في يومي 21 و22 نوفمبر 1996، عقدت الأمم المتحدة أول منتدى عالمي للتلفزيون، حيث التقى كبار شخصيات وسائط الإعلام تحت رعاية الأمم المتحدة لمناقشة الأهمية المتزايدة للتلفزيون في عالم اليوم المتغير، والنظر في كيفية تعزيز تعاونهم المتبادل، حيث قررت الجمعية العامة اعتبار يوم 21 نوفمبر يوماً عالمياً للتلفزيون.
يأتي الإعلان من قبل الأمم المتحدة، لتحديد يوم عالمي للتلفزيون، اعترافاً بتأثيره المتزايد في صنع القرار من خلال لفت انتباه الرأي العام إلى المنازعات والتهديدات التي يتعرض لها السلام والأمن ودوره المحتمل في زيادة التركيز على القضايا الرئيسة الأخرى، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية، ولم يأت اليوم العالمي للتلفزيون ليكون بمثابة احتفاء بأداة بقدر ما هو احتفاء بالفلسفة التي تعبر عنها هذه الأداة، فقد غدا التلفزيون رمزاً للاتصالات والعولمة في العالم المعاصر.
اختراع التلفزيون
واحتفالاً بذكرى اليوم الذي انعقد فيه أول منتدى عالمي للتلفزيون ترصد «الاتحاد» تاريخ التلفزيون وتأثيره والمتغيرات التي طرأت عليه، وقدرته على المنافسة وجذب المشاهد رغم التطورات التكنولوجية التي نعيشها ومحاولته للصمود أمام التقنيات الحديثة وظهور السوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي.
يعتبر التلفزيون البالغ من العمر أكثر من 80 عاماً، اختراعاً عظيماً ومن أهم إنجازات القرن العشرين، حيث غير مجرى الحياة في جميع الدول، وأصبح الوسيلة الأولى والوحيدة في كثير من الموضوعات لكسب الأخبار والمعلومات المختلفة، حيث ظهرت تجربة التلفزيون عام 1928 في أميركا، وفي عام 1935 ببريطانيا بعدد محدود من الأجهزة.
وفي عام 1884 بدأت أولى محاولات اختراع التلفزيون في ألمانيا من طرف مخترع يدعى «بول نيبكو»، والذي حاول صنع آلة تنقل الصورة، غير أنه لم يتمكن فعلياً سوى من تصميم آلة تحليل الصور أثيرياً، في حين قام مواطنه «كارل فارديناند براون» بعد ثمانية أعوام باختراع «الأسطوانة الكاتوديكية»، وهي أهم مكون للتلفزيون، لكن القصة لم تكتمل إلا على يد عالم فرنسي يدعى «إدوارد بيلين» عام 1921، حيث قام بمحاولات تغيير نقل الصورة عبر موجات ضوئية، وبعد خمسة أعوام استطاع العالم «جون لوجي بيرد» أن ينقل أول الصور التلفزيونية.
تطور سريع
بدأت تلك التقنية الجديدة آنذاك تتطور بسرعة، وبدأت تجذب اهتمام الحكومات والمخترعين، حتى ظهر التلفزيون الملون مبكراً عام 1928 على يد العالم السوفييتي «هوفانس آداميان» في لندن، ولكن لم يتم تكريسها حينها، وظل العالم يشاهد التلفزيون الأبيض والأسود الذي تم طرحه في الأسواق عام 1931 على يد المهندس الفرنسي «هنري دي فرانس» الذي أسس الشركة العامة للتلفزيون في فرنسا.
وتزامن اختراع التلفزيون مع اختراع الكاميرا، وبدء عرض أول برنامج تلفزيوني بشكل محدود، كانت مدته ساعة واحدة في الأسبوع، ثم بدأ البث يصبح أطول وتم وضع بث يومي في الرابع من يناير عام 1934 في فرنسا، وبدأ التنافس الأوروبي على تطوير هذا الاختراع، وتحوّل البث من محلي إلى بث بالأقمار الصناعية عام 1962 بين أوروبا وأميركا، ثم تطوّرت الشاشات والأشكال والأحجام وظهرت الألوان وتعددت القنوات والإضافات واختفى شيئاً فشيئاً حجم التلفزيون الكبير ليصبح شاشة رفيعة تحتل كل البيوت.
