مع بداية كل يوم دراسي، تنطلق الحافلات المدرسية في أنحاء إمارة أبوظبي، تنقل عشرات الآلاف من الطلبة إلى مدارسهم؛ وبين المقاعد وأصوات الأطفال، تقف مشرفة الحافلة عنصراً أساسياً في ضمان السلامة والانضباط داخل الحافلة. ورغم أن مهنتها قد تبدو سهلة في ظاهرها، فإن الواقع يحمل الكثير من التحديات اليومية التي لا يراها كثير من الناس.
مشرفة الحافلة ليست مجرد مراقِبة، بل مرشدة، ومسؤولة، وأم أخرى في بعض اللحظات، خصوصاً حين يتعلق الأمر بالطلاب الصغار أو أصحاب الهمم، الذين يحتاجون إلى معاملة خاصة وعناية مضاعفة، أكثر من الآخرين. وتواجه المشرفات مواقف متنوعة تتطلب صبراً وسرعة بديهة، بدءاً من تهدئة طفل يبكي ويصرخ، مروراً بفهم احتياجات الطلاب ذوي الهمم، وصولاً إلى طلاب كبار يتطلبون الحفاظ على الانضباط دون تجاوز الحدود التربوية.
دور محوري
«الخليج» التقت عدداً من مشرفات الحافلات ومديري المدارس الذين أكدوا أهمية هذا الدور المحوري، وتحدثوا عن طبيعة العمل اليومية للمشرفات، ومسؤولياتهنّ في متابعة الطلبة منذ صعودهم إلى الحافلة حتى عودتهم إلى منازلهم. كما أشاروا إلى التحديات التي يواجهونها، والحاجة إلى تدريب مستمر ودعم نفسي لضمان أداء المهام بكفاءة ومسؤولية.
12 مسؤولية
ويتوجب على كل مشرفة حافلة مدرسية 12 مسؤولية وهي: عدم السماح للطلاب بالوقوف أثناء سير الحافلة. والتأكد من جلوس جميع الطلاب أثناء سير الرحلة وربط أحزمة الأمان. والتأكد من خلوّ الحافلة من الطلاب عند وصولها نقطة النهاية. وعدم السماح بنزول أي طالب دون سن 11 سنة من الحافلة، عند نقطة الوصول، قبل التأكد من وجود ولي أمره أو من ينوب عنه لاستقباله، وإبلاغ المدرسة في حال عدم وجوده، تمهيداً لإعادته إلى المدرسة بعد توصيل باقي الطلاب إلى وجهاتهم. وضبط أي إساءة تصرف من الطلاب والحرص على سلامتهم أثناء الرحلة وإبلاغ منسق النقل المدرسي عن أي حادثة. والتأكد من خلوّ مداخل الحافلة ومخارجها وممراتها، بما في ذلك مخرج الطوارئ من أي عوائق أثناء الرحلة. ومرافقة الطلاب عند اضطرارهم لعبور الطريق. والمساعدة في إخلاء الحافلة في الحالات الطارئة. والتأكد من اتباع إرشادات الجهات المصنّعة لمقاعد الحافلات المخصصة لنقل أطفال الحضانات دون سن الرابعة. وعدم تناول الطعام والشراب أو استخدام الهاتف أثناء وجود الطلاب في الحافلة. والمحافظة على مظهرها العام والالتزام بارتداء الزي الرسمي أثناء تقديم الخدمة. وإبراز تصريح مزاولة المهنة للمفتشين المخولين عند الطلب.
اختيار المشرفات
وأوضحت هالة مصطفى، مساعدة مديرة مدرسة، أن اختيار المشرفات وفق معايير دقيقة، أبرزها أن تكون المرشحة ضمن فئة عمرية مناسبة، وتتمتع بمستوى تعليمي يؤهلها للقراءة والكتابة، وإتقان العربية والإنجليزية. وتكون قادرة على التعامل مع المنصات الإلكترونية، خصوصاً «سلامة»، التي تُستخدم لتسجيل الحضور والغياب يومياً. كما أشارت إلى أهمية امتلاك المشرفة لشخصية هادئة وثابتة، لتتمكن من التعامل مع تنوع الشخصيات والجنسيات بين الطلبة في الحافلة.
