يواصل مهرجان الشيخ زايد فعالياته بمعية حضور جماهيري لافت أكد نجاح القائمين عليه في تقديم حزمة واسعة من الأنشطة التراثية والثقافية من الإمارات والعالم في إطار من الدهشة والتميز التي شهد بها الجميع، خاصة ممن زاروا ركن الحرف البحرية الذي توسط ساحة المهرجان بالقرب من النافورة الرئيسية التي تقدم يومياً عروضاً مبهرة مصحوبة بأهازيج وطنية أضفت مزيداً من الأجواء التراثية والاعتزاز بالهوية الإماراتية على زوار المهرجان الذي قدم من خلاله أصحاب الحرف التقليدية عروضاً حية وورش عمل طالع الجمهور من خلالها نماذج من أساليب حياة أهل الإمارات في الزمن القديم عبر عديد من الحرفيين وخبراء التراث، في المهرجان الذي انطلق الجمعة الماضي في منطقة الوثبة بأبوظبي وتستمر فعالياته على مدى 60 يوماً.

16 حرفياً
يقول النوخذة علي محمد أحمد آل علي، إن ركن الحرف البحرية ضمن القرية التراثية الإماراتية يضم 16 حرفياً يقدمون للزوار العروض الحية لكيفية ممارسة هذه الحرف، منها «الجلاليف» ومفردها «الجلاف» وهو صانع السفن والمحامل الشراعية، وهناك «ديّنة»، أي صناع «الديين» المستخدم في الغوص عن اللؤلؤ، «جلد الحبال» أي صناعة الحبال أيضاً هناك من يقدمها من بين الحرفيين الموجودين في ركن الحرف البحرية، وهناك من يصنع «الليوخ» ومفردها «الليخ»، ويقصد بها الشباك المستخدمة في صيد الأسماك على اختلاف أحجامها وأنواعها، وغيرها من الحرف التي عرفها أهل المناطق الساحلية في الإمارات في الزمن القديم، ولا نزال معتزين بها إلى يوماً هذا، بحسب الوالد آل علي.
ويتابع النوخذة، أنهم حريصون على المشاركة في مهرجان الشيخ زايد منذ نسخته الأولى قبل عدة سنوات ويحقق كل عام تطوراً كبيراً عن الذي سبقه، مبيناً أن المهرجان نجح في جذب أعداد كبيرة من المواطنين والمقيمين، وحتى السائحين من أنحاء العالم، ليتعرفوا بشغف على الموروث الإماراتي بأشكاله المختلفة، وهو ما يجعلنا نؤدي هذه المحبة بحب واهتمام ويدفعنا إلى تقديم موروثنا الذي نعتز به إلى الآخرين في أبهى صورة، تعكس قيم السنع والمواجيب التي يعرفها أهل الإمارات ومن أهمها حسن التعامل مع الآخر واستقباله دوماً بالترحاب والابتسام كجزء رئيس من أصول الضيافة العربية.

العملي والنظري
وقال إن الزوار لديهم حب استطلاع ودائماً يسألون عن حرف الآباء والأجداد وكيف عاشوا ويقضون حياتهم على الساحل البحري، فنقوم بالشرح لهم سواء عملياً أو نظرياً، وكيف كان السفر خلال البحر إلى الأماكن القريبة وحتى البعيدة في الهند وأفريقيا وأن بعض هذه الرحلات تصل نحو 4 أشهر يبتعد خلالها الرجال عن بيوتهم وأهاليهم حتى يعودوا إليهم بخيرات البحر والتجارة مع البلدان البعيدة.
أما عبدالله علي فيروز الذي يعمل في صناعة «الديين»، فذكر من جانبه أن أهلنا القدامى في المناطق الساحلية بالإمارات كانوا يعتمدون بشكل رئيس على هذه الحرف فكانت موردهم الاقتصادي الوحيد الذي أعانهم على العيش عبر قرون طويلة، فمنهم كان يعيش على الغوص واستخراج اللؤلؤ، ومنهم من يعيش على السمك وممارسة الصيد سواء بـ«الجرجور» أو «الليوخ» أو «الخيط»، وغيرها من الحرف البحرية التي برع فيها الآباء والأجداد وتوارثناها وعملنا بها سنوات كثيرة قبل أن نحتفي بها بوصفها تراثاً ونقدمه للأجيال الجديدة والعالم في الفعاليات التراثية المختلفة المحلية أو العالمية، مبيناً أنه يشعر بالسعادة والفخر حين يشارك في أي فعالية تحتفي بتراثنا وتاريخنا.

