قال باحثون ومتخصصون إن فن التهويدة، يمثل جزءاً مهماً من التراث الشفاهي الإنساني، فهو يعد انعكاساً للقيم والأوضاع الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية السائدة في المجتمع، داعين إلى الاهتمام بدراسة هذا النوع من التراث وجمعه وتوثيقه.
وأشارت الشاعرة والأكاديمية الجزائرية، زينب الأعوج، إلى أن التهويدة تمثل نوعاً من التراث الإنساني المشترك بين مختلف شعوب العالم، لكنها في الوقت نفسه ترتبط بالمجتمع وعاداته وتقاليده وثقافة الأم، لافتة – خلال الأمسية الافتراضية التي نظمتها «مؤسسة بحر الثقافة»، مساء أول من أمس، تحت عنوان «التهويدة فن أمهات العالم»، وأدارتها خديجة الحوسني، – إلى أن الكلام عن التهويدة يحيل الحديث إلى الأم والمرأة عموماً، فهي تعكس العلاقة العميقة والحميمة بين الأم أو الجدة أو الخالة أو العمة، تلك العلاقة التي تمنحه الطمأنينة والراحة النفسية، انطلاقاً من حضن الأم الذي يهيئ الطفل لمواجهة الحياة في ما بعد، مشيرة إلى ارتباط الهدهدة بطقوس وحركة جسدية تقوم بها الأم لتحتضن طفلها، ويصبح «حِجرها» مثل السفينة الصغيرة، تتبعها حركة كأنها تعلن للطفل أنه ليس وحده، وأنها معه لتحميه.
وقالت الأعوج إن الموضوعات التي تتناولها التهويدة ترتبط بثقافة الأم ومعتقداتها والمحيط الذي تعيش به، مثل التهويدات التي تتناول مشاعر المرأة التي لم تنجب سوى بنات، أو المرأة العاقر، كما ترتبط بالواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي للمجتمع، فعلي سبيل المثال ترتبط التهويدة في الجزائر بالطبيعة وبالمواسم، مثل موسم الجفاف، فتتضمن دعاء بالمطر، كما تعكس الأوضاع السياسية، فيتضمن كثير منها إشارات لمعاناة الجزائر من الاستعمار، فيتحدث البعض عن الشهداء.
تراث عالمي ومحلي
في حين استهل الفنان السوداني، أحمد بشير، الذي قدم أكثر من 40 أغنية للطفل، مداخلته بتقديم نموذج من التهويدة السودانية، لافتاً إلى ارتباط التهويدة بصوت الجدة، أو «الحنونة» كما يطلق عليها في السودان، أما موضوعات التهويدة فتنبع من البيئة، مثل تمنيات الأم لطفلها بأن يكبر ويعمل في مهنة مرموقة، مثل الطب أو الهندسة، ولو في بيئة زراعية تتمنى له امتلاك مزرعة كبيرة أو إدارة أملاك العائلة.
الأم.. الفنانة الأزلية
ودعت الفنانة السودانية، عبير علي، إلى اهتمام المؤسسات الثقافية في العالم العربي بالتراث بمختلف أشكاله، وربطه بالثقافة باعتباره العقل الباطن للأمم، ووسيلة لتعزيز ثقافتها وتقديرها لذاتها، خصوصاً في ظل تراجع ارتباط الأجيال الجديدة بلغتها الأم وتراثها».
وأوضحت علي أن التهويدة تثبت أن الأم هي الفنانة الأزلية في العالم، لافتة إلى أن ترنيمة الطفل، حتى عام من عمره، تكون مثل الهمهمة من دون كلام، وعندما يصبح عمره سنة ونصف السنة أو سنتين، تقوم الأم بحركات خفيفة على ظهر الطفل، مع غناء تهويدة تركز فيها على ما يعزز قيم المجتمع، مثل العمل والكرم والشجاعة والفروسية.
تاريخ الحكايا
في حين تناولت مدربة الحكي والراوية، سيما واهي، مخرجي من الهند، في مداخلتها بداية ظهور الحكايا منذ قديم الزمن، وكيف استخدمتها الأم لتخويف الأطفال وإقناعهم بتنفيذ ما تطلبه منهم، وعندما أدركت الأمهات قوة هذه الحكايات التي تقصها على الأطفال، بدأت تتناقلها من جيل لآخر.
الإمارات اليوم