تحتفي الإمارات اليوم بالذكرى التاسعة والأربعين لتولي صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، مقاليد الحكم في الإمارة، احتفاء يلمس تفاصيله على الأرض كل من عاش بهذه الإمارة الجميلة أو مر بها خلال تلك السنوات لتصبح الفجيرة مقصد الزائر والباحث عن الجمال ووجهة الاقتصاد الحديث من كل أنحاء العالم.
لقد آمن صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، في وقت مبكر بأن جوهر البناء والتطور في الحياة قائم على الاستثمار في الإنسان، فدعم حركة الشباب، ومضى يدعم مشاريعهم ويساندهم في تحقيق أحلامهم، مؤكدا على إيمان مطلق بالتطور والتغيير، وعلى محبة الناس ومضيهم خلف قيادته الحكيمة، ومعهم وبهم سار سموّه، وفق خطط اجتماعية واقتصادية وثقافية واسعة جعلت من الفجيرة مركزا مهما وقبلة لأصحاب المشاريع الاستثمارية الكبيرة؛ وليكون الثامن عشر من سبتمبر، في كل عام، يوماً استثنائيا في مسيرة الدولة والإمارة الجميلة التي اتسعت وكسبت قوة ومنعة وازدادت جمالاً بفضل حكمة سموه ورؤيته الثاقبة في قراءة المعطيات العربية والدولية.
وبالعودة إلى ذاكرة الإمارة، وبالتحديد إلى الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1948، تاريخ ولادة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، سنعثر على الكثير من التفاصيل التي صاغت شخصية صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، الذي ترعرع في كنف والده ومعلمه الأول، الشيخ الوالد محمد بن حمد الشرقي طيب الله ثراه.
( بداية العطاء )
في عام 1969، أصدر المغفور له الوالد الشيخ محمد بن حمد الشرقي المرسوم الأميري رقم “5”، القاضي بتعيين سمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي ولياً للعهد وقائداً للشرطة والأمن العام، لتبدأ مسيرة العطاء والعمل على الأرض بعدما قضى سموه زمناً طويلاً في الدراسة بالخارج واطلع على أحدث الحضارات العالمية.
العودة إلى إنجازات العقود الماضية، تُظهر حجم الجهود التي بذلها صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي في بناء إمارة الفجيرة والمساهمة إلى جانب الوالد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، في بناء الدولة؛ فقد شغل سموّه في العام 1971، منصب وزير الزراعة والثروة السمكية في أول تشكيل حكومي بعد قيام الاتحاد، وكان حينها ولياً للعهد، وكانت مهمته وضع الخطط الاستراتيجية لتطوير الزراعة ودعم الثروة السمكية، بحيث يتم تجاوز الاكتفاء الذاتي إلى التصدير للخارج، وهذا ما تم فعلاً في السنوات اللاحقة.
( الاقتصاد والبنية التحتية )
بدأ صاحب السمو حاكم الفجيرة، مسيرته التنموية في الفجيرة، منذ تعيينه ولياً للعهد عام 1969، فركز على جذب الاستثمارات الأجنبية ودعم قطاع الزراعة والسياحة والاقتصاد والتعليم؛ ومنذ ذلك الوقت، بدأت الفجيرة تقطع خطوات متسارعة على طريق التنمية والازدهار، وقد شهدت أوجها بعد تولي سموّه مقاليد حكم الإمارة، فكانت البداية بتطوير ميناء الفجيرة وإنشاء منطقة الفجيرة للصناعات البترولية “فوز” حيث أصبح ميناء الإمارة ثاني أكبر مركز لتزويد السفن بالوقود على مستوى العالم، وكان لذلك انعكاسه الكبير على قيام المشاريع الجديدة وازدياد فرص العمل، ونشوء المعامل الحديثة التي استفادت من البنية التحتية القوية التي تم إنشاؤها في الفجيرة.