واجب وطني
في حين ذكر جاسم عبدالله جاسم المتخصص في فلق المحار، أنه مشارك دائم في غالبية المهرجانات الثقافية والتراثية التي تمثل الإمارات، ويشعر دائماً بأن هذا دور وواجب وطني عليه أن يؤديه على أفضل ما يكون، حيث يقوم بتعريف الجمهور بهذه المهنة التي توارثها من الأقدمين، مبيناً أن اللؤلؤ له أنواع عديدة منها الفص، البوكة، الدانة، أما أغلاها فهي الجيون؛ لأنها تتمير بلونها الأبيض المشرب بالحمرة، إضافة إلى درجة صفاء ونقاء تفوق غيرها من أنواع اللؤلؤ.
وبين أن من يقوم بجلب المحار من الأعماق هو«الغيص» الغواص الذي يحمل معه أدواته إلى قاع البحر، ومنها «الفطام»، «الذي يغلق به أنفه ليحميه من دخول الماء أثناء الغوص، «الديين» وهي سلة يعلقها في رقبته ليضع فيها المحارات الملتقطة، «الحير أو الحجر» الذي يضعه الغواص في قدمه عن طريق حبل يسمى «النعل» ليساعده على الغوص إلى أعماق البحر، يقوم بعمل الفطام الذي يغلق به أنفه حتى لا يدخله الماء أثناء الغوص عن اللؤلؤ، وبعد أن ينتهي من مهمته يصعد إلى سطح البحر لتسليم المحار الذي التقطه ثم يعود مرة أخرى إلى الأعماق لتكرار العملية.
وشرح، أن الأداة الرئيسة في فلق المحار هي «المفلجة» التي تشبه السكين، حيث يتم فلق المحار بعد حوالي يومين من التقاطه من أعماق البحر، ثم يتم التخلص من الأصداف بإلقائها في البحر، ويتم تجميع اللآلئ وبيعها لاحقاً إلى «الطواش»، أي تاجر اللؤلؤ.

«الليخ»
أحمد محمد إبراهيم الحمادي والذي ورث العمل في البحر عن والده الذي كان يتاجر في اللؤلؤ، وتعرف من خلاله على عالم الحرف البحرية، وتعلم منها الكثير مثل فلق المحار، الغوص، صناعة الليخ والديين، مشيراً إلى أن الليخ عبارة عن شبكة من خيوط النايلون أو من الخيوط القطنية تستخدم في صيد الأسماك بمختلف أحجامها، ومدة صناعة الليخ أو الشبكة قد تصل إلى 15 يوماً بحسب الحجم المراد لها، مبينا أن الليخ له فتحات بمقاسات مختلفة غير أن أكثر ما يطلبه الصيادون الشباك ذات الفتحة ما بين 2 إلى 4 سنتيمترات.
وهناك نوع من الليخ يسمى «الألياخ السينية»، وهو معروف على نطاق واسع في الإمارات ويفضله كثير من الصيادين، إضافة إلى أنواع أخرى من الليخ منها «الخيشومية»، ولها عدة أشكال منها «الألياخ الخيشومية الدائرية» ويستخدمها الصيادون لصيد الأسماك سريعة الحركة، و«الألياخ الخيشومية القاعية»، وتستخدم في المناطق التي تنتشر الصخور في قيعانها، ولابد أن تكون خيوطها أقوى من الأنواع الأخرى من الليخ.

صناعة المحامل
صناعة السفن والمحامل يحدثنا عنها صالح محمد الجاسمي، مبيناً أن هناك أنواعاً من السفن بحسب الغرض المراد منها البقارة، السنبوك، الجالبوت، البتيل، بوم سفار الذي يستخدم في الرحلات البحرية الطويلة التي تصل إلى أكثر من 4 أشهر إلى المواني البعيدة وتصل حمولتها إلى 700 طن في بعض الأحيان، وتحمل عشرات الرجال على ظهرها الممتد إلى نحو 150 قدماً للأحجام الكبيرة من هذا النوع من السفن التي اعتبرت من أهم أنواع السفن لدى أهل البحر في الإمارات.
أما «البتيل»، فمن السفن متوسطة الحجم وحمولتها نحو الأربعين طناً في الرحلة الواحدة، وأكثر استخدامها في الغوص عن اللؤلؤ، وهناك «البقارة» وهو أصغر حجماً، ويستخدم في كل من الغوص عن اللؤلؤ وصيد الأسماك. في حين يصل طول «الصمعة» إلى أكثر من 80 قدماً، واستخدم في نقل الأفراد والغوص عن اللؤلؤ، وتشبه في ذلك «السنبوك» الذي يتجاوز طولها الـ 120 قدماً.

