تصدّر موضوع الصحة النفسيّة التّحدّيات والاضطرابات التي أحدثتها جائحة كوفيد 19، فمنذ انتشار المرض في مختلف مناطق العالم، كان التحدي الأكبر أمام الدول إيجاد الحلول النفسية لتخطي آثار الجائحة اجتماعياً واقتصادياً وصحياً، كما أعلنت عنه منظمة الصحة العالمية في اجتماع في أثينا مع وزراء الصحة على مستوى العالم.
وكان للتوتر والقلق من مواجهة الجائحة العالميّة، وعمليات الإغلاق، والعمل والتعليم عن بُعد، والخوف من العدوى، والركود الاقتصاديّ، وغير ذلك الكثير، عواقب وخيمة على الصحة النفسيّة للناس في جميع أنحاء العالم.
فالجائحة تسببت أيضاً بتعطيل أو إيقاف خدمات الصحة النفسية الحرجة في %93 من البلدان في جميع أنحاء العالم، بينما يتزايد الطلب على الصحة النفسية وفقاً لمسح جديد لمنظمة الصحة العالمية.
ويعتبر نموذج الإمارات، في إدارة أزمة مواجهة الجائحة من كافة الجوانب مثالياً، بحيث لعبت في سياق ذلك الجهات الاتحادية والمحلية والخاصة وأيضاً المجتمع المدني والأفراد، دوراً رائداً في إطلاق المبادرات وضمان الوصول إلى خدمات الصحة النفسية استجابة للحاجة المتزايدة لخدمات الصحة النفسية والدعم النفسي الاجتماعي بين المستجيبين والمجتمع ككل وسط تفشي فيروس كوفيد 19، وشكّل تقديم الدعم النفسي لأفراد المجتمع جزءاً مهماً من الجهود المتكاملة للمواجهة المحتملة والمستقبلية، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر نماذج لتلك المبادرات، وهي كالتالي:
على المستوى الاتحادي: أطلقت وزارة الصحة ووقاية المجتمع الإماراتية الخط الساخن لتقديم الاستشارات النفسية والدعم النفسي لحالات القلق والتوتر المصاحبة لأزمة «كوفيد 19»، بحيث يمكن لأي شخص التحدث مع المختصين في المجال النفسي بشكل يومي أو إرسال بريد إلكتروني إلى مستشفى الأمل. هذا فضلاً عن خدماتها ضمن برنامجها الوطني للصحة النفسية الذي يتضمن حلولاً عملية ورقمية للمساعدة النفسية.
حزمة
وأطلقت «وزارة تنمية المجتمع» حزمة مبادرات تنموية مجتمعية مستدامة من شأنها دعم الصحة النفسية لدى مختلف فئات المجتمع وبشكل مستدام، وتوجيهها لمختلف الفئات لاسيما الأسرة وكبار المواطنين وأصحاب الهمم إلى جانب الفئات التي تأثرت بظروف جائحة كورونا ومنها مبادرتا «خط الدعم النفسي» و«تآلف».
كما أطلق البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة خلال فترة الحجر المنزلي تحت مظلة الحملة الوطنية «الإمارات تتطوع» ومنصة «متطوعين. إمارات» في وزارة تنمية المجتمع حملة وطنية للدعم النفسي لأفراد المجتمع من خلال مبادرة «لا تشلون هم» بالتعاون مع أكثر من 50 من الخبراء والأخصائيين النفسيين لمساعدة أفراد المجتمع في التغلب على الأثر النفسي الناتج عن التحدي المرتبط بالفيروس، وحققت الحملة أكثر من مليون تفاعل وأكثر من 2.5 مليون مشاهدة داخل الدولة وفي 30 دولة مختلفة حول العالم.
بدورها، أعلنت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية برنامج المساندة والدعم النفسي والمعنوي «حياة» الذي يهدف إلى مساعدة موظفي الحكومة الاتحادية في التعامل مع الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا المستجد وما يترتب عليها من ضغوطات وتحديات نفسية واجتماعية.
دعم مناسب
وكان لمراكز العمليات في مراكز الشرطة على مستوى الدولة دور بارز في تقديم الدعم النفسي المناسب عبر التجاوب وإحالة الحالات المتأثرة من الجانب النفسي والاجتماعي إلى الجهات المختصة.
وعلى المستوى المحلي ففي دبي تم تدشين حملة «لنصلها#- ReacHer#» ضمن (مبادرة المنال الإنسانية) بهدف تقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمرأة والحفاظ على صحتها وتمكينها من القيام بدورها الأسري والاجتماعي والاقتصادي، عبر جلسات ملهمة في المهارات الشخصية والتنمية الذاتية عن بعد، وإطلاق مركز اتصال لتلقي الاستفسارات وتم ذلك بالشراكة مع سلطة مدينة دبي الطبية.
كما أعلنت جمارك دبي عن برنامجها النفسي والمعنوي لموظفيها «توازن» بحيث يتيح البرنامج تقديم الاستشارات والدعم في مجال الصحة النفسية والمعنوية.
