تستدعي لوحات وتنصيبات الفنان المغربي يوسف وهبون، المعروضة حالياً في رواق المعهد الثقافي الفرنسي بالرباط، ذلك الإنسان المعاصر التائه والمتشظي والقلق في عالم سريع التحول والدوران، تعرّيه وتضعه أمام إشكالية الواقع القاسية التي تصدمه مُحولة إياه إلى ذلك الكائن الضعيف والهش الذي يواجه مطبات الحياة ومشاعر الاغتراب والوحشية القاسية، في مدينة مُسيَّجة بالأسلاك أو تحرسها الجدران والبيوت الإسمنتية الخالية من روح الطبيعة وجمالها وبراءتها التي رافقت الإنسان منذ أقدم العصور ومنحته السكينة والحب.
يشتغل الفنان يوسف وهبون في لوحاته، التي كرسها كلها تقريباً، للإنسان المعاصر، مُتوقفاً عنده لينقل للمتلقّي ما يعيشه هذا الأخير من قلق وغربة واضطراب وأزمات نفسية جراء الحروب والصراعات والضغط اليومي. إنسان قلّما يشعر بإنسانيته وآدميته أمام أهوال تحاصر الإنسان العربي في عصرنا الراهن، عصر الإنهيارات الكبرى والمشاكل التى أفرزتها المدينة الحديثة رغم ما فيها من إيجابيات.
لقد نجح الفنان والشاعر المغربي يوسف وهبون إلى حد ما، في معرضه هذا في التعبير عن ما في قلبه من ألم وحسرة عبر لوحات تتميز بقوة ألوانها الصارخة. كما نجح في وضع المتلقي أمام مرتكزات جمالية وفيض لوني، مستخدماً مفردات فنية دقيقة ليقدم رؤيته الجمالية، ساكباً مضامين فكرته الأساسية (الإنسان الحائر) بأشكال وكتل جمالية لتخرج اللوحة وفق رؤية المبدع يوسف وهبون بأسلوب واقعي، لكن واقعية هذا الفنان هي واقعية تتحقق فقط من خلال ملامح الشخوص التي أبدع في صياغتها بشكل غير مسبوق في اللوحة المغربية والعربية.
فقوة العمل التشكيلي، لدى الفنان يوسف وهبون، تتجسد في تلك الملامح التي يحملها ذلك الإنسان المجسد في لوحاته والتي يوظف فيها قوة الألوان والخدوش والكتل لتدفع المتلقي إلى طرح تساؤلات عن الواقع المعيش، لوحات تعبر عن صرخة الإنسان المعاصر المحاصر بالكوارث والحروب والأزمات. كما نجح الفنان والشاعر يوسف وهبون في إيصال صرخته وربما نصوصه الشعرية والتعبير عن ما يختلج في أعماقه بتلك القوة اللونية والتعبير التي تحدث هزة ونشوة لدى المتلقي وكأن الفنان وضع مرايا كبيرة، بدل اللوحات ليرى من خلالها الزائر نفسه يكتشف ضعفه وهشاشته. كما أن اللوحات بمختلف أحجامها، نجحت إلى حد ما في رسم وجوه وعيون إنسان يسبح في الحزن وغارق في الخيبات.
الاتحاد