يسدل معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية مساء اليوم الأحد الستار على فعاليات دورته الـ22، التي حملت في طياتها مزيجاً من العراقة والحداثة، ونجحت في استقطاب عشرات الآلاف من الزوار على مدار أسبوع كامل، وسط مشاركة محلية وإقليمية ودولية واسعة عززت مكانة الحدث كأكبر منصة من نوعها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
ومنذ انطلاقته الأولى قبل أكثر من عقدين، حرص المعرض على أن يكون أكثر من مجرد فعالية تجارية أو سياحية، بل جسّد رسالة وطنية تعكس اهتمام دولة الإمارات بصون التراث وتعزيز الهوية الوطنية، من خلال تسليط الضوء على الرياضات الأصيلة، مثل الصقارة والفروسية والرماية والصيد البرّي والبحري، إلى جانب الفنون والحرف التقليدية.
وتواصل دورة 2025، التي تقام تحت رعاية سمو الشيخ حمدان بن زايد آل نهيان، ممثل الحاكم في منطقة الظفرة، رئيس نادي صقاري الإمارات، هذا النهج الراسخ لتأكيد دور أبوظبي كعاصمة للثقافة والتراث على مستوى العالم.
إقبال جماهيري
وشهد اليوم ما قبل الختامي من المعرض، الذي تنظمه مجموعة «أدنيك»، إحدى شركات «مدن»، بالتعاون مع نادي صقاري الإمارات، حضوراً جماهيرياً استثنائياً منذ ساعات الصباح الأولى، حيث ازدحمت قاعات مركز أبوظبي الوطني للمعارض بالزوار من مختلف الفئات العمرية والجنسيات.
وتركزت أنظار الجمهور بشكل خاص على أجنحة الصقور والتخييم والفروسية، التي عكست شغف الإماراتيين والمقيمين بالتراث، فيما شكّلت «الأرينا» للأنشطة الحية ساحة حيوية لتجارب الصيد الافتراضي والعروض التفاعلية التي جمعت بين الترفيه والمعرفة.
وأكد العارضون أن الإقبال الكبير في اليوم قبل الأخير يعكس المكانة المرموقة للمعرض، كحدث بات ينتظره الجمهور سنوياً، ليس فقط للتسوق أو التعرف على أحدث المنتجات، بل للاستمتاع بالأجواء التراثية الغنية والأنشطة العائلية التي تميزه عن غيره من الفعاليات.
صون التراث وتعزيز الهوية
ولم يكن نجاح المعرض مقصوراً على الأرقام الكبيرة للزوار أو حجم المشاركة القياسية، بل ظهر في قدرته على تجسيد الهوية الوطنية الإماراتية، وإبراز أهمية التراث كجسر يربط الماضي بالحاضر والمستقبل.
وفي جناح «قصر الحصن»، عاش الزوار تجربة ثقافية غنية عبر ثلاثة أقسام رئيسية تناولت تاريخ الصقارة وصورها المرتبطة بالحكام، إضافة إلى إبراز إرث الصقارة كرمز ثقافي عالمي. وقد استوقف الحضور عرض القصائد الشعرية المكتوبة على اللوحات، ومنها قصائد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، التي تناولت الصيد والصقارة، إلى جانب قصائد لرموز الشعر الإماراتي، مثل ربيع بن ياقوت ومانع سعيد العتيبة.
وقال خالد الحوسني، من فريق «قصر الحصن»: «حرصنا على أن يكون الجناح نافذة على تاريخ الإمارات وثقافتها الأصيلة، من خلال مقتنيات نادرة، مثل جوازات سفر خاصة بالطيور، تؤكد مكانة الصقر في الذاكرة الوطنية».
وتجلت قيمة التراث أيضاً، في عروض الفروسية التي استقطبت اهتمام الزوار، حيث تألقت ساحة العروض بعرض 36 حصاناً من أبرز الفحول والأفراس التي حققت إنجازات مرموقة محلياً ودولياً. كما شكل مزاد الخيول العربية حدثاً بارزاً جمع المربين والمهتمين من مختلف أنحاء العالم، مؤكداً على مكانة الإمارات كمركز عالمي لرياضة الخيل الأصيلة.
