يتصاعد الجدل في أوروبا حول قضية اللاجئين، التي بدأت تفرض نفسها بقوة على دول التكتل، في ظل تقارير تؤكد وتوثق انتهاكات وسوء معاملة يتعرض لها الآلاف في دول أوروبا الشرقية. وبينما بدأت سلطات دول عدة في شن حملات ضد مهربي البشر، اهتزت النمسا لفاجعة مقتل مهاجرين اختناقاً في شاحنة تهريب، في حادثة أعادت إلى الأذهان حوادث مأساوية جرت في الماضي القريب، ولم تسفر التحقيقات فيها عن شيء يذكر.

ويوم الجمعة، كثف زعماء الاتحاد الأوروبي جهودهم لتجاوز الخلافات حول منهج للتعامل مع المهاجرين، لكنهم اختلفوا حول أفضل السبل للمضي قدماً، مع إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين أنه لن يكون هناك تمويل من الاتحاد الأوروبي لأي خطط لإقامة «أسلاك شائكة وجدران»، كتلك التي حاول الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إقامتها على طول حدود الولايات المتحدة مع المكسيك.

تصدع التكتل

وبالرغم من أن الأعداد الإجمالية للمهاجرين منخفضة نسبة لعدد سكان التكتل البالغ حوالي 450 مليون نسمة، تُعدّ الهجرة واحداً من روافد الدعم للجماعات القومية والشعبوية بجميع أنحاء الاتحاد، الأمر الذي يجعل الوصول لحل وسط مهمة شاقة للأعضاء البالغ عددهم 27 دولة. وتطالب 12 دولة، بينها ليتوانيا والنمسا، بإقامة عوائق طبيعية، لكن فون دير لاين قالت في ختام قمة بروكسل التي جرى بحث المسألة خلالها «كنت في غاية الوضوح حول أن هناك منذ زمن طويل موقفاً مشتركاً للمفوضية والبرلمان الأوروبي حول عدم تخصيص تمويل لأسلاك شائكة وجدران»، في حين حذر مستشار النمسا الجديد، ألكسندر شالنبرغ، من تزايد ضغوط الهجرة التي لم تهدأ، مضيفاً أن تعزيز الحدود الخارجية للاتحاد ضرورة لا غنى عنها، مشدداً على تأييده دعوة ليتوانيا، التي ترى بدورها، أن يمول الاتحاد البنيةَ التحتية الحدودية لها، باستخدام وسائل وأدوات مثل الطائرات المسيرة والأسوار، وهو ما رفضته فون دير لاين تماماً، بينما طلب زعماء الاتحاد الأوروبي من المفوضية تقديم مقترحات، دون إعطاء رقم أو تحديد وجهة التمويل الذي يمكن دفعه لهذا الغرض.

وقبل ذلك بأيام، أعلنت الحكومة البولندية عزمها إرسال ستة آلاف عسكري جديد إلى المنطقة الحدودية مع بيلاروسيا، «لمساعدة حرس الحدود على وقف تدفقات المهاجرين».

وفي الرابع عشر من الشهر الجاري، اتخذت السلطات البولندية موقفاً أكثر تشدداً، حين توافق النواب البولنديون على تشريع عمليات الإعادة القسرية للمهاجرين عبر الحدود، بشكل مخالف لدستور البلاد ولاتفاقية جنيف الخاصة باللاجئين، ويمثل «انتهاكاً» لمبادئ حق اللجوء في الاتحاد الأوروبي،. في وقت ما زال بعض المهاجرين العالقين على الحدود بين بولندا وبيلاروسيا يواجهون ظروفاً صعبة، خاصة مع اقتراب فصل الشتاء وتدني الحرارة.

ضرب وتهديد وسرقة

وتكشف منظمات وهيئات مدافعة عن حقوق المهاجرين فظائع مشينة يتعرض لها بعضهم. ونشرت وكالة الصحافة الفرنسية تحقيقاً تضمن وقائع من الميدان. ويقول مهاجرون، في شمال غرب البوسنة، يطمحون للعيش في أوروبا، إن الشرطة الكرواتية تضربهم بالعصيّ وتهددهم بالأسلحة وتسرق ممتلكاتهم، لكن رغم الخوف من العنف، سيحاولون للمرة الألف عبور حدود كرواتيا قبل الشتاء.

