لم يعد سؤال (لماذا نقرأ) هو السؤال الجوهري الذي يشغل جيل الشباب المثقف اليوم، وهو المؤمن بها ضرورة وجودية لا غنى عنها كالهواء والماء، تستعيد معها الذات وعيها بذاتها كوجود وهوية وإدراك، تشكل بفعلها التواصلي أُسس العقل المستنير القادر على إنتاج سؤال المعنى واستحضار حقيقة العالم بحواس البصيرة العالمة، خاصة مع انتشار ثقافة السوشيال ميديا، واستطالة أدواتها واتساع فضاءاتها في التعبير والتواصل والكتابة، مع ما قد تحمله من ثقافة الخوف والإغراء وفوضى التأويل والخرافات والمعلومات المغلوطة، التي تزداد خاصة في وقت الأزمات الإنسانية الحرجة، كما هو حالنا اليوم مع ما يعيشه العالم مع ضيفنا الغازي الجديد عالمياً «فيروس كورونا».. مستفيدة في فوضويتها التأثير معنوياً وإثارة البلبلة والشك في الروح الإنسانية القلقة أصلاً من التطورات المتسارعة التي تصيب أبسط مفاهيمه الوجودية.
وانطلاقاً من الظرف الإنساني الحرج عالمياً ومع ما يصاحبه من ظاهرة انتشار الشائعات والمعلومات الخاطئة كالنار في الهشيم وعلى وسائل التواصل الاجتماعي تطرح صحيفة (الاتحاد) على عينة من الشباب القارئ السؤال التالي:
لماذا نقرأ في زمن الأزمات الحرجة؟ وأي دور تلعبه القراءة المعرفية في تنمية حواس السؤال وإعمال العقل والبحث والاستقصاء، وتقوية النفس وتحصينها بالقوة والثقة في زمن الكوارث والأزمات. فكانت الردود التالية:
يقول الشاعر ناصر بكر الزعابي: خُلقت المعرفة كي تحصن عقل الإنسان من المخاوف والهواجس والخرافات، ولولا المعرفة التي تقوم على قنطرة القراءة لما تطورت البشرية ولما تحرر الإنسان من الكثير من المعتقدات البالية والخرافات التي عاشها عبر التاريخ، فأنا أقرأ حتى أتنفس مذاق المعنى وحتى أغذي عقلي وروحي بعبق الحكمة، وألجأ إلى الكتاب عند كل حيرة وقلق وخوف، فهي بالخلاصات البشرية التي تفتحها أمام عقلي تنير حواسي وتهدأ خواطري في اضطرابها مع الفرح والقلق، وأجد أن القراءة سلاحنا الأمضى كشباب في كل الظروف، خاصة مع هذه الأوقات الحرجة التي تشهدها الإنسانية اليوم مع انتشار وباء كورونا وما يلاحقها من تضخيم وأفكار مغلوطة من كل حد وصوب. لذلك أنصح جيلي بالثقة بتوجيهات الدولة، والعودة دائماً إلى المعلومة من مصادرها الرسمية، إلى جانب التسلح بقوة مع الكتاب والقراءة فهي الإمتاع والمؤانسة بهذه الظروف وكل الظروف.
زمن الأزمات
من جانبه يقول د. عمر عبد الرحمن الحمادي، كاتب وطبيب: في زمن الأزمات الإنسانية الحرجة وما ينتج عنها من قلق وتوتر واضطراب، خاصة مع فورة المعلومات وتناقضها وتدفقها من كل حد وصوب، يتجلى ويتكشف وعي الإنسان المجتمعي في كل أبعاده الثقافية والسلوكية والفكرية والحضارية، من هنا أيضاً تتجلى ثقافة الإنسان وعمقها لأن من امتهن القراءة ثقافة وسلوكا ومنهجا في التحليل والتركيب سيكون حتما في منأى عن كل هذه العوارض القلقة، التي تبثها المعلومات على وسائل التواصل الاجتماعي، وسيكون قادرا بيسر وهدوء على فرز الغث والسمين فالقراءة المعرفية تزداد أهميتها في مثل هذه الظروف لتغذية العقل، وتقوية حواس التحليل والكشف والاستنارة، وبث الحكمة والنور والطمأنينة في نفس الإنسان، كما أننا من خلال القراءة نستطيع استشراف القادم بكل هدوء وثقة. وأنصح في هذه الظروف باللجوء إلى الكتاب وإلى مصادر المعلومة، الرسمية والعلمية والفكرية، لتقوية النفس، وتسليحها بحكمة المعرفة ونورها وإسعادها في مواجهة كل مستجد طارئ أو ساكن.
