عند إحدى الجمعيات الخيرية في جرمانا، بالقرب من دمشق، تجمعت مجموعة من النسوة بانتظار الحصول على حصتهن الغذائية. وقفت السيدات الشابات بوجوه متعبة وحياة من دون سند ممتلئة بالأطفال الصغار.

إحدى السيدات القادمات من دير الزور (أقصى الشرق)، منذ قرابة خمس سنوات، قالت إنها أم لخمسة أولاد أحدهم عاجز يحتاج لمتابعة واعتناء، أما بقية أولادها فقد التحقوا بالمدرسة بعد انقطاع لبضع سنوات بسبب معارك دير الزور، وهم رغم صغر أعمارهم يعملون لتأمين أجرة الغرفة التي يسكنون فيها.

وتابعت السيدة الأربعينية تقول – وهي تحمل كيساً صغيراً يضم رغيفي خبز والقليل من اللبنة وبعض حبات من البرتقال، هي الحصة التي نالتها من البراد الخيري في جرمانا – بأن رحلة نزوحهم بدأت بالإقامة في إحدى دور الإيواء، حيث أمضوا ثلاث سنوت هناك، ورغم سوء الظروف المعيشية إلا أن أمورهم كانت جيدة إذ كانوا يحصلون على الطعام بشكل يومي، وكانوا غير مطالبين بدفع أي أجرة، لكن من حوالي السنة أغلق المركز وباتوا مضطرين للبحث عن مكان يأويهم.

في قبو

بسبب سوء وضعهم المادي استأجروا غرفة في قبو لأحد الأبنية لا تملك أياً من مواصفات المنزل، وفي فترات الأمطار ينغمر المطبخ بالماء بسبب تسربه من السقف، ولأن زوجها يعاني من مرض نفسي (انفصام في الشخصية) فهو غير قادر على تقديم أي مساعدة لهم، لهذا السبب عملت في تنظيف الأدراج، كما دفعت أولادها للشارع للعمل بجمع أكياس النايلون من الحاويات.

سيدة أخرى قالت إنها قادمة من ريف البوكمال، وإنها مقيمة في جرمانا مع ابنتها الوحيدة، وكرّرت خلال حديثها مرات عدة والدموع تغمر عينيها بأنها كانت ابنة عز، لكن زوجها تركها وسافر، كما خسرت ما كانت تملكه بسبب الحرب وبقيت مشردة وحيدة تعيل ابنتها الصغيرة ذات السنوات السبع بلا أي مصدر دخل يعينهم أو مهنة تتقنها.

ولم تكن حال السيدة صبحة أفضل، فهي نازحة من ريف حلب مع سبعة أبناء، أكبرهم في السادسة عشر عاماً، ويقيمون من دون زوجها في منزل بسيط، وأوضحت بأنهم لا يعرفون طعم الدفء في الشتاء فالمنزل مكشوف والأرض خشنة يضطرون لتغطيتها بالسجاد البالي وقطع الكرتون.

عاملة تنظيف

وعن سبب غياب زوجها أوضحت بأنه تزوج من امرأة أخرى وتركهم دون أن يسأل عنهم، وتمكنت هي من الحصول على وظيفة في أحد النوادي الرياضية كعاملة تنظيف من أجل تأمين بعض الدخل لعائلتها.

قررنا زيارة إحدى الأسر التي وصلت منذ فترة قصيرة إلى جرمانا، وعلمنا أن ظروفهم المعيشية في غاية السوء، لكن الواقع كان أسوأ مما تخيلنا، فالبيت الموجود ببناء غير مكتمل، وهو عبارة عن غرفة فيها ما يشبه المطبخ، بالإضافة لغرفة أخرى غير مكسية أيضاً، ولا يملك أطفال البيت أية وسيلة إضاءة سوى ضوء صغير، وتجمع أطفالاً من أعمار مختلفة مازالوا يرتدون ملابس صيفية رغم برودة الجو، وجميعهم ينتظرون طنجرة صغيرة وضعت على سخانة كهربائية هي وجبة المساء.

حدثتنا السيدة الموجودة في البيت بأنهم نزحوا من ريف دير الزور وأقاموا بداية في خيمة هناك لحوالي السنتين، ثم جاؤوا إلى دمشق واستقروا في إحدى الحدائق، حيث أقاموا شهراً ونصف الشهر، ومن ثم انتقلوا إلى جرمانا للسكن في هذا البيت البائس.

البيان