تحتفي دولة الإمارات في الرابع من فبراير من كل عام بـ “يوم البيئة الوطني” والذي يقام هذا العام بنسخته الخامسة والعشرين، تحت شعار “العمل من أجل المناخ”، لتوعية قادة الأعمال وأفراد المجتمع بأهمية الأسباب والمخاطر الناجمة عن تغير المناخ والتكيف مع تأثيراتها.
وأصبح العمل من أجل المناخ واستراتيجيات تقليل الانبعاثات الكربونية جزءاً لا يتجزأ من نموذج التنمية الإماراتي الذي يعنى بالأطر التمكينية للمساعدة على تسريع وتيرة الاستثمارات الصديقة للبيئة، ويعتمد على تحويل التحديات إلى فرص يمكن الاستفادة منها، والإيمان بأهمية رصد استثمارات كبيرة نظرا للعائد الاقتصادي والبيئي والاجتماعي على هذه النوعية من المشاريع.
واشارت دراسة بعنوان “التحول نحو الحياد المناخي، تكلفته العالمية وعوائده”، أعدتها شركة “ماكنزي” للاستشارات مؤخرا أن السعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول العام 2050 على الصعيد العالمي سيكلف 275 تريليون دولار، وسيكلف الحكومات والأعمال والأفراد 3.5 تريليون دولار إضافية سنويا كاستثمارات في الطاقة وأنظمة استخدام الأراضي، بالمقابل فإن هذه الفاتورة العالمية العالية للاستثمارات في تحول قطاع الطاقة يمكن أن تحقق مكاسب إضافية للناتج المحلي الإجمالي العالمي تقارب 98 تريليون دولار بحلول عام 2050 حسب تحليل قامت به الوكالة الدولية للطاقة المتجددة.
وفي المقابل يشير تقرير “تحويل نظام الطاقة” الصادر عن الوكالة الدولية للطاقة المتجددة “ايرينا” إلى أنه يتعين استثمار 3.2 تريليون دولار -تمثل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي- كل عام لتحقيق التحول نحو تقنيات الطاقة منخفضة الكربون، بالمقابل يتكبد العالم خسائر كبيرة بسبب سوء إدارة البيئة والموارد الطبيعية التي توفر سبل معيشة مليارات البشر.
وانطلاقا من هذا المنظور الاستشرافي للمستقبل تعزز الخطة التنموية الشاملة للإمارات خلال الخمسين عاما المقبلة وصولاً إلى “مئوية الإمارات 2071″، مكانة الإمارات على خريطة الدول المتقدمة التي تعمل على تسريع وتيرة التحول نحو الاقتصاد الأخضر كركيزة أساسية لخطط وتوجهات التعافي من التأثيرات السلبية الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدتها جائحة “كورونا” على المجتمعات كافة، واليوم ومع العودة إلى الحياة الطبيعية تبرز على المستوى العالمي أهمية الاستثمار فيما يمكن تسميته “التعافي الأخضر” خاصة مع اعتماد الحكومات خططا لتحفيز الاقتصاد، ما يتطلب وضع وتنفيذ سياسات وخطط استراتيجية لإعادة البناء بعد تراجع الاستثمار في الإجراءات والأنشطة البيئية والاقتصادية المعتمدة على الخدمات البيئية، بسبب الإجراءات الاحترازية.
وتجدد الإمارات في “يوم البيئة الوطني” الذي تستمر أنشطته الاحتفالية طوال 4 أشهر من 4 فبراير إلى 5 يونيو الموافق ليوم البيئة العالمي، عهدها بالسير على خطى الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، والالتزام بالعمل الدؤوب لترجمة السياسات والاستراتيجيات والتشريعات والخطط والبرامج التي وضعتها قيادتنا الرشيدة إلى واقع حياتي يرتقي بالحاضر ويتطلع إلى مستقبل مستدام يراعي توازن متطلبات النمو الاقتصادي والاجتماعي، واستحقاقات صون البيئة.
وانتهجت الإمارات سياسة متكاملة ضمت العديد من الاستراتيجيات والمبادرات، من أهمها “مبادرة الإمارات الاستراتيجية للسعي لتحقيق الحياد المناخي بحلول 2050″، وتم إطلاق الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات العربية المتحدة 2017-2050 التي تمثل خريطة طريق لدعم الأنشطة والمبادرات الوطنية الرامية إلى مواجهة التحديات المناخية، واعتمد مجلس الوزراء سياسة دولة الإمارات العربية المتحدة للاقتصاد الدائري 2021 – 2031، ومن ثم تم تشكيل مجلس الإمارات للاقتصاد الدائري ، وتبنت في عام 2012 منهجية الاقتصاد الأخضر كمسار من مسارات التنمية المستدامة عبر “استراتيجية الإمارات للتنمية الخضراء”، كما وضعت الأجندة الوطنية لرؤية الإمارات 2021 مؤشرات عدة لضمان التنمية المستدامة للبيئة وزيادة كفاءة الموارد دون التأثير على البيئة سلبيا.