دورات تدريبية
وقالت إن مشرفات الحافلات لا يباشرن عملهنّ إلا بعد اجتيازهن دورات تدريبية متخصصة، موضحة أن إصدار تصريح العمل للمشرفة يتطلب حصولها على ترخيص عبر التدريب في «مدرسة الإمارات لتعليم القيادة»، وهذه الدورات تشمل اختبارات تقيِّم مدى إلمام المشرفات بجميع الجوانب المتعلقة بأمن الطلاب وسلامتهم، بما في ذلك إجراءات الصعود والنزول الآمن، وآليات التواصل مع أولياء الأمور والسائقين، لضمان بيئة نقل مدرسي آمنة ومنظمة.
وأضافت، أن إدارة المدرسة تتعامل بجدية مـــــع أي شكوى ترد من مشرفات الحافـــلات، حيث يستدعى فوراً الطالب المعني ويتم التحقق من الواقعة بالتعاون بين المختصة الاجتماعية ومنسق الحافلات، والإجراء المتّبع يعتمد على طبيعة الموقف؛ ففي حال كانت المــخالفة خفيفة، يوجّه تنبيه إلى الطالب بعدم تكرار السلوك. أما إذا كانت الحادثة أكثر خطورة، فيستدعى ولي الأمر، لاتخاذ ما يلزم.
وأكدت هالة مصطفى، أن أداء المشرفات يخضع لتقييم دوري من منسق الحافلات في المدرسة، والذي يحافظ على تواصل مستمر مع سائقي الحافلات لمتابعة أداء المشرفات. مشيرة إلى أن التقييم لا يقتصر على الإدارة فقط، بل يشمل آراء أولياء الأمور أيضاً. فضلاً عن ملاحظات الطلاب أنفسهم، حيث تُؤخذ هذه الملاحظات في الحسبان، ضمن أكثر من مستوى من المتابعة والتقييم، بما يضمن جودة الأداء وتحقيق بيئة نقل آمنة وسليمة.
سلامة الطلبة
وأكدت المشــــرفة فـــوزية الهنائي، أن المسؤولية لا تقـــــتصر على نقل الطلبــة من منازلهم إلى المدرسة والعكس، فقط، بل الحـــفاظ على أمنهم وسلامتـــــهم طوال الرحلة. ومهام المشرفة تبدأ من لحظة صـــــعود الطالب إلى الحافلة حتى تسليمه لولي أمره؛ وتشمل تنظيم الجلوس، والتأكد من ربط أحزمة الأمان، وضبط الهدوء، والتأكد من خلوّ الحافلة من الطلبة أو مقتنياتهم بعد انتهاء الرحلة.
أبرز التحديات
وقالت: «من أبرز التحديات اليومية التي نواجهها هي سلوك بعض الطلبة المزعجين الذين لا يلتزمون بالقوانين، مثل الوقوف أثناء سير الحافلة أو رفض ربط الحزام، ما يشكل خطراً على سلامتهم وسلامة الآخرين. ونتعامل مع مثل هذه التصرفات، بالتوجيه والنصح. وإن لم يستجب الطالب، نملأ ورقة سلوك ونبلغ إدارة المدرسة لاتخاذ اللازم».
وأشارت إلى أهمية تنظيم دورات توعية لأولياء الأمور من الجهات المختصة، للإضاءة على التحديات التي تواجهها المشرفة خاصة مع الأطفال دون سن 11 عاماً، مثل تأخر الأهل في استقبال أبنائهم عند العودة من المدرسة، خصوصاً يوم الجمعة. داعية الأهالي إلى تعزيز ثقافة احترام المشرفة بين الطلبة، بعد ملاحظة ضعف في هذا الأمر. حيث يصل أحياناً إلى التطاول، وهنا تأتي أهمية التوعية الأسرية في غرس قيم التقدير والانضباط.
