نجحت المرأة الإماراتية بإثبات جدارتها في شتى ميادين العمل والعطاء، وقد برز أخيراً في السياق، حضور مؤثر لها في حقل النشر الذي بات يشهد إقبالاً كبيراً من المبدعات الإماراتيات، الكاتبات منهن أو سواهن، إذ راحت تبرز في الساحة الثقافية دور نشر عديدة تترأسها أو تملكها نساء إماراتيات، حيث راكمن معها، وخلال فترة قصيرة، رصيد منجزات لافتة ممهوراً ببصماتهن ومتسماً بتمايز رؤاهن وأسلوبهن الإبداعي في هذا القطاع.
وبطبيعة الحال، لم يكن ذلك ليتحقق دون توافر جملة مقومات جوهرية، على رأسها، وبجانب اتسام المرأة الإماراتية بحب العطاء والعمل والنجاح، وجود بيئة محفزة وداعمة، مثالية، توفرها الدولة في ظل توجيهات قادتنا ومبادرات المؤسسات المعنية كافة، إضافة إلى الحراك والنشاط الثقافي المزدهر طوال العام.
فمن معارض الكتب الدولية التي تستقطب الكتاب وأشهر دور النشر، إلى الجوائز التي تحتفي بالكتب والكتاب، وتأسيس المكتبات التي توفر للقارئ عناوين ومحتوى يناسب الذائقة. ولا شك أن لترؤس الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي الاتحاد الدولي للناشرين، كبير الأثر في تحفيز المرأة الإماراتية على خوض التجربة في المجال.
«البيان» ترصد في التحقيق التالي، آراء مجموعة ناشرات وأحد الأدباء الإماراتيين، حول أبرز ركائز وأسباب هذا النجاح في دولة الإمارات راصدة كيفيات وعوامل تعزيز قدرة الإماراتية، على بلوغ تلك المنزلة في القطاع خلال فترة قياسية..إضافة إلى آفاق هذا التطور والمنجز الذي يحسب للمرأة والمجتمع الإماراتي على حد سواء. كما يضيء التحقيق على عدد من التجارب الإماراتية في هذا الصدد.
تجربة جديدة
أكدت الدكتورة والكاتبة مريم الشناصي مؤسس ومالك دار الياسمين للنشر والتوزيع الإماراتية على أن البيئة المحفزة في دولة الإمارات، بفضل دعم قادة الدولة، وأيضاً بعد تأسيس الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي لجمعية الناشرين الإماراتيين، وتولي سموها رئاسة الاتحاد الدولي للناشرين، لفت ذلك انتباه العديد من النساء المهتمات بالثقافة والكتابة في آن واحد، إضافة إلى جهود ودور سموها كامرأة عربية مبدعة، وهو في حد ذاته شجع الكثير من النساء للانخراط في هذا المجال، ليس النساء فقط بل حتى الرجل، فمجتمعنا مليء بالكثير من الكاتبات والمثقفات اللواتي يشكل النشر لديهن اهتماماً كصناعة أو في مجال الأعمال، وأضافت: هذه التجربة في الإمارات جديدة وبداياتها، فكل ناشر له اختصاص معين قد ينجح فيه أو قد لا ينجح، حيث اتجهت بعض الناشرات لكتب الأطفال، وبعضهن اتجهن للرواية والكتب الثقافية، وهناك الكتب السياسية وكل اتجه في اتجاه ومسار مختلف، ونتائج هذه التجارب لابد أن تنتظر قليلاً حتى تكون هناك خبرة تراكمية نستطيع أن نقيمها، ونرى كيف سيشكل دخول المرأة مجال صناعة النشر وما الفارق الذي ستصنعه.
