لم ألتحق بمعهد فنون جميلة، لكني أحببت الفن كما لو أنه قدري ومؤهلي ومهنتي، تدرجت فيه من المسرح إلى التلفزيون، لعبت أدواراً عديدة، ثم حظيت ببطولات مطلقة، وبعد مضي 4 عقود ما زلت أرفض الألقاب، وأترفع عن قبول أعمال سطحية، وأصنف نفسي من الهواة، بهذه الكلمات، يلخص الفنان الكبير ظاعن جمعة، أحد رواد الفن وأعمدة الدراما في الإمارات، حيث أسهم في تأسيس نهضة الدراما المحلية والخليجية من خلال أكثر من 30 عملاً موزعة بين المسرح والتلفزيون. ويوصف ظاعن بأنه فنان مثقف يمتلك كاريزما بتركيبة كوميدية، يتعامل مع أدواره بوعي ومسؤولية، ويمتنع عن قبول أدوار سطحية، لا تمس قيم المجتمع الإماراتي أو تحاكي تراثه وهويته وأخلاقياته الفاضلة.

بالأبيض والأسود
ذكريات وشجون كثيرة، اتسم بها حواره مع «الاتحاد»، حيث عاد ظاعن بذاكرته مستعرضاً محطات مهمة في مشواره الفني الغني، وأدار مؤشر البداية في عام 1971، وهي المحطة الفعلية الأولى التي بزغ فيها نجمه من بوابة المسرح، ثم قدم العمل الدرامي «عرس راشد»، على خشبة المسرح القومي، قاسمه بطولته عبدالله المطوع وعبيد صندل وموزة المزروعي، ثم تلاه بمسرحية «ملك الزعفران» من تأليفه وإخراجه، وبعدها انتقل ظاعن إلى تلفزيون دبي بالأبيض والأسود في عام 1972، وقدم مسلسلات تلفزيونية، أبرزها «قوم عنتر» في 30 حلقة، ثم عرضت أجزاء جديدة منه على شاشة ملونة للمرة الأولى في تلفزيون أبوظبي، ليضع جمعة بصمته الدرامية على امتداد 120 حلقة، كما شارك ظاعن في بطولة مسلسل «الغوص» بمشاركة سلطان الشاعر وأحمد نقوش وسعيد عفصان، ومن الكويت خالد النفيسي ومريم الصالح.

«شعبان ورمضان»
وذكر ظاعن أن أقرب عمل درامي إلى قلبه هو مسلسل «شعبان ورمضان» الذي حقق حين عرضه أصداء جماهيرية، وتكمن أهميته لديه كونه يحمل في جوهره قصة اجتماعية هادفة، وتبرز قيمته في فخامة الأداء التمثيلي، وهيبة المحتوى الإبداعي، ولا يزال هذا العمل محفوراً في ذاكرة الأجيال، وتم تقديمه في 30 حلقة، من بطولة الفنان الراحل سلطان الشاعر والممثلة مريم الكعبي والممثلتين الشقيقتين عايدة ومنى حمزة، وآخرين. وقدم جمعة أعمالاً درامية عديدة يتذكر منها مسلسل «جحا» و«أبو حمّود» والأخير عمل درامي يسرد قصصاً اجتماعية تتناول التوعية بأخطار الإدمان ضمن معالجة فنية هادفة، وشاركته بطولته موزة المزروعي ومنى وعايدة حمزة وهما عضوتان في المسرح القومي.

بصمة سينمائية
وقال ظاعن جمعة إنه لن يفكر في اعتزال الفن، وسيظل موجوداً وحاضراً في المشهد الفني المحلي، وعلى الرغم من انقطاعه من فترة لأخرى، إلا أنه حرص مؤخراً على المشاركة للمرة الأولى في عمل سينمائي وحيد، هو «مسك» للمخرج حميد السويدي، والذي تم تصويره منذ عامين، وانطلق عرضه في السينما المحلية قبل نحو أسابيع، وأدى فيه ظاعن دور «الجد» الذي يؤلف بين العائلة ويذكرهم بماضيهم ويغذي وجدانهم بالقيم والأصالة والمآثر النبيلة، موضحاً أنه يقوم بدور تاجر عطور، يبرز فلسفة المسك ضمن حبكة العمل، وأشار إلى أن قبوله للدور جاء عن قناعة تامة لإيمانه بضرورة أن تكون له بصمة سينمائية خاصة تضاف إلى صفحات ألبوماته الفنية، مشيراً إلى أن الفيلم حصد عديد الجوائز في مهرجانات دولية، وتم عرضه في الهند وبنجلاديش والمغرب.
وأضاف ظاعن، أن الفن رسالة إنسانية وقيمة نبيلة يمكن استثمارها في التعبير عن هموم وقضايا المجتمع، ويترك أثراً درامياً جميلاً في وجدان الأجيال، لذا لن يتوقف عن تقديم الفن الراقي والهادف، ولن يتردد في قبول أدوار جادة ذات قيمة وموضوعية تحترم سنه وتجاربه وخبراته وتفيد مجتمعه.

