يقدم الباحث الإماراتي الدكتور حمد محمد بن صراي، في كتابه «التدمريون في الآفاق الفسيحة.. رحلات التدمريين بين البوادي والموانئ والبحار العوالي»، الصادر عن دار نبطي للنشر، صورة تاريخية تعكس حياة مدينة تدمر في أوج حضارتها، والأحداث التاريخية التي جعلت من رحلات التدمريين إلى أقصى البلدان موضوعاً مهماً، يتناوله الدكتور ابن صراي في دراسه عميقة محققة وموثقة، تؤكدها مجموعة متنوعة من المصادر والمراجع الأجنبية والدوريات الأجنبية، التي أشار إليها الكتاب في صفحاته الأولى.
في مقدمة الكتاب، يوضح ابن صراي دوافع هذه الدراسة، وماهية الرؤية الاستراتيجية التي تنبثق منها، موضحاً صورة شاملة عن مدينة تدمر، التي تشغل حيّزاً كبيراً من التاريخ والآثار والتراث والأدب والفن، مضيفاً: سيظل شعبها العريق مثالاً رائعاً للصبر والبذل والأسفار والارتحال وتحمّل الأخطار، والانتقال عبر الدنيا الفسيحة.
والكتاب ليس تاريخاً وحسب، بل هو دراسة شاملة لأساليب الحياة لدى التدمريين بمختلف فصولها، وتعدد اتجاهاتها، والأسباب التي أضاعت على تدمر كل مكتسباتها التي تحصلت عليها قُبيل حكم أذينة، وما تلاه من سلطان زوجته الملكة زنوبيا، وهذه الدراسة تقدم دليلاً واضحاً على ما كان يتمتع به التدمريون من قدرة الانسياح في الدنيا الواسعة شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوباً، في وقت السلم والأمن والهدوء.
وعن أسباب وضع الكتاب، يُشير الكاتب إلى أنه يُريد من هذه الدراسة: التأكيد على أن التدمريين أثبتوا وجودهم في البر والبحر، وبالتالي ظهرت مهاراتهم في قيادة القوافل، وفي إرشاد السفن، والتأكيد على أن هذه المدينة تقدمت على غيرها من مدن الشرق، بفضل الأمن والسلام والانشغال بالتجارة عن الصراعات والحروب، ومعرفة أن الشعب التدمري عرف الارتحال والأسفار، باستعمال كل وسائل النقل المتاحة، بهدف الوصول إلى مواد التجارة ومنتجات الاقتصاد ومواد الاستهلاك، التي يقبل عليها الناس في الشرق والغرب، والتأكيد على أن النقوش والآثار هي من أعظم الدلائل على الوجود التدمري في العالم، وأخيراً تلمّس القدرة التدمرية على التجاوب الإيجابي مع المناطق التي رحلوا إليها أو تلك التي أقاموا بها.
من خلال هذا الكتاب وهذه الدراسة، يطّلع القراء على التوازن بين البر والبحر والنهر، وكيف ضبط التدمريون هذه الأمور في وقت واحد، وكيف تعاملوا مع وسائل النقل في كل منها، وليس هذا فحسب، بل أجادوا وأحسنوا فيها.
وقد قسّم الكاتب دراسته إلى عناوين فرعية، وابتعد عن تقسيمها إلى فصول وأبواب، لينقل القارئ من خلال كتابه «التدمريون في الآفاق الفسيحة»، بسلاسه وترابط من عنوانٍ إلى آخر، بالإضافة إلى الصور والخرائط التي ضمنها في طياته، كل هذا وغيره يجعل من هذا الكتاب كتاباً يستحق القراءة، والإبحار في معلوماته الغزيرة، من كل من يعشق القراءة في التاريخ بمعناه الواسع.

الاتحاد