وكان لسموه رؤية استراتيجية شاملة لمفهوم التنمية، جعلته دائماً يركز على جميع أطراف المعادلة من أجل تحقيق الازدهار، فلا مشاريع بلا بنية تحتية قوية، ولا معامل أو حسن استثمار للثروات، بلا إنسان جديد متعلم يواكب العصر، هكذا عمل سموّه على النهوض بجميع العناصر ضماناً لتحقيق الهدف النهائي وهو رفاه وخير الوطن والشعب.
وشهدت إمارة الفجيرة، بفضل قيادة صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي ورؤيته الاستراتيجية، نشاطاً اقتصادياً كبيراً في مجال الصناعات البترولية والملاحة البحرية، وتم إصدار العديد من المراسيم لتأسيس المؤسسات الاقتصادية الضخمة التي تُعنى بتطوير الإمارة في هذا القطاع الحيوي؛ فقد تم افتتاح أول مصنع للصوف الصخري على مستوى دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1982، والذي يصنّف اليوم كأكبر شركة للمواد العازلة في الشرق الأوسط تعمل على توريد وتزويد الدول حول العالم بمواد العزل المستهلكة في قطاع البناء.
كما أولى صاحب السمو حاكم الفجيرة اهتماماً كبيراً لقطاع الثروة المعدنية والصناعات التعدينية، لما تحتويه بيئة إمارة الفجيرة من مواقع طبيعية زاخرة بالأحجار والمواد الخام وانتشار شركات المحاجر والمقالع التي باتت تلعب دوراً محورياً في إمداد الشركات بمواد البناء وتلبية متطلبات السوق العالمي، وإسهامها المباشر في دعم الاقتصاد الوطني وتنشيط القطاع العقاري على مستوى الدولة وخارجها.
وفي عام 1987، أصدر سموّه مرسوماً أميرياً بإنشاء المنطقة الحرة بالفجيرة، وعملت منذ ذلك الحين جنباً إلى جنب مع ميناء الفجيرة، في تبنّي سياسة التنويع الاقتصادي وتنشيط الحركة التجارية والاقتصادية عبر استقطاب الاستثمارات الأجنبية والشركات العاملة في مختلف أنواع الصناعات الحيوية، لتصبح اليوم من المؤسسات الاستراتيجية الشريكة في اقتصاد الإمارة ودعم ناتجها المحلي. وفي عام 2012، أعلن صاحب السمو حاكم الفجيرة عن بدء عمليات تصدير النفط عبر مشروع خط حبشان – الفجيرة من أبوظبي إلى الفجيرة، في خطوة اقتصادية أضافت إلى رصيد الإمارة نقاطا ثمينة في خططها البنّاءة.
وقد أكد سموه على ضرورة استفاد الامارة من موقعها الجغرافي الجذاب المطل على المحيط الهندي وبذلك نرى نشاطا سياحيا واسعا وحركة نشطة للفنادق المنتشرة بكثافة في الامارة وزيارة دائمة لعشاق الطبيعة الجبلية والبحر على مدار العام كي يستمتعوا بمناخها الاخاذ ويزورون قلاعها التاريخية الكثيرة.
وفي نوفمبر 2021، أصدر صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة مرسوماً أميرياً يقضي بإنشاء “برنامج الفجيرة للتميز الحكومي” انطلاقًا من إيمان سموه بأهمية تطوير الأداء في المؤسسات الحكومية، والانتقال إلى مستوى متطور في تحسين كفاءات العاملين فيها، عبر تأسيس الشراكات الاستراتيجية بين الدوائر المحلية والقطاع الخاص إقليمياً وعالمياً.
( تطوير الخدمات الطبية )
ولأن عملية التنمية لا تنفصل عن سلامة الإنسان وراحته واطمئنانه، حرص صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي على تطوير قطاع الخدمات الطبية في إمارة الفجيرة وتوفير الطبابة المجانية، وإقامة المستشفيات التي استقطبت أفضل الكوادر الطبية من مختلف الجنسيات وقدمت خدماتها للمواطنين والمقيمين، وعمل سموه على زيارة المستشفيات والالتقاء بالعاملين في المؤسسات الطبية، والتوجيه بتوفير معدات ومستلزمات الرعاية وتطويرها دوريا، وبدعم من سموّه، شملت المشاريع التطويرية في القطاع الصحي في الإمارة مشروع التوسعة الجديدة في مستشفى الفجيرة، حيث تم إنشاء أقسام جديدة تحتوي على أفضل الأجهزة الطبية المتطورة لتقديم خدمات صحية حديثة للمجتمع.