وأيضاً أطلقت هيئة المعرفة والتنمية البشرية في دبي، مبادرة لتعزيز سلامة الطلبة في المدارس الخاصة بالإمارة، وضمان جودة حياتهم النفسية، خلال العام الدراسي الجاري، وتستهدف المبادرة التوعية المباشرة للطلبة وذويهم، من خلال منصات الهيئة في الأسواق العامة. وإلى جانب جلسات وقائية لما بعد الكورونا في شرطة دبي، وجلسات تعريفية بالصحة النفسية في «دبي للثقافة».
وفي أبوظبي قدمت دائرة تنمية المجتمع مع شركائها بالقطاع الاجتماعي في الإمارة، حزمة من المبادرات والخدمات المستمرة لتفادي الآثار السلبية للجائحة منها على سبيل المثال لا الحصر: دراسات وأبحاث وإطلاق حملات استهدفت فئات كبار المواطنين والمجتمع وأيضاً فئات الأطفال والعمال وأصحاب الهمم وأسرهم.
كما وقعت مؤسسة الإمارات وشركة «بي بي» بأبوظبي اتفاقية لدعم مبادرة «خط الدعم النفسي»، لتعزيز الصحة النفسية للعاملين في الخطوط الأمامية.
كما تم تدشين برنامج الشيخة فاطمة للتطوع، أول برنامج لإعداد قادة من المدربين المتطوعين في مجال الإسعافات الأولية النفسية لدعم صفوف الخطوط الأمامية وكذلك أفراد المجتمع، وتعد المبادرة الأولى من نوعها على مستوى الدولة.
وفي عجمان: أطلقت دائرة الموارد البشرية برنامج تعزيز الصحة النفسية لموظفي حكومة عجمان «30 دقيقة». كما تنوعت نماذج المبادرات النفسية في الجهات المحلية بإمارات الدولة لدعم الموظفين والأشخاص الآخرين.
كما قدمت مبادرات العيادات الافتراضية والمنصات الإلكترونية الطبية أو خطوط الدعم النفسي في جمعيات الصحة العامة والنفسية وأيضاً الاجتماعية الاستشارات المناسبة وفقاً للاحتياج المطلوب، مع تقديم إحالة الحالات التي تحتاج إلى مساعدة طبية نفسية إلى جهات الاختصاص.
مبادرات
وقامت بعض المؤسسات والجمعيات الخيرية بمبادرات أخرى لتوزيع المواد الغذائية للمحتاجين وخصوصاً المتأثرين بجائحة كورونا من الأفراد من المواطنين والمقيمين على حد السواء .
وكما قامت أسر وعوائل إماراتية ومقيمة في إطار مسؤوليتها المجتمعية بتقديم الاحتياجات العينية والمادية لمن يحتاجها في ظل التأثير المجتمعي العام، ونجد أيضاً إطلاق مبادرات فردية خاصة افتراضية لتقديم يد المساعدة لمن يحتاجها، منها حلقات دراسية افتراضية حول السلوك المعرفي لصالح البرنامج الوطني للسعادة وجودة الحياة، بهدف تشجيع المزيد من الأفراد على التحدث علناً عن الصحة النفسية.
كما نظم كريس هايل، وهو أب بريطاني يبلغ من العمر 53 عاماً ومقيم في دبي، حملة لتقديم خدمات دعم الصحة النفسية لمن يعانون من أزمات نظراً لمعاناته السابقة والطويلة من الاكتئاب إلا أنه بعد حصوله على الدعم النفسي اللازم، شارك هايل روايته عن ما يعانيه عبر وسائل التواصل الاجتماعي وذلك باستخدام هاشتاغ #justreachout.
عناصر استراتيجية الإمارات في إدارة تداعيات الجائحة
1 صياغة استراتيجية دولة الإمارات لما بعد كوفيد 19، والتي تركز على تعزيز جاهزية القطاعات الحكومية كافة واشتملت الاستراتيجية على 6 قطاعات رئيسية أهمها: الصحة العامة بمنظورها الشامل.
2 تقديم مبادرات وحملات وبالأخص المقيمين باعتبارهم جزءاً أساسياً من المجتمع
3 تخفيف الآثار الاقتصادية على واقع الحياة الطبيعية، والتي بدورها تساهم في تكامل نفسي عالٍ.
4 تدابير وقائية: ضمان الحياة الطبيعية اليومية مع أخذ الاحترازات الوقائية ووضع ضمانات نفسية داعمة تخفف على المجتمع التداعيات.
5 زيادة الاستثمار في الصحة النفسية على جميع المستويات من الأفراد إلى الشركات إلى المجتمع المدني لسد الفجوات المتعلقة بهذا الجانب.
6 زيادة الأبحاث واللقاءات عن بعد من خلال متخصصين لدراسة التخفيف من الآثار السلبية على المجتمع.
البيان