ضعف الرواتب
وأشارت المشرفة زينب مصطفى، إلى أنها تتعامل مع طلبة الحلقة الثانية، ممن تقل أعمارهم عن 10 سنوات، وتستخدم أساليب التحفيز واللين في توجيههم. مؤكدة أن المشرفة تلجأ إلى المختصة الاجتماعية عند تكرار السلوكات السلبية، حيث يعبّأ نموذج سلوك الطالب وتوقّعه الجهات المختصة. ثم يُرفع إلى إدارة المواصلات لاتخاذ الإجراء اللازم في حال تكرار السلوك أكثر من ثلاث مرات.
وأوضحت أن التحديات لا تقتصر على الطلبة فقط، بل تشمل التعامل مع أولياء الأمور أيضاً، خاصة فيما يخص الالتزام بمواعيد الاستقبال والتسليم، إلى جانب صعوبة التنقل مع العدد الكبير من الطلبة، ومن ضمنهم أصحاب الهمم، الذين يمثلون تحدياً إضافياً يتطلب تركيزاً ومتابعة دقيقة.
وقالت إن إدارة المدرسة تثمّن جهود المشرفات، وتحرص على الإشادة بهنّ، إلا أن الدعم المادي لا يرقى لحجم الجهد، حيث إن الراتب قليل جداً مقارنة بما نبذله من عمل ومسؤولية. وروت زينب، موقفاً قائلة إنها تعـــرضت للنقل من مدرستها بسبب شكوى من أحد أولياء الأمور، رغم إثبات براءة موقفها بكاميرات الحافلة، ولكن للأسف، تم استبعادي رغم أن الخطأ كان على الطالب، وقيل لي إن الزبون دائماً على حق، وهذا محبط جداً، مطالبة بمنح المشرفات حقوقهن كاملة، وتقدير حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهن.
أمان الطالب
وأكدت عبلة الباري، مشـــرفة حافلة، أنهـــــا تـــحرص على استلام الطلـــبة وتسلــــيمهم «يداً بيد» لضــــمان وصــــولهم بأمان إلى داخل المدرسة. مشيرة إلى أنها تتفاعل مع الحالة المزاجية لكل طالب بما يتناسب مع وضعه اليومي. وقالت: أواجه تحديات يومية تتعلق بكيفية التعامل مع الطلبة، خصوصاً أن القوانين تمنع أي احتكاك أو استخدام للعنف، ما يتطلب الحذر الشديد طوال الرحلة من وإلى المدرسة.
وأضافت أنها مسؤولة عن طالب من أصحاب الهمم، وتتمكن من التعامل معه والسيطرة على المواقف التي قد تطرأ. مشددة على أن الإجراءات اللازمة تُتخذ فور حدوث أي طارئ، يليها التواصل مع أحد الوالدين.
وأوضحت أن أولياء الأمور يثمّنون جهودها مادياً ومعنوياً. والنظام المتبع حالياً يُسهم في تأمين الطالب حتى نهاية اليوم الدراسي، وهو نظام جيد ولا يحتاج إلى تعديل.
تدخل سريع
قال الطالب أحمد جمال رئيسي، من الصف الأول، إن مشرفة الحافلة التي ترافقه تتّسم بالحزم في حالات الفوضى، وتحرص على التدخل السريع عند حدوث أي مشاجرات بين الطلبة، وتتعامل بلطف مع المنضبطين، ووجودها مهم، لاسيما في الحالات التي تستدعي المساعدة.
«أبوظبي للتنقل»: ضرورة وجود تصريح مزاولة للمهنة
أكد مركز النقل المتكامل «أبوظبي للتنقل»، أنه لا يجوز نقل الطلاب بحافلات مدرسية، من دون وجود مشرفة. وتكون موظفة عينتها المدرسة، وصادر لها تصريح من الجهات المعنية، ولا يجوز لأي مشغل التوظيف، أو الاستعانة بأي امرأة للعمل مشرفة حافلة مدرسية ما لم تكن حاصلة على تصريح مزاولة مهنة «مشرفة حافلة مدرسية» من دائرة البلديات والنقل، بعد إنهائها التدريب الذي قررته الدائرة للمشرفات، ويشترط لإصدار التصريح تقديم طلب إلى الدائرة من المشغل مستوفياً الشروط المقررة لذلك.
الخليج