( بناء الإنسان )
بناء الإنسان عبر المؤسسات التعليمية، كان الامتحان الأكبر بالنسبة للوالد الحاكم، ففيها يتلقى النشء مفاهيم الوطنية وحب الأرض والأخلاق، ويمتلك المقومات الأولى لشخصيته الفعالة في المجتمع؛ الإنسان هو الغاية والهدف، قالها صاحب السمو حاكم الفجيرة، ولهذا أخذ التعليم عناية كبيرة عند سموه، فتنوعت المدارس وتطورت أساليب التعليم؛ وافتتح سموّه مبنى مجمع كليات التقنية العليا للطالبات عام 2000، ومبنى المجمع للطلبة عام 2005، وجامعة الفجيرة عام 2006؛ كما أنشأ سموّه مجلس رعاية التعليم والشؤون الأكاديمية ضمن هيكل حكومة الفجيرة المحلية بالمرسوم الأميري رقم “4”، كما شهدت إمارة الفجيرة نهضة واسعة في بناء المدارس من جميع الاختصاصات العلمية، ووجه سموّه جميع المؤسسات إلى ضرورة التركيز على تنمية المواهب الشابة وتدريب الكوادر وإقامة ورش العمل من أجل صقل المهارات.
( الثقافة هوية المجتمع )
الثقافة والتعليم مقومّان ضروريان في بناء الكوادر واكتشاف المواهب واستقطاب المبدعين، استراتيجية رسمها صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، وطلب من جميع المؤسسات الالتزام بها؛ وخلال سنوات بسيطة، اشتُهرت الفجيرة بإطلالاتها العالمية في الفنون المختلفة، فأصبحت مقصداً للمبدعين في العالم الذين راحوا يقدمون أعمالهم الجديدة في المسرح والأدب والموسيقى وكافة أنواع الفنون، على منابر الإمارة التي رعت الكثير من المهرجانات العالمية في فنون الأدب والموسيقى والمسرح وغيرها، ومنها مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما، ومهرجان الفجيرة الدولي للفنون، وملتقى الفجيرة الإعلامي، إلى جانب نشاطات مدينة الفجيرة للإبداع، وهيئة الفجيرة للثقافة والاعلام، التي أصبحت جميعها وجهة للفنانين العرب والعالميين من مختلف الدول؛ كما نشطت في الإمارة، عمليات الطباعة والنشر وإصدار الكتب والمجلات، إلى جانب المواقع الالكترونية والمسابقات التحفيزية للمبدعين التي خصصت مكافآت قيمة من أجل دعم التأليف والأعمال الفنية في جميع الاختصاصات.
( الرياضة حياة )
العقل السليم في الجسم السليم؛ حقيقة عمل على ترسيخها صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، وقد حرص سموه على إيلاء الرياضة أهمية خاصة عبر إقامة النوادي وإنشاء الملاعب وتأسيس الفرق وتنظيم البطولات الكبيرة؛ واليوم أصبحت الفجيرة صاحبة مركز متقدم في جميع الألعاب على المستوى العربي والدولي.
وحققت إمارة الفجيرة إنجازات كبيرة بفضل توجيهات صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، وقد تنامت سُمعتها دولياً في مجال تنظيم البطولات الدولية لمختلف أنواع الرياضات، ومنها بطولات كمال الأجسام، والرياضات الذهنية، والبطولات البحرية الدولية التي ينظمها نادي الفجيرة للرياضات البحرية، كما دعم سموّه نادي الفجيرة الرياضي منذ تأسيسه، وأمر سموّه في 2019 بإنشاء استاد نادي دبا الفجيرة الرياضي بكلفة تصل إلى 100 مليون درهم .