وعددت الشناصي أبرز التحديات التي تواجه المرأة في هذا المجال ولخصتها كالتالي، أهمها الخبرات غير المتوفرة مقارنة بالدول العربية والأوروبية، ذات الخبرات المتوارثة. وتابعت: حيث هناك العديد من دور النشر المتوارثة في العائلات ولها نهج محدد في هذا المجال، ولأننا هنا نشكل تجربة حديثة جداً فالخبرة تنقصنا، إضافة إلى ذلك تنقصنا الخبرات التدريبية والاطلاع على تجارب الآخرين، هذه أبرز النقاط الأساسية التي نحتاجها للتقليل من الأخطاء والهفوات في صناعة النشر، فالنشر كمجال أعمال يدر أرباحاً إذا وجدت الظروف المناسبة.
ورأت مريم الشناصي أن تقييم نجاح تجربة النشر من عدمها يحتاج إلى عقد من الزمان، فالتجربة الإماراتية هنا في بدايتها وحديثة عهد، تقارب 7 سنوات، بعد عقد أو عقدين من الزمن تتشكل التجربة و تكون أكثر نضجاً في مجال النشر كصناعة، وعن إمكانية أن تساهم هذه الصناعة في الترويج للكاتب أو الكتاب الإماراتي، وأشارت الشناصي إلى أن الناشر لا يتقيد بالصناعة المحلية، فهم منفتحون على العالم ويتم استقطاب كتاب عرب وعالميين، فمن يتجه للشعر الشعبي والنبطي فلابد أن يتجه ويعتمد في النشر على الكتاب والشعراء المحليين فهذا نهجه وهكذا الأفرع الأخرى من الأدب، فكل دار نشر لها منهجية مختلفة. وطرحت الكاتبة مريم نقطة مهمة، جوهرها ضرورة السعي لأن نصبح مصدّرين للكتب وتوفير الدعم النوعي لرفع كفاءة التصدير في هذا المجال.
منافذ
بدورها، تحدثت الكاتبة ومؤسس دار التفرد للنشر شيماء المرزوقي عن الإقبال على الانخراط في مجال النشر قائلة: «السبب بالنسبة لي كمؤلفة وإنسانة أنني انشغلت منذ نعومة أظافرها بالكتابة والتأليف ولا أخفيك أن تعثر كثير من دور النشر والعقود التي تبرم بين دار النشر والمؤلف لم تكن بالنسبة لي كمؤلفة مرضية، لذا أسست هذه الدار لأن تراعي جانب المؤلف وتراعي مصلحته.
دائماً المؤلف يتطلع إلى التوزيع وأن يكون كتابه موجوداً في كل منفذ وكل معرض للكتاب وبطبيعة الحال دار النشر لدي في بداية الطريق ولم تمضِ أكثر من ستة أشهر منذ تأسيسها ومع هذا جميع كتبي في «أمازون» و«نون» وفي المكتبات الكبرى في بعض دول الخليج، فضلاً عن داخل الدولة هنا في الإمارات متواجدة. فكنت أحرص أن يكون هناك منافذ للتوزيع بقدر المستطاع.
وعن دور الناشرات في تعزيز ترويج الكاتب والكتاب الإماراتي في المنطقة قالت: بطبيعة الحال المرأة لا تختلف عن الرجل في القيام بأدوار اقتصادية وتنموية واستثمارية لتخدم الاقتصاد العام للدولة وينعكس هذا الجهد الاستثماري على الفرد نفسه سواء كان امرأة أو رجلاً وأنا في خطتي في هذه الدار أركز على الكاتب والمؤلف الإماراتي وأسعى أيضاً لاستقطاب المؤلفين والكتاب في العالم العربي الذين لهم كتب تعد إضافة للمكتبة العربية، وأيضاً لدي أفكار حول موضوع الترجمة وسأبدأ بها قريباً.
