رحبت الخارجية السعودية، أمس، بإعلان الولايات المتحدة والسودان تبادل السفراء بينهما بعد فراغ دبلوماسي استمر لأكثر من عقدين. وقالت الخارجية السعودية في بيان إن ذلك يعد تفهماً من الولايات المتحدة للمرحلة المهمة التي يمر بها السودان، والتي تتطلب تضافر الجهود بين البلدين، وبناء علاقات بناءة ومثمرة في جميع المجالات وعلى أعلى المستويات.
وأشارت الخارجية السعودية إلى أن ذلك يشكل دعماً للحكومة الانتقالية في السودان، ويسهم في مد جسور متينة من العلاقات، ويعد خطوة إلى الأمام، لاستعادة حيوية وقوة العلاقات بين البلدين، للدفع باجتياز السودان للمرحلة الحالية وإزالة اسم السودان من الدول الراعية للإرهاب ورفع كافة العقوبات الاقتصادية وإعادة بناء مؤسسات الدولة، والتعافي من الأزمة التي مر بها.
من جهتها، رحبت البحرين بإعلان واشنطن والخرطوم تبادل السفراء بينهما، مؤكدة أنها خطوة إيجابية ومهمة تعكس الرغبة المشتركة في تطوير العلاقات بين البلدين. وأكدت وزارة الخارجية البحرينية أن هذه الخطوة تعد دعماً مقدراً للحكومة الانتقالية في السودان ولجهودها الرامية لتعزيز الأمن والاستقرار. وأشارت إلى أن تبادل السفراء خطوة نحو رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وكافة العقوبات الاقتصادية بما سيسهم في تحقيق تطلعات الشعب السوداني الشقيق في التنمية والتقدم والرخاء.
وفي الوقت ذاته، تعهد الصادق المهدي، رئيس حزب الأمة السوداني وأحد أبرز قادة قوى الحرية والتغيير، بدعم الحكومة الانتقالية برئاسة الدكتور عبدالله حمدوك، والتصدي لأي مؤامرة ضدها، ودعا لمشروع «مارشال» عربي لدعم السودان.
وقال المهدي، خلال مخاطبة أنصاره في منطقة الجزيرة أبا بولاية النيل الأبيض في وسط السودان، إن الحكومة الانتقالية تواجه 4 تحديات هي السلام والاقتصاد ومعاش الناس والعلاقات الخارجية. وحث المهدي على الاهتمام بمعاش الناس لسد ثغرات الثورة المضادة، وشدد على دعمه للحكومة التي قال إنها جاءت نتيجة توافق القوى السياسية التي صنعت الثورة، والقوى العسكرية التي استجابت لتطلعات الشعب.
وناشد المهدي الدول العربية الوقوف مع السودان ودعمه دون استقطاب أو مصلحة، وقدم مقترحاً بمشروع «مارشال» عربي لتنمية وتطوير السودان، بدلاً من الاستثمار في الغرب. وأضاف: الأفضل الاستثمار في السودان، وتبني فكرة الاقتصاد بين شطري البحر الأحمر، معتبراً أن في شرق البحر توجد الأموال، وفي غرب البحر توجد الموارد والإمكانيات.
ودعا المهدي الأسرة الدولية إلى الاستثمار في استقرار السودان لأنه استقرار لجيرانه، وحذر من أن أي اضطراب في السودان سيكون له مضار على كل المنطقة، وطالب المجتمع الدولي بتطوير موقفه من السودان من مجرد صداقة، إلى دعم للتنمية والسلام فيه.
يأتي ذلك في وقت دعا فيه خبراء سياسيون وأمنيون مصريون إلى ضرورة دعم التغيير الذي حدث في السودان. وحذر الخبراء، خلال ندوة في كلية الدراسات الأفريقية العليا بجامعة القاهرة، من عواقب ترك السودان بمفرده في مواجهة تحديات هائلة، وأكدوا أن ذلك قد يفتح الباب لعودة النظام السابق مجدداً إلى الحكم بأشكال ومسميات جديدة. وقال الدكتور محمد نوفل، عميد كلية الدراسات الأفريقية، إن السودان يستحق الدعم في المرحلة الانتقالية الصعبة التي يمر بها.
