يجسد فن العمارة في كل مكان وزمان، الصيغة الوراثية التي تعطي للمناطق الحضرية هويتها المتفردة بين الشعوب والأمم، بيد أن هذه الهوية وعلى مستوى العالم، تتعرض لمخاطر الاندثار والزوال النهائي، وذلك تحت وطأة التوسع السريع للمدن التي يتم بناؤها، وفق أحدث المواصفات شكلاً وموضوعاً.
هكذا قدمت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة، للكتاب الصادر حديثاً عن الوزارة، تحت عنوان: «استكشاف أماكن التعايش في الإمارات»، وأوضحت معاليها أن القيادة الرشيدة في الإمارات منذ قيام الدولة، أبدت اهتماماً كبيراً بالمباني والمنازل والحصون والقلاع، وغيرها من المنشآت الأثرية المنتشرة في طول البلاد وعرضها، وهي المباني التي قدمت لنا وتقدم تصورات واقعية ملموسة عن شكل مجتمعنا وأسلوب حياة الناس، وتداخلاتنا منذ القدم مع الحضارات المجاورة لنا، والبعيدة عنا، وكيف كانت، وكيف أصبحت تعاملات مجتمعنا مع زواره القادمين من خارجه، وكيف ترسخت ثقافة العيش المشترك التي أوجدها موقعنا الجغرافي بين قارات العالم، باعتباره ملتقى حيوياً لطرق التجارة العالمية، وذلك إذا ما أخذنا بعين الاعتبار موقعنا الجغرافي على مسار طريق الحرير الجغرافي، وكذلك مكانة المنطقة حالياً كوجهة عالمية لتلاقي الثقافات والإبداعات، ومن بينها العمارة التي شهدت حديثاً إبداعات وتصاميم، شكلت علامات فارقة في تاريخ العمارة الحديث والمعاصر، وقد كان لتلك الطفرة المعمارية أثرها الواضح والملموس في سرد فصل جديد لحكاية مساحات التعايش في دولة الإمارات، وذلك من خلال المساحات الدينية والمراكز الثقافية والترفيهية التي رحبت بالجميع كفضاءات للحوار، وفي ذات الوقت شكلت ملتقيات لتطوير وتعزيز العلاقات الاجتماعية الإيجابية، التي تسهم في توطيد أواصر النسيج والترابط المجتمعي».
ومما يجدر ذكره، أن هذا الكتاب يأتي كإحدى ثمار مشروع «العمارة في الإمارات» الذي يستكمل رؤية القيادة الحكيمة في الدولة تجاه تراث الدولة المادي وغير المادي لتوثيق التراث المعماري، وتسليط الضوء على فن المعمار وجماليات التصميم.
جاء الكتاب في 472 صفحة، تدعمها الصور المعبرة عن ثيمة التعايش الذي عرفته الإمارات منذ القدم، والذي يبرز في الأماكن القديمة والحديثة، في مسعى لتسليط الضوء على حكاية كل مبنى وتحليل طبيعته المعمارية، بغرض إشراك القارئ في مناقشة فكرية، تركز على العمارة في ظل التعايش، ومن خلال دراسة بعض المنشآت من منظور معماري وحضري، تظهر هذه المباني رسوخ ثقافة القبول بالآخر في المجتمع الإماراتي، وعراقتها، كما تؤكد المواقع البارزة التي تضمنها الكتاب بأن ما يكمن وراء هذه الأماكن من الدلالات والمعطيات السوسيولوجية والثقافية، يتجاوز بكثير نطاق الأفكار الشائعة عن الروحانية ليتسع لمفاهيم مثل التجمع، والتآلف، والمشاركة بل وحتى مجرد المشاهدة، لكن أبرز ما تؤكد عليه هذه الأماكن، قديمها وجديدها، هو رؤى القيادة الحكيمة المستقبلية، فهذه المنشآت تمثل أفضل طريقة لجمع مختلف الثقافات والأمم والأديان معاً، مما يسهم في إثراء بعضها بعضاً، ويضيف قيماً للمجتمع الإماراتي ككل، وتؤدي هذه المنشآت دوراً هاماً في تنمية المجتمع على المستوى الكلي، وتؤثر في الوقت نفسه على نوعية الحياة التي يعيشها الناس على المستوى الجزئي سواء ثقافياً أو روحياً.
إن هذا الكتاب المهم، بالإضافة إلى كونه قراءة معمارية في الأماكن الدينية في الإمارات، هو سياحة ثقافية تقدم للقارئ معلومات مهمة حول هذه الأماكن، وتعكس صورة شاملة عن طبيعة التعايش التي تتميز بها الإمارات، وجذورها الراسخة في المجتمع، ومن هذه الأماكن: معبد إله الشمس في منطقة الدور، مسجد الزهراء، مسجد المهندي، نادي جمهورية مصر العربية، مسجد البطيح، مسجد عتيق بن راشد، كاتدرائية القديس يوسف، نادي العين للفروسية والجولف، مسجد الحمراني، متحف الشارقة العلمي، مسجد الشيخ سعود القاسمي، مسجد الشيخ حمدان بن محمد آل نهيان، نادي ظبيان للفروسية، كنيسة القديس فيليب الرسول الأرثوذكسية، مكتبة الباهية، كنيسة القديس دينوسيوس الأرثوذكسية، الكنيسة المرمونية، كاتدرائية السيدة العذراء مريم ورئيس الملائكة ميخائيل، كنيسة القديس بولوس، مسجد محمد بن سالم القاسمي، مسجد عمر بن حيدر، مصنع الثلج، مسجد الشيخ راشد بن سعيد، مصلى العيد، ملعب الشارقة للكريكيت، كاتدرائية القديس جورج الأرثوذكسية، مكتبة خورفكان العامة، مسجد محمد بن مدية، مكتبة حتا العامة، كنيسة سيدة المعونة الدائمة، المركز الهندي الاجتماعي الثقافي، المصلى الحديدي، معبد الشيخ جورو ناناك داربار، كنيسة رأس الخيمة الإنجيلية، مسجد مريم بنت محمد علي، مسجد سوق الجمعة، «مسجد السلام»، كنيسة القديس يوحنا المعمدان الكاثوليكية.
الاتحاد