«الصف والصوار»
مبارك فايل خميس، الذي يقوم بصناعة المجاديف، ذكر أن أفضل أنوع الخشب المستخدم في صناعة المجاديف هو «الساي» الذي يستورد من الهند، ويعتبر المجداف من أهم مكونات المراكب الشراعية؛ لأنه أداة التحكم في سيرها وتغيير اتجاهها بحسب ما يريد النوخذة، وتبدأ صناعة المجداف بربطه بما يسمى «الصف» وهي خشبة مرققة، تضاف إلى جسم الجداف بربطها بالأحبال على أبعاد متساوية، وفي منتصف المجداف نربطه بحبل يسمى «الصوار» لتثبيت المجداف خلال عمليات الإبحار، ثم يتم ربط كل مجداف في أحد القائمين الخشبيين الموجودين على يمين القارب ويساره، وكل قائم يطلق عليه اسم «الزبان»، فيما يطلق على الشخص الذي يقوم بعملية التجديف «الجرير».
وقال إن عمل المجداف الواحد يستغرق من ساعة إلى ساعتين بحسب مهارة الصانع وطول المجداف، مبيناً أن هذه المهنة كانت من المهن المهمة في الزمن القديم كون المجتمع البحري بأكمله كان يعتمد على القوارب في الصيد والغوص عن اللؤلؤ والتجارة والتواصل مع العالم الخارجي، لذلك كانت مهن صناعة المحامل والمجاديف من أهم المهن في المجتمع الإماراتي الساحلي.

احتفالات اليوم الوطني
شهدت أحياء وأجنحة المهرجان أمس عشرات الاستعراضات الفلكلورية المحلية والخليجية والعربية والعالمية احتفاءً باليوم الوطني الثامن والأربعين لقيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وسط حضور جماهيري غفير لآلاف الزوار من الأسر والأفراد الذين أتوا خصيصاً للاحتفال بهذا اليوم الغالي والعزيز على قلوب أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها وسط أجواء تجسد ثقافات دول العالم.
واهتمت اللجنة العليا المنظمة للمهرجان بأن تكون احتفالات المهرجان باليوم الوطني متميزة كماً وكيفاً، عبر تخصيص الكثير من العروض والفعاليات التراثية والفلكلورية المتميزة التي أقيمت أمس في أجنحة وأحياء المهرجان كافة، والتي شهدت عروضاً فلكلورية كبرى على مدار الساعة منذ الرابعة عصراً وحتى منتصف الليل، احتفاءً باليوم الوطني الـ48 وسط حضور جماهيري كبير فاق التوقعات.
وشهد الجناح الإماراتي الكثير من الفعاليات والعروض الفنية الكبرى بمشاركة فرق العيالة والحربية التي جذبت آلاف الزوار الذين شارك العشرات منهم أفراد الفرق في الرزفات والأهازيج الشعبية الإماراتية تعبيراً عن فرحتهم بهذه المناسبة الغالية على قلب كل إماراتي ومقيم.
وأضاءت الألعاب النارية الضخمة -التي خصصت للاحتفال باليوم الوطني- سماء الوثبة لفترة زمنية أطول من المعتاد بألوانها وأشكالها المختلفة التي أطلقت على وقع الأغاني الإماراتية الوطنية من أجل إمتاع الزوار بمشهد أصبح سمة من سمات المهرجان كل عام.

محمد علي: تعلمت طريقة فلق المحار
محمد علي 13 سنة طالب في الصف السابع، من زوار ركن الحرف البحرية، أوضح أنه تعلم الكثير عن كيفية حياة أهلنا في الإمارات قديماً عبر هذه الزيارة التي عرف خلالها مبادئ صناعة القوارب وشباك الصيد وطريقة فلق المحار ومسميات الأدوات المستخدمة في هذه الصناعات، معتبراً أن هذه من أهم فوائد مهرجان الشيخ زايد الذي أتاح له وللكثيرين من أبناء الإمارات أن يتعرفوا بشكل مباشر على الطرق التي عاش بها أجدادنا، وبالتالي تترسخ هذه المعلومات لديهم بشكل قوي قياساً إلى ما يعرفونه من خلال الكتب وغيرها من الوسائل التعليمية.

الاتحاد