نأت المرجعية الدينية العليا في العراق، أمس، بنفسها عن عملية اختيار رئيس وزراء جديد للبلاد، حيث تتكثف المشاورات السياسية على وقع الاحتجاجات المناهضة للنخب السياسية التي يتهمها الشارع بالفساد، فيما طالب المحتجون، الذين انضم إليهم، أمس، زعماء العشائر في ساحة التحرير وسط بغداد، بحكومة «مستقلين» تُمهّد لإجراء انتخابات مبكرة.
وقالت الشرطة ومسعفون إن مسلحين قتلوا 6 أشخاص على الأقل قرب موقع احتجاج في وسط بغداد أمس.
وأضافت المصادر أن أكثر من 20 آخرين أصيبوا بجروح قرب ساحة التحرير.
وتوافد آلاف المحتجين العراقيين أمس، من عدد من المحافظات إلى ساحة التحرير وسط بغداد، ومن بينهم الزعامات العشائرية والمنظمات والاتحادات الشعبية.
وأكد متظاهرون أن ساحة التحرير شهدت اكتظاظاً جماهيرياً كبيراً. وقال المتظاهر محسن جاسم: «إن أعداداً كبيرة جاءت من المحافظات الجنوبية من واسط وكربلاء للانضمام إلى المتظاهرين في ساحة التحرير، حاملين أعلام العراق ويهتفون بشعارات لإسقاط العملية السياسية بالكامل بعد أن أخفقت في تلبية مطالب العراقيين».
وقال المرجع الديني علي السيستاني، البالغ من العمر 89 عاماً، في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي: «نأمل أن يتم اختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها ضمن المدة الدستورية ووفقاً لما يتطلع إليه المواطنون بعيداً عن أي تدخل خارجي».
وحذر من أن هناك من يتربصون بالبلد ويسعون لاستغلال الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح لتحقيق أهداف معينة تنال من المصالح العليا للشعب العراقي ولا تنسجم مع قيمه الأصيلة، مطالباً باختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها ضمن المدة الدستورية المحددة.
ولم يتبق في مهلة 15 يوماً المحددة لرئيس الجمهورية برهم صالح لتسمية رئيس جديد للحكومة سوى نحو 10 أيام.
وقدم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقالته إلى البرلمان الأسبوع الماضي، تحت ضغط الشارع ودعوة المرجعية البرلمان إلى سحب الثقة من الحكومة.
وتتكثّف المشاورات في بغداد، بحثاً عن بديل من عبد المهدي، على وقع مساع لإقناع القوى السياسية بالسير بأحد المرشحين وسط استمرار أعمال العنف في جنوب البلاد، بحسب ما قال مصدر سياسي أمس.
وحتى قبل أن يعلن البرلمان الأحد موافقته رسمياً على استقالة عبدالمهدي وحكومته، بدأت الأحزاب السياسية اجتماعات و«لقاءات متواصلة» للبحث في المرحلة المقبلة.

شارع في وجه شارع
ولطالما نُظر إلى المرجعية على أنها صاحبة الكلمة الأخيرة في اختيار رئيس الحكومة، على غرار ما حصل حين تسمية عبدالمهدي في نهاية عام 2018، بعد الحصول على ضوء أخضر من السيستاني لخلافة حيدر العبادي.
وبالتالي، فإن جزءاً من الشارع، يحمِّل المرجعية مسؤولية ذلك الخيار وما آلت إليه الأمور. ولذلك، أكدت المرجعية أنها: «ليست طرفاً في أي حديث بهذا الشأن ولا دور لها فيه بأيّ شكل من الأشكال».
وفي غضون ذلك، نزل آلاف من أنصار قوات الحشد الشعبي، أمس الأول، إلى ساحة التحرير في بغداد، ما أثار قلقاً بين المتظاهرين.
ولوح المتظاهرون الجدد بأعلام قوات الحشد الشعبي، التي باتت تحمل صفة رسمية بعدما صارت جزءاً من القوات العراقية، فيما رفع آخرون صوراً للسيستاني.
ولذلك، أكدت المرجعية في خطبة الجمعة في كربلاء أنها «لجميع العراقيين بلا اختلاف بين انتماءاتهم وتوجهاتهم، ولا ينبغي أن يستخدم عنوانها من قبل أي من المجاميع المشاركة في التظاهرات المطالبة بالإصلاح لئلا تحسب على جمعٍ دون جمع». وأبدى الموجودون في ساحة التحرير قلقهم من الوافدين، خصوصاً مع رفعهم لافتات تندد بـ «المندسين»، في إشارة إلى أولئك الذين يهاجمون الممتلكات العامة والخاصة خلال التظاهرات، لكن المتظاهرين شعروا برسالة تهديد أكبر من ذلك.
واستنكر زعيم ائتلاف الوطنية إياد علاوي، أمس، حالات الطعن التي تعرض لها المحتجون في ساحة التحرير، فيما أكد أن تلك الاعتداءات هي استمرار لجرائم استهدافهم بالقنابل الدخانية والرصاص الحي.
وقال علاوي في بيان: «إن الصمت عما شهدته ساحة التحرير أمس الأول، محرج للعملية السياسية التي أصبحت في وادٍ والشعب في واد آخر، وهذا الصمت سيشجع المخربين على تكرار جرائمهم باستهداف المتظاهرين والمعتصمين».

