في أول رد فعل رسمي للصين على أحدث هجوم أمريكي في الحرب التجارية المتصاعدة، إن قرار واشنطن زيادة التوترات بشأن العملة سيعرقل أيضاً التعافي الاقتصادي والتجاري العالمي.
وأضاف البنك في بيان منشور على موقعه الإلكتروني أن الصين لم تستخدم ولن تستخدم سعر الصرف كأداة للتعامل مع النزاعات التجارية.
واستكمل: «تنصح الصين الولايات المتحدة بكبح جماح جوادها قبل أن يصل لشفا الهاوية وأن تعي أخطاءها وأن تتراجع عن المسار الخاطئ».
واتسع نطاق النزاع بالفعل ليتجاوز الرسوم الجمركية ويصل إلى مجالات أخرى مثل التكنولوجيا، فيما يحذر محللون من أن الإجراءات الانتقامية المتبادلة قد تتسع في النطاق والشدة مما يضغط أكثر على ثقة الشركات والنمو الاقتصادي العالمي.
من جانبه قال مستشار كبير للبيت الأبيض إن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يرغب في مواصلة المحادثات التجارية مع الصين وإن إدارته ما زالت تخطط لاستضافة وفد صيني لإجراء محادثات في سبتمبر.
وقال لاري كودلو مدير المجلس الاقتصادي القومي لسي.إن.بي.سي «إن ترامب يرغب في إبرام اتفاق»، مضيفاً أنه يجب أن يكون الاتفاق السليم.
وقال كودلو إن الرئيس الأمريكي يرغب في مواصلة المفاوضات.
موقف قوي
ودحض الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمس المخاوف من حرب تجارية طويلة الأمد مع الصين، قائلاً إن الولايات المتحدة في موقف قوي للغاية وذلك بعد يوم من تصعيد إدارته للتوترات عبر تصنيف بكين على أنها دولة تتلاعب بالعملة.
وسعى ترامب، الذي قال الأسبوع الماضي إنه سيفرض رسوماً جمركية على واردات صينية إضافية بقيمة 300 مليار دولار اعتباراً من الأول من سبتمبر، إلى تهدئة مخاوف المزارعين الأمريكيين بعد أن أغلقت الصين أبوابها في وجه الواردات الزراعية الأمريكية وأثارت احتمال فرض رسوم جمركية إضافية على منتجات زراعية أمريكية.
وقال ترامب على تويتر «كميات هائلة من المال من الصين وأجزاء أخرى من العالم تتدفق على الولايات المتحدة بفضل الأمان والاستثمار وأسعار الفائدة! نحن في موقف قوي للغاية. الشركات أيضاً تأتي إلى الولايات المتحدة بأعداد كبيرة. جميل أن نرى هذا!».
وأضاف أنه سيواصل دعم المزارعين الأمريكيين الذين تلقوا من إدارته بالفعل عرضاً بحزمة مساعدات تبلغ 16 مليار دولار للتعامل مع الخسائر التي تكبدوها بسبب الحرب التجارية الجارية بين واشنطن وبكين.
وكتب ترامب على تويتر «يعلم المزارعون الأمريكيون العظماء أن الصين لن تتمكن من إلحاق الأذى بهم في ذلك لأن رئيسهم يقف بجانبهم وفعل ما لن يفعله أي رئيس آخر وسأفعل ذلك مجدداً العام المقبل إذا تطلب الأمر!».
صعود وول ستريت
وارتفعت الأسهم في «وول ستريت» أمس وصعد مؤشر داو جونز الصناعي 92.88 نقطة أو 0.36% إلى 25810.62 نقاط.
وزاد مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بمقدار 16.44 نقطة أو 0.58% إلى 2861.18 نقطة وربح مؤشر ناسداك 78.47 نقطة أو 1.02% إلى 7804.51 نقاط.
وسجلت الأسهم الأوروبية انخفاضاً طفيفاً واستقرت قليلاً، بعد أن سجلت أكبر هبوط لها على مدى يومين في أكثر من 3 سنوات، في الوقت الذي هدأت فيه بيانات ألمانية بعض الشيء من المخاوف المتعلقة بالتصعيد الذي شهدته التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين على مدى الأسبوع المنصرم.
وخلال التعاملات هبط المؤشر ستوكس 600 الأوروبي 0.1% فقط فيما سجل المؤشر فايننشال تايمز 100 البريطاني أداء دون سائر السوق.
وأظهرت بيانات ألمانية ارتفاعاً في الطلبيات الصناعية بنسبة 2.5% في يونيو مقارنة بالشهر السابق في أكبر قفزة لها منذ أغسطس 2017.
وارتفع مؤشر داكس الألماني 0.3% مدفوعاً بتلك البيانات وقاد قطاع السيارات الذي تهيمن عليه شركات ألمانية المكاسب بين مؤشرات القطاعات الفرعية.
ضبابية الاقتصاد
وتراجعت الأسهم اليابانية لأدنى مستوياتها منذ أوائل يناير وعلى الرغم من أن السوق قلصت ما يزيد على نصف الخسائر التي سجلتها في وقت سابق، فإن المستثمرين ما زالوا حذرين بفعل تصاعد الضبابية بشأن آفاق الاقتصاد العالمي. وانخفض مؤشر نيكاي القياسي 0.65% ليغلق على 20585.31 نقطة بعد أن هوى 2.94% خلال الجلسة وبلغ أدنى مستوياته منذ العاشر من يناير وخسر مؤشر توبكس الأوسع نطاقاً 0.44% إلى 1499.23 نقطة.
وأكد محللون اقتصاديون لدى «جولدمان ساكس» أنهم توقعوا هذه التداعيات منذ تهديدات ترامب.
وقال المحللون في تقرير أصدره «جولدمان ساكس» ونشرته أمس شبكة سي إن بي سي» الإخبارية : «تشير الأنباء المتعاقبة منذ تهديدات ترامب الخميس الماضي إلى أن صانعي السياسة في كلٍ من أمريكا والصين يتخذون مواقف أكثر تشدداً. وعليه، فنحن لم نعد نتوقع اتفاقاً تجارياً بين البلدين قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة في 2020».
وتواصلت الآراء المتشائمة في «وول ستريت» بشأن موقف الصين ونواياها المقبلة وفقاً لما نشرته وكالة «بلومبيرغ» للأنباء، فقال كريس كروجر، المحلل الاقتصادي لدى بنك «كاوين» الاستثماري الأمريكي: «ما فعلته الصين بخفض قيمة «اليوان» هو الخطوة رقم 11 على قائمة مكونة من 10 خطوات فقط.
البيان