وأطلقت وزارة التغير المناخي والبيئة “البرنامج الوطني للتكيف مع التغير المناخي” بهدف تعزيز مرونة الدولة وقدرتها على التكيف مع آثار التغير المناخي، وأشركت فيها مختلف الجهات المعنية من هيئات اتحادية ومحلية، ومؤسسات قطاع خاص والمجتمع المدني للتعاون في تحديد وتقييم أولويات المخاطر الأكثر إلحاحا لأربعة قطاعات رئيسية تعتبر الأكثر عرضة لمخاطر التأثيرات المناخية، وهي: الصحة العامة والطاقة والبنية التحتية والبيئة، ويرصد تقرير حالة الاقتصاد الأخضر في دولة الإمارات الذي يصدر عن وزارة التغير المناخي والبيئة 41 مؤشرًا رئيسيًا للأداء الأخضر.
وما يزال التغير المناخي يمثل التحدي المصيري أمام البشرية وأشكال الحياة على كوكب الأرض، وهو ما يستدعي تركيز خطط وإجراءات التعافي المستقبلية على التحول نحو الاقتصاد الأخضر وتطبيق مبادئ الاقتصاد الدائري، إضافة إلى مراعاة حماية البيئة البحرية والحفاظ على صحة المحيطات لتعزيز منظومة الاقتصاد الأزرق.
وجاء اهتمام دولة الإمارات بالاقتصاد الأخضر، انطلاقا من إدراكها لأهمية التنمية المستدامة، التي تركز على البيئة والمناخ وتحفظ الموارد وتحسّن حياة الإنسان، لذلك أصبح العمل من أجل المناخ واستراتيجيات تقليل الانبعاثات الكربونية جزءاً لا يتجزأ من نموذج التنمية الإماراتي الذي يستهدف تحقيق الإدارة المستدامة للاقتصاد والاستخدام الفعال للموارد الطبيعية والبيئية، وتعزيز الاقتصاد الدائري وأنماط الاستهلاك والإنتاج المستدامين التي تقلل الإجهاد البيئي ، وتشجيع القطاع الخاص على التحول للذكاء الاصطناعي والتقنيات الأخرى للثورة الصناعية الرابعة.
وبدأت الدولة بالتوجه نحو قطاع الطاقة النظيفة قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، وتحتضن حالياً ثلاثاً من أكبر محطات الطاقة الشمسية في العالم وأقلها تكلفة، وتعد الإمارات أول دولة في الشرق الأوسط تشغل محطة طاقة نووية عديمة الانبعاثات الكربونية، وأول دولة في المنطقة تقوم ببناء منشأة صناعية لالتقاط الكربون واستخدامه وتخزينه، كما تعمل الإمارات على تعزيز الاستثمارات في مصادر الطاقة المبتكرة مثل الهيدروجين النظيف، حيث أطلقت الدولة أول مشروع صناعي للهيدروجين الأخضر في المنطقة بشهر مايو 2021، كما عملت على زيادة إنتاج الهيدروجين الأزرق بهدف تنويع مزيج الطاقة، واعتمدت كذلك حلول التقاط الكربون المستندة إلى الطبيعة، إذ تعتزم الدولة زراعة 100 مليون شجرة مانغروف /قرم/ بحلول عام 2030.
وتعمل الإمارات على استكشاف حلول الحد من الانبعاثات الكربونية للقطاع الزراعي، إذ تشكل الزراعة ربع إجمالي انبعاثات الغازات الدفيئة عالمياً، الأمر الذي يربط قضية التغير المناخي بالأمن الغذائي بشكل وثيق، ومن أجل ذلك ضخّت الإمارات استثمارات كبيرة في التكنولوجيا الزراعية، وهي تبرز حالياً كدولة رائدة في هذا المجال، ما يعزز الأمن الغذائي والمائي للبلاد ويساعد على تحقيق القيمة الاقتصادية من خلال الصناعات الجديدة.
وعلى المستوى الدولي أطلقت الإمارات مبادرة “الابتكار الزراعي للمناخ”، وهي مبادرة عالمية كبرى تقودها الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة أكثر من 35 دولة، كما تستعد الدولة لاستضافة الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ /COP28/ في عام 2023، والذي يعد أهم وأكبر مؤتمر دولي للعمل المناخي، بمشاركة قادة وزعماء العالم.
وتعد الإمارات مشارك فاعل بالمفاوضات التي قادت لإقرار اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وبروتوكول كيوتو واتفاق باريس، وسهلت المفاوضات العالمية عبر استضافتها فعاليات دولية.
وبالمحصلة تعتبر تجربة دولة الإمارات استثنائية من ناحية الحفاظ على النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية مع التقليل إلى أدنى حد من التأثيرات التي تخلفها أنظمتها الإيكولوجية والبيئية، لتضرب مثالاً ناجحاً من خلال مسيرتها الطموحة في التحول نحو الاقتصاد الأخضر على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والإيكولوجية كافة.
وام