اختطاف الدراما
وحول قراءته لحال الدراما المحلية بين الماضي والحاضر، قال ظاعن إن الأعمال الدرامية كانت تقاس بالدقائق، بينما اليوم باتت تقاس بالأمتار، عبر مشاهد طويلة يتم تمديدها لزيادة عدد الحلقات وتحقيق منافع وأرباح من ورائها. وأشار إلى أن الدراما في سابق عهدها كانت تتسم بعفويتها وبساطة فكرتها واجتهاد ممثليها الذين كانوا يبذلون جهداً كبيراً في الأداء والتمثيل، ويبدعون ويصرفون من جيوبهم في حب الفن، أما اليوم فإن الدراما باتت «مختطفة» من قبل شركات الإنتاج التي تستغل حماسة الفنان وهضمت حقوقه، وباتت تعمل بمنطق «الشللية» على حساب الممثل الجيد والعمل الهادف، من دون أن ينفي وجود بعض الأعمال الراقية في إنتاجها ومضمونها، لكنه لا يزال يعتبر أن الكثير منها تسقط في المحتوى التقليدي المكرر في قصص الحب والخيانة والطلاق والسجن والديون ومشاكل الوراثة ضمن موضوعات بائسة لا تمس الهمّ المحلي، ولا تلامس الظواهر المجتمعية التي تستحق الإضاءة والتناول والمعالجة. معتبراً أن صبغة التهريج على حد وصفه تغلب على معظم الأعمال الموسمية، والتي شوهت الكوميديا وقدمت صورة سلبية خاطئة عن تركيبة المجتمع الإماراتي.

استنساخ
وأعرب ظاعن جمعة عن امتعاضه نتيجة تمرير كلمات غير لائقة في بعض المشاهد، وهذا ما يتنافى بحسبه مع الفن الذي يستهدف تهذيب الحس وتغذية الروح والارتقاء بذائقة المشاهد، وتجميل الواقع ومقاومة السلوكيات الخاطئة.
وتابع ظاعن: من المؤسف أن كل السيناريوهات التي تحولت إلى أعمال درامية واستنزفت طاقات إنتاجية وميزانيات لا محدودة كلها مستنسخة على الطريقة التركية والأوروبية والكورية والهندية، وساهمت عمليات الاستنساخ غير الواعي في هدم بنيان الدراما المحلية من أجل تحقيق معادلة الانتشار والربحية، ما أدى بحسبه إلى إرهاق المجتمع واستهلاك عاطفة المشاهد في قضايا سطحية لا تمثله ولا تعبر عن همومه.

مخرج مصري رائد
لم ينس ظاعن جمعة خلال مسيرته، سيرة مؤلف ومخرج مسرحي مصري، له دور ريادي وبصمات خالدة في خارطة المشهد الفني الإماراتي، منذ السبعينيات حتى أواخر التسعينيات، وهو سيد بدران، الذي انضم إلى المسرح القومي في بدايات التأسيس، ورفد المكتبة المحلية بروائع أعماله، سواء تلك المخصصة لاحتفالات اليوم الوطني، التي أشرف على تقديمها في نادي النصر بدبي، أو المسلسلات الدرامية التي استمر في ضخها تأليفاً وإخراجاً مثل، «قوم عنتر» و«شعبان ورمضان» و«أبو حمّود»، ثم انقطعت أخباره منذ زمن بعيد.

«شحفان القطو»
عشرات الأدوار الرئيسة التي لعبها ظاعن، لم يندم على أي منها، إلا أنه رفض دوراً عُرض عليه في مسلسل «شحفان القطو»، وأوضح: عندما قرأت النص وجدت أن السيناريو ضعيف، ولا يليق بالقيم الإماراتية التي تتنافى مع البخل، والذي كان محور هذا العمل الدرامي، والذي تم اقتباسه من كتاب الجاحظ، لهذا رفضت الدور، ولم أندم على ذلك.

الاتحاد