ويروي إبراهيم رسول (32 عاماً) الذي فر من أفغانستان قبل أربع سنوات: «الشرطة الكرواتية تتصرف مثل حيوانات برية، فهي تضرب الجميع، من لاجئين وأطفال ونساء وشباب ومسنين»

وبعد نشر وسائل إعلام أوروبية أخيراً صوراً تظهر رجالاً مقنعين بلباس عسكري يدفعون مجموعة من اللاجئين باتجاه البوسنة بعنف، أكدت السلطات الكرواتية أن عناصر من الشرطة الخاصة ظهروا في مقاطع الفيديو. كذلك، اتُهمت اليونان ورومانيا عبر وسائل الإعلام هذه بسبب معاملتهما للمهاجرين.

أريد أمّي

ويقول المهاجر اللبناني علي عبد الوارث (24 عاماً)، المرهق والعالق في غابة باردة، إنه يشعر بالندم لمحاولته على مدى أسبوع دخول الاتحاد الأوروبي عبر الحدود بين بيلاروس وبولندا. أكد علي وهو حلّاق لوكالة الصحافة الفرنسية بصوت هادئ: «إنه أمر بائس. أمر لا تتمناه لأسوأ أعدائك… كابوس».

ويصف وهو متربّع تحت شجرة صنوبر على أوراق الأشجار اليابسة قرب بلدة كليشتيله في شرق بولندا، كيف أصبح كرة يتقاذفها حراس الحدود.

ويقول باللغة الانجليزية: «حاولتُ العبور خمس أو ستّ مرات، وكلّ مرة كان يُقبض عليّ وأُرحّل إلى الحدود» من جانب بولندا.

ولا يزال مصير علي غامضاً، غير أنه يأمل الحصول على حق اللجوء في بولندا، أو على الأقل العودة إلى لبنان.

وتشير أوساط سياسية إلى أن قضية الهجرة ستظل مفتوحة على مزيد من السجال داخل التكتل الأوروبي، وستكون لدى بعض الأحزاب، اليمينية والوسطية، مدعاة للتجاذب والصراع، خصوصاً في المواسم الانتخابية، ومنها الانتخابات الفرنسية التي ستجري في الربيع المقبل.

إيطاليا تحاكم سالفيني بتهمة منع رسو سفينة مهاجرين

مثل وزير الداخلية الإيطالي الأسبق ماتيو سالفيني للمحاكمة، أمس السبت، في مدينة باليرمو عاصمة جزيرة صقلية بتهمة منع نحو 150 مهاجراً في ظروف صحية قاسية، من النزول من سفينة إنقاذ في ميناء إيطالي عام 2019.

وقال القاضي روبرتو مورجيا، إن جميع الشهود الذين قدمهم الطرفان سيسمح لهم بالإدلاء بشهاداتهم، بمن فيهم رئيس الوزراء الإيطالي السابق جوزيبي كونتي.

ويتهم الادعاء سالفيني بإساءة استغلال السلطة وسلب الحرية، بعد منعه سفينة الإغاثة الإسبانية «أوبن ارمز» من دخول ميناء في أغسطس 2019 خلال فترة توليه منصب وزير الداخلية.

وكان سالفيني وزيراً للداخلية في الفترة من يونيو 2018 وحتى سبتمبر 2019 في الحكومة الأولى لرئيس الوزراء السابق كونتي.

وفي اليوم الأول للمحاكمة، تناولت المحكمة في الأساس مسألة الأشخاص الذين سوف يتم استدعاؤهم للشهادة أمامها.

إلى جانب كونتي، سوف تستجوب المحكمة المستشارة الحكومية السابقة لوتشيانا لامورجيزي وهي الآن وزيرة الداخلية، وكذلك وزير الخارجية لويجي دي مايو الذي كان وزير العمل والسياسات الاجتماعية وقتها.

بدأت محاكمة سالفيني في 15 سبتمبر الماضي، لكنها أرجئت على الفور. واستغرقت جلسة، السبت اأقل من ثلاث ساعات.

 

البيان