ومن جانبه قال الخبير الأمني المصري اللواء محمد عبد المقصود إن التحدي الكبير أمام الحكومة الانتقالية في السودان هو تفكيك النظام السابق، وقال: إن السودان سيواجه صعوبات في توفير المواد الأساسية، وهو ما يلقي بعبء على الدول العربية لدعم الحكومة السودانية في هذا الأمر، وكذلك للسيطرة على المناطق المتوترة.
بدوره، حذر الخبير المصري الدكتور هاني رسلان رئيس وحدة حوض النيل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية من أن فلول النظام السابق يعملون من أجل إعادة سيطرتهم على السودان، من خلال السعي لتأسيس أحزاب جديدة تحت مسميات جديدة، بعد أن أصبحت مسمياتهم السابقة مرفوضة من قبل الشعب السوداني.
وأضاف رسلان: إن لدى هؤلاء الفلول أموالاً طائلة نهبوها من الشعب السوداني، خلافاً للقوى السودانية الأخرى التي ليس لديها نفس المقدرات ولا الخبرة التنظيمية التي اكتسبها الفلول مع شيوخ القبائل والأحزاب والطرق الصوفية. وقال رسلان: إن المرحلة الحالية في السودان دقيقة وحساسة، ومشكلة السودان كبيرة في الاقتصاد، وموروثة من النظام السابق، مشيراً إلى أن أنصار النظام السابق يعملون على إثارة القلاقل ووضع العصي في دواليب الحكومة الانتقالية.
وأضاف أن السودان بعد التغيير في مفترق طرق، ومفتوح على كل الاحتمالات، إما مرحلة انتقالية مستقرة، أو مشكلات ضخمة تواجه السودان.
وقال: إن انهياره سيؤدي إلى مشكلات لا حدود لها في الإقليم والعالم. وأكد رسلان أن الإقليم والعالم معني باستقرار السودان الذي يعاني أوضاعاً غير سهلة على الإطلاق، بسبب التحالف بين النظام السابق وفلوله وكل من قطر وتركيا والتنظيم العالمي للإخوان، وأكد أن على الداخل السوداني والقوى الإقليمية والعالم دوراً كبيراً.
إلى ذلك، قال الدكتور محمود أبو العنين أستاذ العلوم السياسية، إن هناك مخاوف من عودة الإسلاميين للحكم في السودان، مشيراً إلى الارتياح الذي ساد في دول الإقليم بعد سقوط حكم البشير. وأضاف أن هناك مخاوف من حدوث انتكاسة بعد القرارات الأخيرة بعزل حزب المؤتمر الوطني وإزالة نظام التمكين، وأنه لابد من التعامل مع الوضع الحالي بحذر، لأن عناصر النظام السابق مازالت متغلغلة في كل مفاصل الدولة، وتهدد باللجوء للفوضي.
ومن جانبه، قال فايزالسليك، الكاتب والمحلل السياسي السوداني، إن السودان عانى من حكم نظام شمولي قابض، مارست فيه العصبة الإسلامية الحاكمة النهب والفساد المنظم، واستضافت الحركات المتطرفة والإرهابية، وحكمت السودان بأساليب غير علمية، مما نتج عنه انهيار لكل البنى التحتية.
ووصف السليك النظام السابق بأنه كان نظاماً طفيلياً غير منتج، وخلف وضعاً شائهاً وشائكاً في السودان، حيث وصل السودان بعد 30 عاماً من حكمه إلى طريق مسدود، لا يستطيع السودان التعامل مع المؤسسات الدولية بسبب وضعه في قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وأضاف السليك أن وضع السودان الحالي يعاني من الهشاشة بسبب المشكلات السياسية والاقتصادية، ووجود بقايا الجيوب الإخوانية، فضلاً عن الجماعات المتطرفة، وميليشيات النظام السابق التي يجب العمل من أجل تفكيكها، ودعا السليك إلى دعم الحكومة الانتقالية حتى لا يتحول السودان إلى حاضنة للإرهاب ومصدر للاضطرابات في المنطقة.

الاتحاد