أما على الصعيد العربي، فقد عرف العرب التلفزيون للمرة الأولى في العراق، عام 1954، حيث تم إنشاء أول محطة تلفزيونية ناطقة بالعربية في العالم، تلتها الجزائر، بافتتاح قناة التلفزيون الجزائري عام 1956، ليحل في المرتبة الثالثة لبنان عام 1959 ثم مصر عام 1960، قبل أن تبدأ ليبيا في الاهتمام بهذا الاختراع وتطويره، بعد ظهوره للمرة الأولى في 24 ديسمبر 1968.
جذب المشاهد
وتحدث مذيعون ومنتمون إلى الإعلام المرئي وأساتذة في الإعلام، في اليوم العالمي للتلفزيون، حول قدرة التلفزيون على الصمود ومواجهة المنصات الرقمية الحديثة ومختلف منصات التواصل الاجتماعي، فضلاً عن مدى قدرته على الاحتفاظ بإمكانات جذب المشاهد ورفده بمحتوى هادف، حيث أكد المخرج التلفزيوني جمعة السهلي أن مستقبل صناعة التلفزيون آمن، في ظل ظهور وسائل التواصل الاجتماعي، وقال: لايزال التلفزيون يحتل المكانة الأولى بين وسائل الإعلام المختلفة، بحكم أنه المنبر الوحيد للمصداقية، وله التأثير الأكبر على المجتمع بشكل عام، بعيداً عن السوشيال ميديا ومواقع التواصل وأهميتها.
وأشار السهلي إلى أنه على مر التاريخ الطويل للتلفزيون، استطاع أن يعلم ويثقف أجيالاً ويبعث برسائل مهمة ومفيدة للشباب، من خلال تقديم محتوى تثقيفي وتراثي ومجتمعي، لذلك فإنه مهما كثرت وسائل الإعلام الرقمية والمنصات الحديثة فلن يختفي التلفزيون، وستظل شاشاته الصغيرة هي الأولى دائماً.
ولفت السهلي إلى أنه عندما ظهر التلفزيون توقعوا اختفاء الراديو، وعندما ظهر الإعلام الرقمي، تحدثوا حول اختفاء الإعلام الورقي، وهذا لا يمكن أن يحدث أبداً، لأن لكل وسيلة إعلامية دورها وتاريخها الطويل، الذي لدى كل منها متابع ومهتم، لذلك فإن ظهور وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات الرقمية لن يعوق أو يعرقل العمل التلفزيوني، بل لا بد من الاستفادة من هذه المنابر الجديدة في فتح آفاق للتعرف إلى مختلف الأجيال التي تتفاعل في فضاء افتراضي صار أمراً واقعاً لا بد من التعامل والتفاعل معه.
نقطة جوهرية
فيما قالت الإعلامية أسمهان النقبي: على الرغم من سطوة الوسائل المنافسة إلا أن التلفزيون لا يزال يحافظ على رونقه ولديه فئات جماهيرية تستهويها الشاشة الكبيرة وتفضل متابعة البرامج والمسلسلات والأخبار عبر التلفزيون باعتبار قنواته مصدراً ذا مصداقية أعلى، فلا أحد ينكر أن أغلب القنوات التلفزيونية تعاني من عزوف المتابعين لها بسبب كثرة مواقع التواصل والمنصات الرقمية، لكن تبقى هناك نقطة جوهرية تفتقرها بعض المنصات الرقمية وهي إدارة المحتوى، وهذه الميزة موجودة في أغلب القنوات الرسمية التي تحافظ على صداها وتاريخها الإعلامي، بتقديم محتوى يخاطب الأذهان والعقول، أما المحتوى في المنصات الرقمية فيفتقر للرسائل الهادفة والنفع العام والمصداقية.
وتابعت النقبي: يبقى التلفزيون رغم التطور التكنولوجي بوابة إلى المعرفة والترفيه، كما أنه يلعب دوراً بارزاً في التأثير على عملية صنع القرار في العالم، من خلال إتاحته الفرصة للمشاهدين لمتابعة كافة الأخبار السياسية والرياضية والاقتصادية والفنية وغيرها من القضايا في مختلف أنحاء العالم وقت حدوثها.
