الراوي، زاوية تبرز الرواة ممن توارثوا مهارة السرد ونقل المضامين من الذاكرة إلى الواقع، وذلك عبر المجالس والاجتماعات والفعاليات، متناولين التراث المحلي الإنساني عبر السنوات، أباً عن جد، ومعالجين عدداً من القضايا الاجتماعية، ليسلطوا الضوء على التراث والشخصيات والقبائل، خاصة أن لكل منهم أسلوبه المميز للحديث عن الأماكن والقبائل. وفي الشعر والقصص والمواقف البطولية، يعتبر الراوي الذاكرة الحية التي تضيء لمن أُشكل عليه أمر أو معلومة ما، وهو المعلم في مجال سرد المعلومات التي تناقلتها الأجيال. ليكون الراوي بذلك الوجهة التي يقصدها الباحث للحصول على أصل المعلومة، فضلاً عن الجهات الرسمية التي تقصده في مناسبات كثيرة لذات الهدف، ولكن اليوم، ومن هنا، نتوجه للرواة لنقدم نبذة عن حياتهم، توثيقاً لسيرة مختصرة عن كلٍ منهم، تكريماً لهم ولدورهم الإنساني.

القهوة لها علاقة وثيقة بالإنسان العربي بشكل عام، والخليجي بشكل خاص، واليوم نضيء على أحد أشهر الرواة عن القهوة و(السنع)، وهو سيف أحمد راشد بن غافان الدهماني، من منطقة ميدق بإمارة الفجيرة، الذي ولد في منطقة السويطات التابعة لمنطقة الحنية بالفجيرة.
كبر سيف الدهماني في ميدق، وتعلق بالقهوة منذ السابعة من عمره، وذلك لمرافقته لوالده في عادة ترابط أصيلة، تشجّع الأبناء على تناول فناجين القهوة الحاضر أغلب الأوقات في مجالس الرجال، التي اعتاد الدهماني على ارتيادها في ذلك الوقت، لتشكل مساحة لقائه بالعديد من الشخصيات، بعضها رحل إلى ذمة الله، ومنهم سالم بن علي بن غافان الدهماني، وعلي بن سلطان بن غافان الدهماني، وعبيد بن فارس الدهماني، وراشد محمد مطّار الطنيجي.

ارتحال

ولأن أسرة سيف الدهماني من البدو الرّحل، فإنهم لطالما ارتحلوا من مكان لآخر في صورة مجموعات، وهنا، يتذكر سيف نومهم مبكراً، واستيقاظهم على صوت (منحاز القهوة) «الهاون أو النجر»، في إعلان من والده بأنه يحضر القهوة، بعد أن قام بتحميصها، ليتجمع بعدها أفراد المنزل حوله عند الموقد، ويراقب سيف خطوات إعدادها حتى آخر مرحلة، وهي صب القهوة بالفناجين.

كبرت علاقة سيف بالقهوة، وأصبح من أبرع الرواة في مجال الحديث عنها، وفي عام 2008، جاءت أولى مشاركاته في أحد المهرجانات الرسمية في الدولة، خاصة أنه يمتلك كافة الأدوات المساندة له عند تحضير القهوة، بما في ذلك أنواع القهوة ومستويات (هنهنة) تحميص البن. في ذلك العام، كان كثير البحث عن أنواع القهوة وأدواتها، لرغبته في التميز، وقتها قرر السفر خارج الدولة، متوجهاً لدول مثل سلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، للتعرف إلى عادات القهوة، وطرق إعدادها من الصفر، عائداً بحصيلة من المعلومات من مختلف مناطق الدول المجاورة، ولاحظ حينها تشابه الأعراف الخاصة بالبن وصنع القهوة، مع فروق تميز كل منطقة أو مدينة عن الأخرى.

يعتبر سيف الدهماني نفسه محظوظاً، لكونه كبر في ثلاث بيئات أثرت في شخصيته بشكل إيجابي، حيث أصبح راوياً في مجال سرد الموروث المتعلق بالبن وصنع أنواع القهوة.

البيان