حسمت حركة النهضة التونسية موقفها من الترشح للانتخابات الرئاسية في تونس، ودفعت بأحد قيادييها، رئيس مجلس نواب الشعب المؤقت، عبد الفتاح مورو، مرشحا باسمها في سباق الفوز بمقعد الرئاسة في قصر قرطاج.

وجاء اختيار مورو في وقت متأخر من ليل الثلاثاء الأربعاء، وبأغلبية أصوات مجلس شورى الحركة، ويتوقع أن يفتح الأمر أبوابا واسعة للجدل في صفوف الحركة التي لم تعد خلافاتها الداخلية خافية على أحد.

كما أنه سيضع الحركة الإخوانية في مرمى نيران الجميع سواء في الانتخابات الرئاسية التي جاءت قبل موعدها بسبب وفاة الرئيس الباجي قايد السبسي أو في الانتخابات التشريعية التي ستتأثر حتما بمسارات واتجاهات التصويت في ماراثون السباق نحو قصر قرطاج الرئاسي.

الغنوشي غاضبا
ويبدو أن الخلافات بين زعيم الحركة، راشد الغنوشي، ومرشحها للرئاسة عبد الفتاح مورو أصبحت ككرة ثلج تكبر يوما تلو الآخر، فالغنوشي الذي حال دون ترشيح مورو في اجتماع الحركة السبت الماضي، كان يسعى للتحالف مع مرشح من خارج الحركة.

وذلك، ليضمن إبرام صفقة متكاملة تمكنه من خوض الانتخابات التشريعية بتنسيق كامل يقوده لرئاسة البرلمان، وقد كان هناك بالفعل خط مفتوح مع رئيس الحكومة، يوسف الشاهد، وأعدت لجان الحركة ملفا متكاملا بإمكانية التنسيق مع الشاهد.

بل وأعطى الغنوشي إشارات إيجابية في اتجاه الترحيب بترشيح وزير الدفاع الوطني، عبد الكريم الزبيدي.

ولم يكن هذا هو السبب الوحيد الذي يدفع الغنوشي لتحريك بوصلة الحركة في اتجاه مرشح رئاسي من خارجها، بل الأهم كان هو التخوف من النفوذ المتنامي لمورو داخل صفوف الحركة، في ظل نظام داخلي يحرم الغنوشي من الاستمرار في زعامة الحركة بعد العام المقبل.

وهذا التخوف ألقى بظلاله الكثيفة على كوادر الحركة وقواعدها ليشطرها رأسيا وأفقيا، بين قيادات تاريخية وقيادات شابة من جهة وبين قيادات الخارج وقيادات الداخل أو السجون من جهة أخرى، فهذا الانقسام مرشح للاستمرار في ظل تحرك القيادات القريبة من الغنوشي في اتجاه الانتقاد المباشر لقرار الحركة بترشيح مورو.

وحدة زائفة

وقد ظهر هذا الاتجاه جليا في موقف صهر الغنوشي، رفيق عبد السلام، الذي عقب بعد الإعلان عن اختيار مورو على حسابه الخاص بموقع “فيسبوك” معتبرا أن قرار اختيار مرشح من داخل النهضة لخوض السباق الرئاسي “خيار خاطئ”.

وأضاف عبد السلام “رغم احترامي للشيخ مورو فإن اختياره خاطئ ولا يستجيب لمقتضيات المرحلة والوحدة على الخطأ هي وحدة مغشوشة ومزيفة”.

ولا يمكن التعامل مع رأي عبد السلام بمعزل عن موقف حماه الغنوشي، ولا يمكن كذلك تجاهل الأثر الذي سيتركه هذا الموقف في نفس مورو وغيره من شباب الحركة وقياداتها ممن وقفوا خلف قرار الدفع بمورو مرشحا.

ورغم هذا الموقف، إلا أن هناك من يرى أن الدفع بمرشح للحركة سيسهم في إعادة ترميم التصدع في صفوف الحركة الإخوانية، التي تربى أعضاؤها على أهمية التكتل في مواجهة أعداء التنظيم.

وتأتي الانتخابات لتوفر هذه البيئة التي يمكن استثمارها، خاصة مع وجود مرشح خطيب مفوه وصاحب خطاب شعبوي يستطيع حشد قواعد الحركة خلفه، مثل عبد الفتاح مورو.

لكن هل يجدي ذلك نفعا في ظل تراجع شعبية النهضة داخليا وتراجع تنظيم الإخوان إقليمياً ودوليا ؟

لا يبدو أن الأمور ستسير على نحو إيجابي لصالح مورو.

فالصوت ذو التوجه الإسلامي لن يذهب لمورو وحده فهناك حمادي الجبالي رئيس الوزراء الأسبق، الذي كان أمينا عاما للحركة قبل أن يستقيل ويغادرها نهائيا في 2014.

وهناك أيضا الرئيس السابق المنصف المرزوقي حليف الإخوان الوفي المدعوم من دوائر إخوانية خارجية رغم تراجع شعبيته داخليا بشكل ملحوظ.

وهذه المعطيات تشير إلى أن الصوت ذا التوجه الإسلامي لن يكون موحدا لصالح مورو وإن حصل على النسبة الأكبر منه.

عقاب شعبي

وأضف إلى ذلك، حالة التراجع الشعبي التي تعاني منها الحركة في السنوات الأخيرة، فضلا عن أن شعور الناخب التونسي برغبة الإخوان في الاستحواذ على موقع الرئيس، الذي يفضل القطاع الأكبر من الناخبين أن يكون من نصيب مرشح بعيد عن التجاذبات السياسية والحزبية، سيجعل هناك رغبة في تصويت عقابي للنهضة ومرشحها.

كما أن انحسار المد الإخواني إقليميا بعد الإطاحة بالرئيس السوداني عمر البشير وحزب المؤتمر من الحكم هناك، سيفقد الإخوان ومرشحها قدرا من الزخم السياسي الذي كانت تستفيد منه في معاركها الانتخابية في تونس، وذلك على الرغم من الدعم الذي يتلقاه التنظيم من قطر وتركيا.

تشتيت الأصوات

لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإن تشتيت الأصوات في الجهة المقابلة قد تصب في مصلحة عبد الفتاح مورو.

فهناك على الأقل ستة مرشحين ضد مورو وضد النهضة يتقدمهم وزير الدفاع، عبد الكريم الزبيدي، الذي يوصف بأنه الأوفر حظا للفوز بمقعد الرئيس.

غير أن وجود أكثر من مرشح ضد خط النهضة وتوجهاتها قد يؤثر في حسم المعركة ويجبر الجميع على الدخول في جولة ثانية من المنافسة، وتلك لها حسابات أخرى.

سكاي نيوز عربية