يقول المثل الشعبي الإماراتي: «إذا بغيت الجود دق أهله»، أي إن أردت أن تُكرم فاطرق باب الكرام، ولأن رمضان شهر الخير والعطاء، فإن «الجود الإماراتي» يتجلى خلال أيامه المباركة، بأحسن ما يكون، عبر التمسك بعادات وتقاليد المجتمع الأصيل، التي تُبعث في ربوع الدولة، ومن أبرزها عادة الإفطار الجماعي في «الفِريج»، التي ليس شرطًا أن تطرق الأبواب للاشتراك فيها، بل إن «خيرها» سيصلك أينما كنت إذا كنت من «الجيران».

ولإفطار أهالي الفريج الواحد معاً، تُحضِّر كل أسرة وجبة ما، ثم يجتمع الرجال في ساحة الدار، والنساء والأطفال في ساحة أخرى، حتى يُرفع الأذان، فيذهب الظمأ وتبتل العروق في جو من المحبة والألفة.

ورغم ما يتسم به العصر من سرعة وحداثة، لم يترك الإماراتيون هذه العادة الأصيلة، إذ يشاركون بعضهم بعضًا في الشهر الفضيل «العيش والملح»، ويتبادلون «السوالف» بعد الإفطار والتراويح إلى وقت متأخر.

وقديماً كان الموسرون من «أعيان الفرجان» يتولون تحضير هذه المائدة، بحيث تحل بركة الشهر الفضيل على الجميع، أما الآن فيشترك جميع أو معظم سكان الفريج في تحضير المائدة الجماعية.

وإذا نظرت الى «مائدة الفريج» الرمضانية، ستجد عليها كل ما لذ وطاب من أكلات تشتهر في الشهر الفضيل، وعلى رأسها «الهريس» و«المكبوس» و«البلاليط»، وتتنافس السيدات على تقديم أفضل وجبة، وهو تنافس يسوده الود وروح الأسرة الواحدة.

صحيح أن عادة الإفطار الجماعي غابت في المناطق التي امتلأت بالبنايات الشاهقة، لكنها لا تزال متبعة في المناطق التي تتواجد فيها بيوت، وتقطنها أغلبية إماراتية، وقد يجتمع على الإفطار الأشقاء العرب والمسلمون مع أشقائهم الإماراتيين، إن كانوا ممن يقطنون الفريج ذاته.

ويستمر «الإفطار الجماعي» طيلة أيام الشهر الفضيل، في عادة تبدو «عابرة للزمن»، لا تتأثر بالتطورات الاجتماعية، بما يؤكد رسوخ التقاليد فيما يمكن أن نسميه «الجينات الثقافية والحضارية» للمجتمع الإماراتي.

ويعد إفطار الفريج مصدرًا لفرحة الأطفال بشكل خاص، حيث يتجمعون في ساحات الدور ليلعبوا بعد الإفطار ألعابًا تراثية على غرار لعبة «التيلة»، وهي كُرات زجاجية صغيرة وملوّنة، يسعى الأطفال لكسب أكبر عدد منها، عبر التسديد على صفوفها من بعيد بواحدة منها.

وفي هذا الأجواء تمضي أمسيات الشهر الفضيل، ما بين «اللقمة الهنية» التي تكفي مئة، والعبادة بقلوب صادقة خاشعة، وموائد النساء العامرة، وضحكات الأطفال الصادحة.

البيان