يعدّ الكاتب والروائي والمسرحي الكيني نغوجي واثينغو (1938) من أشد المطالبين بالاهتمام باللغات والثقافات الأفريقية المحلّية، كخطة للأمام للتّحرر من التبعية الثقافية للغرب، وفي كتابه «تصفية استعمار العقل» يركّز على الاهتمام اللغوي المتمثل في استخدام لغات غير أفريقية في كتابة وإبداع الأدب الأفريقي المعاصر، وسعى «واثينغو» في كتابه هذا إلى تعرية «العولمة الثقافية الغربية» ووصفها بالسارق للمواهب والإبداعات والعبقريات في أفريقيا، كما كان حاله في سرقة الموارد والاقتصاد والبشر خلال الفترة الاستعمارية، وقال: «الغرب سرق خلال القرنين السابع عشر والثامن عشر الكنوز الفنية الأفريقية في أفريقيا، حتى يزيّن بها جدران القصور، ولكنه في القرن الحديث سرق العقول والثقافات واللغات، وأنّ القارة السوداء الآن بحاجة إلى استعادة كل ما نهب».
كتب «واثينغو» أكثر من 10 مجموعات قصصية، وبحسب نقاد الأدب تعتبر مجموعته «ثورة الاستقامة: أو كيف يمشي الإنسان منتصباً» من أهمها وأبرعها وأكثرها إنسانية واحترافية سردية، كونها ترجمت إلى أكثر من 55 لغة، وفي السياق قال «موسيس كيلولو» مدير تحرير المجموعة القصصية: «سألنا جميع الأشخاص المشتغلين في حقول الأدب والترجمة، ولم يشيروا لنا إلى أنّ هناك قصصاً قصيرة أخرى في أفريقيا ترجمت إلى هذا العدد من اللغات من قبل». كتب «واثينغو» هذه المجموعة ذات الصبغة الإنسانية عن النّاس المهمشين في العالم ابتداء باللغة الأم «غيكويو» ثم ترجمها بنفسه إلى اللغة الانجليزية، وذلك في محاولة منه لإحياء اللغات الأفريقية التي طمسها الاستعمار.
معظم أعمال واثينغو القصصية والروائية تأخذ القارئ ليتعرف على الواقع القاسي لحياة القرية من خلال التغييرات التي جاءت مع نهاية الحكم الاستعماري البريطاني لكينيا، يتبدى ذلك من خلال روايته (دقيقة من المجد) و(ورق التواليت) التي كتبها في السجن على ورق التواليت، لأن إدخال الورق والأقلام كان ممنوعاً.
وُلد واثينغو لأب مزارع مستأجر في كينيا الريفية التي كانت تحتلها بريطانيا، أطلق نداءه المهم والذي قال فيه: (إن على الأفارقة أن يكتبوا بلغاتهم الأم كجزء من حملة التحرر من القيود العقلية للاستعمار). كان قرار نغوجي بالابتعاد عن اللغة الإنجليزية قراراً شجاعاً بالنسبة لكاتب ينحدر من أفريقيا، إذ من الممكن أن يؤدي قراره هذا إلى اختفائه من المسرح الأدبي العالمي، ولكنه بدلاً من ذلك عزز سمعته ككاتب من الطراز الأول، فقد كتب ثلاثة مجلدات من المذكرات، تحكي سيرته الشخصية التي تعكس أيضاً سيرة وطنه.
مؤخراً أصدر واثينغو كتاباً مهماً بعنوان «كتّاب السياسة: إعادة إشراك قضايا الأدب والمجتمع» وترجمته إلى العربية العمانية عهود بنت خميس المخيني، وهو مجموعة من المقالات والدراسات، كتبها بين عامي 1970 و1980، وتعكس جملة قضايا شغلته في سبعينيات القرن الماضي. في هذا الكتاب -الذي أهداه إلى الشاعر الكوري «كيم شي ها» أبرز شعراء كوريا الجنوبية- نتعرف على يوميات واثينغو وما حمله عقد السبعينيات من تغيرات كثيرة في بلاده، دفعته للقيام بهجرة فكرية من الثقافة الأفروسكسونية، إلى جذوره الوطنية والتقاليد المحلية، ومعيداً أيضاً قراءة الأدب الوطني والثقافة الشعبية المتجذرة في كينيا التي تحاول النهوض من كبوة الماضي.

الاتحاد