منصة للمعرفة
إلى جانب العروض التراثية، قدّم المعرض هذا العام زخماً معرفياً لافتاً، حيث استقطبت منصة «المعرفة» الزوار الباحثين عن التثقيف والتجربة الحية. ومن بين أبرز الفعاليات، ورشة عمل «النقاط السوداء» التي نظمتها شرطة أبوظبي لمناقشة التحديات المرورية وتقديم حلول مبتكرة للسلامة العامة. كما شهدت المنصة جلسات متخصصة في مجال صحة وتغذية الخيول والإبل، إضافة إلى ورش حول رعاية الحيوانات الأليفة.
وفي لفتة تعكس تمكين المرأة الإماراتية، سلطت المنصة الضوء على قصص نجاح رائدات الأعمال الإماراتيات اللواتي قدمن إسهامات بارزة في مجالات التراث والابتكار وريادة الأعمال، مما منح الزوار نصيباً من الإلهام والتحفيز.
حدث اقتصادي
لم تغب القيمة الاقتصادية عن المعرض، إذ وفر منصة فريدة جمعت المصنعين والموردين المحليين والعالميين، الذين عرضوا منتجات متنوعة من معدات الصيد والتخييم إلى السيارات المتخصصة والمقطورات الحديثة.
وقال وليد يوسف، مدير عام شركة «إيه آر بي الإمارات»: «نشارك للعام السادس عشر على التوالي، واحتفلنا هذا العام بمرور 50 عاماً على تأسيس الشركة. المعرض بالنسبة لنا ليس مجرد فرصة لعرض المنتجات، بل للتواصل المباشر مع عملائنا وتعزيز الشراكات طويلة الأمد».
وقد أكد العارضون أن الإقبال الكبير على أجنحتهم يعكس نمو السوق المحلي والإقليمي في مجالات الصيد والرحلات والمغامرات الخارجية، مما يجعل المعرض منصة استراتيجية للتوسع والتطوير.
مزاد الصقور بيع 41 صقراً بإجمالي 1.66 مليون درهم
تجربة عائلية
لم ينسَ المعرض جمهوره من العائلات والأطفال، حيث وفّر جناح «ماجد» التابع لشركة أبوظبي للإعلام مساحات تفاعلية للأطفال تضمنت أنشطة الرسم والتلوين وتجربة حمل الصقور، إضافة إلى محاكاة شخصيات المجلة الشهيرة، في أجواء جمعت بين الترفيه والتعليم.
كما استمتع الجمهور بعروض حيّة مبهرة في «الأرينا»، مثل عرض السلوقي العربي وعرض الصيد بالنسور على الطريقة المنغولية، إلى جانب العرض الموسيقي لفرقة شرطة أبوظبي، الذي أضفى طابعاً احتفالياً على أجواء اليوم قبل الأخير.
ومع اقتراب إسدال الستار على نسخة 2025 اليوم، يترقب الجمهور أن يشهد اليوم الختامي باقة من الأنشطة والفعاليات التي تختصر رحلة أسبوع كامل من الفخر الوطني والمتعة الثقافية والترفيهية.
ولقد أثبت معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية مرة أخرى أنه أكثر من مجرد حدث سنوي، بل هو منصة وطنية جامعة تُعزز الاعتزاز بالهوية الإماراتية، وتُبرز للعالم التزام الدولة بصون تراثها ونقله إلى الأجيال القادمة، في الوقت الذي تفتح فيه الأبواب للابتكار والشراكات الدولية.
العربات والكرفانات الذكية
تقدّم العربات المتنقلة والكرفانات في معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية هذا العام نموذجاً متكاملاً للابتكار والتصميم الذكي، حيث تجمع بين الاستدامة والتكنولوجيا الحديثة لتلبية احتياجات عشاق الرحلات البرية والباحثين عن تجربة سكن متنقل مريحة.
وعرضت شركة ماستر تريلا، مجموعة متنوعة من الكرفانات بمختلف الأحجام والأسعار، مع التركيز على الجودة والتصميم العصري الذي يوفر كل وسائل الراحة.