كما حققت الألعاب القتالية في إمارة الفجيرة أرقاماً قياسية بفضل دعم صاحب السمو حاكم الفجيرة لتنظيم بطولات ألعاب الدفاع عن النفس، وإقامة منافساتها العالمية في الفجيرة على مدار العام، والتي ينظمها ويشرف عليها نادي الفجيرة للفنون القتالية، حيث يشكّل النادي منصّةً عالميةً لمشاركة النوادي والمنتخبات الرياضية العالمية واستقطاب اللاعبين من مختلف دول العالم في البطولات على أرض الفجيرة، مما أسهم، ولايزال يسهم، في تعزيز النشاط الرياضي في الإمارة، وخدمة توجهات دولة الإمارات في هذا المجال.
( المشاركات الدولية )
مثل صاحب السمو حاكم الفجيرة، دولة الامارات العربية المتحدة في الكثير من القمم الإسلامية والعربية والمؤتمرات الدولية؛ ففي عام 1991 مثل الإمارات في القمة الإسلامية السادسة في العاصمة السنغالية داكار وكانت مخصصة للقدس الشريف وتكريس الوئام والوحدة بين الدول الإسلامية؛ وفي عام 2000 مثل سموه الإمارات في القمة الإسلامية التاسعة التي أكدت تضامن الشعوب الإسلامية مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني من أجل استرداد حقوقه؛ وعلى المستوى العربي، مثل صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، دولة الإمارات في العديد من القمم العربية، مثل قمة تونس عام 2004، التي أكد خلالها العرب تمسكهم بالإصلاح ودعم القضية الفلسطينية، وفي عام 2005 شارك سموه في القمة العربية بالجزائر التي أكد فيها القادة العرب الالتزام بمبادرة السلام العربية واحترام وحدة وسيادة العراق.
وتوالت مشاركات سموه في القمم العربية التي عقدت في الدوحة عام 2009، وفي الكويت عام 2014، وفي مصر عام 2015، وفي نواكشوط عام 2016؛ كما كان لسموه مشاركة بارزة وفاعلة في القمة العربية الأوروبية الأولى بمصر عام 2019 تحت شعار “الاستثمار في الاستقرار” وهي الأولى من نوعها بين الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي؛ وقد شارك سموه قبل ذلك في الكثير من القمم والمؤتمرات الدولية منها “قمة الألفية” في نيويورك وهي أكبر تجمع لرؤساء الدول والحكومات؛ وخلالها ألقى سموه كلمة أضاء فيها على مواقف دولة الإمارات الاستراتيجية من مختلف الشؤون العالمية. كما مثل سموّه دولة الإمارات في مؤتمر حوار الأديان الذي عقد في نيويورك عام 2008، ومؤتمر القمة العالمية للتنمية المستدامة الذي عقد في جنوب أفريقيا عام 2002؛ ومن أحدث مشاركات صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي، كانت في مؤتمر الأمم المتحدة الخامس المعني بأقل البلدان نمواً والذي عقد في دولة قطر عام 2023، تحت شعار “من الإمكانيات إلى الازدهار”.
( عطاء لا ينضب )
زائر الفجيرة اليوم، يكتشف أن تسعة وأربعين عاماً حافلة بالعمل الدؤوب مرّت على هذه الإمارة الوادعة، وقد جعلتها تبدو حديثة متطورة وفي الوقت نفسه عربيةً أصيلة؛ مسيرة زاخرة بالعطاء والعمل الصادق والجاد من أجل خير الأرض والإنسان، قضاها صاحب السمو الشيخ حمد بن محمد الشرقي عضو المجلس الأعلى حاكم الفجيرة، الذي أنجز بكل إخلاص مرحلة الأب المؤسّس وأكمل مرحلة الازدهار ومازال يتابع مسيرة العطاء الحضاري حتى يتمكن الجيل الجديد من إكمال الطريق ويكون على حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه.. لهذا كله، تسمى الفجيرة بلؤلؤة الإمارات الساحرة، التي تشعّ بثقة بين بحر العرب وسلسلةٍ من الجبال الشماء. فهنا التاريخ، والمستقبل، وهذا النور سيبقى هداية للأجيال.
وام