انتصارات عظيمة
من جهته قال الدكتور قيس التميمي، أستاذ إعلام في جامعة الإمارات: التلفزيون حقق انتصارات عظيمة في الماضي، لعدم وجود وسائل إعلامية حديثة بديلة، وكان له الدور الأكبر والمؤثر في الرأي العام والمجتمع بشكل عام، لاسيما أنه كان المصدر الأول والأكثر مصداقية للمتلقي، لكن مع ظهور المنصات الرقمية الحديثة ومواقع التواصل، نالت الاهتمام الأكبر بحكم سرعة تداول الأخبار وانتشارها الأوسع، لذلك فإن الإعلام المرئي يواجه تحديات كبيرة، على الرغم من ثباته الطويل، وتعدد أشكاله، وتطوره قرابة العقدين، إلا أنه لم يواجه تحدياً مثل الذي يواجهه الآن في ظل التهديد الذي تشكِّله عليه الأجهزة الذكية التي باتت تستقطع حيزاً مهماً من متابعيه، لكنه رغم كل هذا سيظل التلفزيون هو المؤثر الأكبر والأكثر مصداقية خصوصاً أنه مع التزام كل قناة بقواعد وقوانين تحكم البث على عكس صفحات المنصات الحديثة الأخرى.
مواكبة التطورات
قالت الإعلامية ندى الشيباني إن التلفزيون استطاع أن يطور آلياته وسيكولوجية عمل قنواته، لكي يواكب التطورات التي تحدث حالياً، وقالت: يشكل التلفزيون، بوصفه أقوى وسائط الإعلام في العالم، جزءاً أساسياً من المجتمع، إذ يمكنه مساعدة أعداد كبيرة من الناس على فهم العالم المحيط بهم، ويمكنه كذلك تسليط الضوء على الزوايا المعتمة للقضايا التي تهم الناس.
وأشارت الشيباني إلى أن تطبيقات التكنولوجيا الحديثة لن تلغي دور قنوات التلفزيون ومحتواها الهادف، خصوصاً أن الوسائل الحديثة تعتبر مكملة وليست بديلة، مع ضرورة أن يفهم القائمون على صناع محتوى التلفزيون التكيف مع التطور التكنولوجي والاستفادة منه، خصوصاً أن المواقع ساعدت على نشر الخبر العاجل بشكل أوسع، وسهّلت من عملية وصوله مختصراً على الهواتف الذكية من دون الحاجة لمشاهدة النشرة الإخبارية.
تلفزيون رقمي
في فترة التسعينيات من القرن الماضي، توجهت الشركات المصنعة للتلفزيونات، لتطوير جيل جديد من «التلفزيون الرقمي»، الذي انتشر بالأسواق، مع ظهور شاشات LCD، ومن بعدها تم اقتران التلفزيون ليواكب التطورات الرقمية وتطبيقات مواقع التواصل و«يوتيوب»، وغيرها من المواقع الشهيرة الأخرى التي تسهل من استخدامها عبر شاشات التلفزيون، التي تطورت إلى شاشات بتقنيات متعددة هي HD وUHD و4K.
حضور مؤقت
أكدت الإعلامية أميرة الفضل أن منصات التواصل والإعلام الجديد، أثبتت قدرتها على منافسة التلفزيون بشكل كبير من ناحية السرعة ومواكبة الأحداث والتفرد في طرح القضايا بشكل كبير وسريع، وأيضاً لفت الأنظار من خلال طرح القضايا وسرعة إيجاد الحلول بتجاوب المجتمع وأصحاب القرار، لكن هذا لا ينفي قدرة التلفزيون على تشكيل العقل الجمعي للمجتمع والأفراد خصوصاً أن القرارات الرسمية للدول لا تطرح إلا من خلال التلفزيون لوجود نوع من الثقة والمصداقية بينه وبين المشاهد والمسؤولين، لذلك فمهما كانت منصات التواصل حاضرة إلا أن حضورها مؤقت.
الاتحاد