تجارب سابقة
وتحدثت عائشة الغيص صاحبة دار ظبي للنشر والتوزيع عن فكرة إنشاء دار نشر والتي كانت تراودها فترة طويلة، ولكنها كانت متخوفة بحكم وظيفتها ومهامها الأسرية، وبتواصلها مع زميلاتها في هذا المجال من اللواتي سبقنها في تأسيس دور النشر، وجدت المرونة وشعرت أن التجربة جديرة للبدء بها، لاسيما وإن كان الناشر كاتباً في أكثر من فن، حيث لعائشة الغيص تجارب سابقة في الكتابة من خلال مجموعات قصصية في التراث، ومن خلال هذه التجارب التي سنحت لها فرصة التعامل مع دور النشر، حيث وجدت أنها تتطلب مهارات في الإدارة والتدقيق وبحكم عملها في وزارة التربية والتعليم حيث كان التدقيق ومراجعة المحتوى من ضمن مهامها، وهو ما أكسبها معرفة سهلت عليها خوض هذه التجربة.
وأضافت بأن فترة الجائحة رغم صعوبتها إلا أنها كانت نعمة، ففكرة العمل عن بعد شجعتها لإصدار رخصة دار ظبي للنشر والتوزيع وبدعم منصة الناشرين في الشارقة ومبادرات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم إمارة الشارقة، بدأت بنشر كتبها واستقطبت أيضاً كاتبات من الإمارات وسلطنة عمان وسوريا ومصر.
وأكدت عائشة الغيص أن التسويق يعد أبرز التحديات التي قد تواجه المرأة والرجل على حد سواء في عالم النشر، ومع الوقت يكتسب الناشر خبرات ومهارات جديدة، وتضيف عائشة بأنها من خلال اطلاعها على المشهد الثقافي في الإمارات وجدت قلة في الإصدارات الخاصة بالطفل المتعلقة بالتراث والهوية الإماراتية، فجعلت لدار ظبي التي تملكها بصمة وهوية إماراتية، إضافة إلى القصص التي تعزز القيم التربوية، وعكفت أيضاً على تقديم سلسلة شخصيات إماراتية خالدة مثل الشاعرة عوشة بنت خليفة السويدي، والماجدي بن ظاهر، وسلمى الشرهان أول من امتهنت التمريض في الإمارات، وسعيد عتيق الهاملي، تناولت سيرتهم من خلال هذه السلسلة بأسلوب سلس وبسيط يناسب الطفل.
وأشارت الغيص إلى أنها تركز من خلال دار(ظبي) للنشر والتوزيع على جودة المحتوى لتقديم محتوى آمن للأطفال، وتقديم الدعم للكاتبات الإماراتيات، لافتة إلى أنها وجدت اهتماماً من ابن الإمارات وحرص على تقديم مادة جيدة ومشوقة للقارئ الإماراتي والعربي.
نصيب كبير
من جهته، قال الكاتب عبدالله محمد السبب: دخل العديد من المبدعين عالم النشر من خلال تأسيس دور للنشر للمساهمة في صناعة الكتاب المحلي والعربي، بسبب ما يتعرض له المبدع من صعوبة في تحقيق حلم إصدار مخطوطاته المتراكمة لديه.
وهنا نؤكد على أن الأمر لم يقتصر على المبدع الرجل، بل المرأة المبدعة التي تحظى بنصيب كبير في عالم النشر الخاص، لا سيما حين يتعلق الأمر بالمحفزات المصاحبة للمعرضين الدوليين للكتاب، معرض الشارقة الدولي للكتاب ومعرض أبوظبي الدولي للكتاب، من خلال المكرمة الشرائية السنوية التي يعلنها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في ما يخص معرض أبوظبي، ومكرمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة؛ الأمر الذي يدفع المبدعين والمبدعات للمساهمة في قطاع النشر.
وأضاف: إن وجود «جمعية الناشرين الإماراتيين» التي هي مظلة تهدف إلى تمثيل الناشر الإماراتي محلياً وإقليمياً، وتقدم كافة الدعم اللازم لمشاركته في المحافل الثقافية العربية والعالمية، إلى جانب الارتقاء بواقع صناعة الكتاب في الدولة من خلال سلسلة البرامج التأهيلية والتدريبية التي ترفع كفاءة العاملين في هذا المجال، وتحسين شروط المهنة والقوانين الخاصة بها، وبما توليه من اهتمام بالغ بحماية كافة الحقوق المتعلقة بالنشر مثل الملكية الفكرية والترجمة.
البيان