تفتيش دقيق
وتطلب الدخول إلى ساحة التحرير، أمس، عمليات تفتيش دقيقة من قبل لجان من المتظاهرين لمنع دخول أشخاص يثيرون المشاكل أو حاملي الأسلحة.
وقال المتظاهر سالم مهدي، البالغ من العمر: «نحن صامدون ولن نترك ساحة التحرير ما لم تتحقق جميع مطالبنا بحل الحكومة والبرلمان وتعديل الدستور وتشكيل حكومة مؤقتة تمهد لإجراء انتخابات مبكرة لتصحيح مسار العملية السياسية».
وأضاف: «ليس أمام الحكومة الحالية والأطراف السياسية إلا الرحيل بشكل كامل بعد فشلهم في إدارة البلاد طوال السنوات الماضية». وقال المتظاهر أنس الربيعي، البالغ من العمر 28 عاماً: «الوقت انتهى وعلى الكتل السياسية مغادرة المكان وعليهم أن يتيقنوا أنه لا مجال لهم في حكم العراق مستقبلاً»، مضيفاً: «عليهم ألا يراهنوا على الوقت، فنحن صامدون في ساحة التحرير ولن نغادرها إلا بإصلاح العملية السياسية».
وقال: «المستقلون هم من سيقودون العراق للمرحلة المقبلة ولا مكان للأحزاب والتيارات الدينية وغيرها التي جثمت على صدورنا خلال السنوات الماضية وأنتجوا حكومات فاسدة استنزفت أموال العراق وأشاعت الرعب والطائفية».
كما شهدت ساحات التظاهر في محافظات البصرة والنجف وكربلاء وبابل والناصرية والديوانية والمثنى وميسان وواسط مظاهرات مماثلة للتعبير عن مطالبهم.

اختطاف مصور
وفي هذه الأثناء، تعرض ناشطون في بغداد وأماكن أخرى بالفعل للتهديدات والخطف وحتى القتل فيما يقولون إنه محاولات لمنعهم من التظاهر.
واختطف المصور الشاب زيد الخفاجي أمام منزله بعد عودته من ساحة التحرير فجراً، بحسب ما قال أقرباؤه.
وأشاروا إلى أن أربعة أشخاص وضعوه في سيارة سوداء رباعية الدفع تحت أنظار والدته، واقتادوه إلى جهة مجهولة.

إدارة ترامب تعاقب قادة ميليشيات
قالت وزارة الخزانة الأميركية على موقعها الإلكتروني، إن الولايات المتحدة فرضت، أمس، عقوبات على 4 عراقيين بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان أو الفساد، وذلك بعدما انتقدت واشنطن قتل متظاهرين في احتجاجات ضد حكومة بغداد. واستهدفت العقوبات قيس الخزعلي زعيم ميليشيا عصائب أهل الحق وشقيقه ليث الخزعلي أحد زعماء الميليشيا أيضاً.
وشملت العقوبات حسين فالح اللامي مسؤول الأمن في قوات الحشد الشعبي، التي تضم فصائل مسلحة وتهيمن عليها أيضاً جماعات، منها «عصائب أهل الحق». وأكد ديفيد شينكر مساعد وزير الخارجية الأميركية للصحفيين، أن الولايات المتحدة تجهز عقوبات جديدة فيما يتصل بقتل المحتجين. وأضاف: «لم ننته بعد، فهذه عملية متواصلة».

قتيل ومصابان في انفجار عبوة ناسفة بكركوك
قتل شخص وأصيب آخران جراء انفجار عبوة ناسفة، أمس، في منطقة بنجا التابعة لمحافظة كركوك شمالي العراق، حسبما أفاد مصدر أمني محلي.
وأضاف المصدر: «أن قوة أمنية طوقت المكان، ونقلت المصابيْن إلى مستشفى قريب لتلقي العلاج، وجثمان القتيل إلى الطب العدلي»، مشيراً إلى أن العبوة الناسفة كانت موضوعة على جانب طريق رئيس في بنجا.

الاتحاد