من فوق الأسلاك الشائكة، ومن بين الضلوع المقيّدة، يحطم الفلسطينيون جدران السجن ويحرّرون أرواحهم من قيود المؤبد.

يشعلون ثورة في الحب والإرادة، مبشرين بميلاد حياة أخرى من حياة معدومة، وجدت لقتل الحب، مثلما حطمت ميلاد الطفلة الرضيعة قيود والدها الذي ظل محروماً من حلمه بالأبوة 21 عاماً.

في العاشر من أغسطس لعام 1999 تم عقد قران الأسير وليد دقة من بلدة باقة الغربية في الداخل الفلسطيني المحتل والصحافية سناء سلامة من مدينة الناصرة المحتلة، داخل سجن عسقلان.

تستذكر سناء كيف كان ذلك اليوم استثنائياً إذ كان الأول من نوعه في تاريخ الحركة الأسيرة، حضر المأذون والأهل، وبعض الأسرى، وكان الأسير الراحل أحمد جبارة (أبوالسكر)، الذي كان أقدم أسير فلسطيني آنذاك، شاهداً على عقد القران، «القرار لم يكن سهلاً، فبالرغم من أن وليد محكوم بالمؤبد كنت على قناعة بأنني قادرة على صناعة مستقبل معه تحت أحلك الظروف»، تقول سناء في حديث لصحيفة «البيان».

حرمان

ظل وليد يكتب لطفله الذي لطالما حلم بوجوده حتى بات حلمه يرهب العدو الإسرائيلي، مثلما أرهبهم في عام 1986 بعد أن نفذ ورفاقه إبراهيم بيادسه ورشدي أبومخ عملية خطف وقتل للجندي الإسرائيلي موشي تمام، اعتقل على أثرها وحكم عليه بالسجن 37 عاماً.

وناضل مع زوجته سنوات عديدة من أجل تحقيق حلمهما بإنجاب ميلاد فرغم وجود نظام في السجون الإسرائيلية يتيح للسجناء الإسرائيليين الاختلاء بزوجاتهم، فإن إدارة السجون حرمت سناء ووليد من حق «الخلوة الشرعية»، رغم أنهما يحملان الجنسية الإسرائيلية لاعتبارات أمنية.

لم يرضخ الزوجان لعنجهية وظلم الاحتلال، وحاولا بكل الطرق تحقيق حلمهما، فبعد خمس محاولات للإنجاب لم يكتب لها النجاح، بسبب التضييق على وليد في سجنه ومعاقبته بعزله في زنازين انفرادية والتحقيق مع زوجته وحرمانها من زيارته، تمكن وليد (59 عاماً) من تهريب بعض النطف لتخصيب زوجته سناء (54 عاماً).

بعد معركة قضائية خاضتها سناء مع محاكم الاحتلال استمرت 12 عاماً للسماح لها بالخلوة الشرعية بزوجها، تحقق الحلم وثبت الحمل، وانتشر خبر انتصار الحب والإرادة على قيود المحتل.

ومع أول صرخة ميلاد، صدحت في الثالث من فبراير الجاري أهازيج الفرح والزغاريد احتفاء بقدوم ميلاد وليد دقة التي كتب لها والدها رسالة قبل أن تولد بتسع سنوات قال فيها: «عزيزي/‏عزيزتي ميلاد أنت أجمل تهريب لذاكرتي».

البيان