بوصلة الإنسان
يقول الكاتب محسن سليمان: القراءة متعة لا يعرفها إلا الذي أوجد لنفسه مكاناً بين الكتب مع شيء من العزيمة والمثابرة وشغف البحث والفضول، حينها تصبح القراءة عادة يلجأ إليها من اعتاد عليها في كل الظروف.. ولاشك القراءة في زمن الأزمات والحوادث الحرجة تنمي فينا الجانب المعرفي، ونصبح أكثر خبرة واستنارة في التعامل مع ما يواجهنا سواء كمعلومات مغلوطة أو كأحداث، فهي مثل البوصلة التي لا غنى عنها في وقت الخوف والضباب والحيرة، تنمي الحواس وتقوي العزيمة.
أما الشاعر أحمد علي المازمي فيقول: القراءة هي غذاء الإنسان عامة وغذاء المبدع خاصة وركيزة ينطلق من خلالها، لكنها لا تتجاوز كونها مادة أولية، في معمل «المبدع». دائماً ما أشعر برغبة ملحة للقراءة، بدافع الضرورة لا المتعة، بدونها أهوي، وأتوه في عالم تنكمش فيه المعرفة، ويسوده ضجيجٌ خانق. أتعاطى الكلمة، أحاول فك رموز الأسطورة، أتأمل نرجسية الشعراء، أتتبع خيوط التاريخ، أشعر بأني أتجول في أزمنة مختلفة، وأخوض تجارب، ما فوق، فوق المادة.. أفضل أن أكون انتقائياً في القراءة، متبعاً حدسي، وأسئلة الوجود الصارخة. والقراءة في زمن الأزمات تساعد على صناعة عقول قادرة على مواجهة تحديات اللحظة وما بعدها.
أكثر من حياة
غيث حسن الحوسني، مؤسس مبادرة موزاييك الثقافية، يقول: أتخذ من الكتاب وسيلة لأكون جديراً بالحياة، وقد تكون هذه الجملة مثار سخرية لدى الكثير من الناس، في زمن أضحت الماديات محور الحياة والمحدد لقيمتها، بينما عملية القراءة منزوية في ركن بعيد من مجتمعاتنا! رغم ذلك أؤمن بالقراءة وبدورها المحوري والأساسي في كل الأوقات، وخاصة في الأوقات القلقة والعصيبة التي نعيشها حاليا مع الضيف الجديد والمرعب «كورونا» الذي يثير رعب البشرية ويحرك هواجسها. وربما تكون هذه الظروف فرصة لمن لا يملك وقتا للاختلاء بنفسه، للتأمل والقراءة لتنوير حواس الروح بقوة المعرفة والتخفيف عنها من ثقل وسائل الإعلام الإخبارية التي لا تحمل إلا ثقافة الرعب، وإذا تسلحنا المعرفة بالمعنويات والعافية الفكرية من مصادر المعلومة الأساسية لن نكون فريسة سهلة للشائعات وفوضى المعلومات التي تستهدف بالأساس إثارة مخاوف الإنسان وتسليعه حتى في هذه الظروف الحرجة. فالقراءة تجعلك تعيش أكثر من حياة داخل حياة واحدة.
الاتحاد