ويشير محمد صدر، مدير المبيعات، إلى أن الشركة تنتج كرفاناتها في الورشة التابعة لها باستخدام الفايبر الذي يحافظ على درجة حرارة داخلية مناسبة ويمنع الحرارة من الدخول، مؤكداً أن الشركة تمثل خبرة تقارب 40 عاماً وتسعى لتوطين صناعة الكرفانات في الإمارات.
وشاركت شركة بليس موبيل الهولندية بجناح يعرض سيارتها المتنقلة الاستكشافية، وهي مركبة ضخمة صممت للوصول إلى مختلف التضاريس، مثل الصحراء والغابات وسفوح الجبال.
وتشارك شركة صولد اينوفيشن للمرة الثالثة في المعرض، مقدمة كرفانات مصنعة بالكامل داخل الإمارات باستخدام الألمنيوم بدلاً عن الفايبر، لما يتمتع به من مقاومة للصدأ والتآكل وظروف الجو القاسية، مما يجعل الكرفانات أطول عمراً وأكثر متانة.
سيف وخيل عربي من الذهب
تواصل دولة الإمارات تعزيز مكانتها كمركز عالمي للتراث والابتكار من خلال المعرض الدولي للصيد والفروسية بأبوظبي، الذي أصبح منصة رائدة لدعم المشاريع الوطنية وريادة الأعمال، ووجهة أساسية للشركات المحلية والعالمية لعرض منتجاتها المبتكرة والفاخرة أمام جمهور متنوع من عشاق التراث والفروسية.
وتشارك شركة أكسنت للدعاية والإعلان للعام الثالث على التوالي في المعرض، مقدمة تحفاً فاخرة مستوحاة من التراث الإماراتي.
وتمثلت أبرز معروضاتها هذا العام في سيف عربي من الذهب عيار 24 قيراطاً، استغرقت صناعته اليدوية نحو 4 أشهر بسعر 30 ألف درهم، إلى جانب تماثيل لصقور وخيول بالأحرف العربية وماء الذهب، وتشكيلة من العُصي التراثية المصنوعة من الكاربون فايبر، التي تجمع بين المتانة وخفة الوزن.
وأكد محمد عبدالفتاح أبوسفاقة، مدير المشاريع في الشركة، أن المعرض يمثل منصة عالمية للتراث والابتكار، ويتيح للشركات الوطنية فرصة عرض ابتكاراتها أمام جمهور محلي وعالمي مع نقل الإرث الإماراتي الأصيل للأجيال القادمة.
من جانبها، أشارت علا ترعاني، مديرة العلاقات العامة، إلى أن الشركة وسعت أعمالها هذا العام بافتتاح مصنع متخصص بالجلود وتصنيع البوكسات الخشبية والجلدية تحت شعار «أصنع في الإمارات»، تأكيداً على دعم الصناعة الوطنية وتعزيز ريادة الأعمال.
تطبيق «سواري»
في خطوة نوعية تجمع بين شغف الفروسية والتكنولوجيا الحديثة، استعرض ثلاثة شبان إماراتيين مشروعهم المبتكر «تطبيق سواري» خلال فعاليات معرض أبوظبي الدولي للصيد والفروسية 2025، ليكون أول تطبيق ذكي يعتمد على الذكاء الاصطناعي للكشف المبكر عن العرج في الخيول.
وأوضح أحمد الملا، الشريك المؤسس لتطبيق سواري، أن الفكرة انطلقت من الحاجة العملية لمراقبة صحة الخيول بشكل دقيق.
وقال: «لاحظنا صعوبة اكتشاف العرج بعد مشاركات الخيول في المسابقات، فعملنا على تطوير نظام ذكي يمكنه تحليل حركة الخيل بدقة بالغة، وتقديم معلومات واضحة للمدربين وأصحاب الخيول حول أي خلل أو إصابة محتملة».
وأضاف: إن النظام يقوم على إدخال مقاطع فيديو لحركة الخيل من زوايا متعددة، حيث يقوم الذكاء الاصطناعي بتحليل الحركة، ويحدد أماكن الخلل بدقة، مصحوبة بصور وبيانات تساعد على تقييم الحالة.
الاتحاد