تواصلت، أمس، فعاليات معرض موسكو الدولي للكتاب الـ 32 التي تحل فيها الشارقة ضيفاً مميزاً لتكون بذلك أول مدينة عربية يحتفى بها في تاريخ المعرض، ولتكون سفيرة للثقافة العربية، ممثلةً في الثقافة الإماراتية، التي حضرت في أوعية الثقافة المتنوعة؛ الكتاب، والندوة، والجلسة الحوارية، والأمسية الشعرية، والعروض الفولكلورية والتراثية التي تألقت طبولها ودفوفها وأهازيجها الشعبية، ليحتشد حولها جمهور غفير من الروس في الساحة الحمراء.
أما في اتحاد الكتاب الروس فكان الدور الثقافي لصاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى للاتحاد حاكم الشارقة محل إشادة اتحاد الكتاب الروس الذي استقبل وفد إمارة الشارقة المشارك في المعرض.
بالتزامن مع احتفائها بعيد ميلادها الـ 872، سهرت العاصمة الروسية موسكو على إيقاع الطبول والدفوف الإماراتية، التي أطلقتها فرقة الشارقة الوطنية أمام زوار الساحة الحمراء، فمن قلب معرض موسكو الدولي للكتاب، وحتى مسرح غوركي العريق وصولاً إلى أبرز المعالم السياحية، كانت موسكو تحتفي بالثقافة العربية والإماراتية عبر بوابة الشارقة، وكان الكتاب والفنانون والمبدعون الإماراتيون حاضرين أمام الجمهور الروسي.
حملت فرقة الشارقة الوطنية، ضمن فعاليات نظمها معهد الشارقة للتراث، ذاكرة الإمارات إلى شوارع موسكو، وبالأهازيج وعروض الأداء جسدوا رحلات صيادي اللؤلؤ الأوائل، وعبروا رقصاً وغناء عن قسوة الصحراء وحرارتها في بلاد الصقيع القارس.

لقاء فتعارف فإشادة
وفي اليوم قبل الأخير من المعرض، استضاف اتحاد الكتاب الروس، وفد إمارة الشارقة، بحضور أحمد بن ركاض العامري رئيس هيئة الشارقة للكتاب، ونيكولاي إفانوف رئيس الاتحاد، وإيجور يانين، نائب رئيس الاتحاد، وبافيل كرينف، الأمين العام للاتحاد، وكانتا ابراجيموف رئيس اتحاد كتاب جمهورية الشيشان، إلى جانب مجموعة من الأدباء والشعراء الإماراتيين والروس.
وجاء اللقاء بدعوة من اتحاد الكتاب الروس بهدف الاحتفاء بالتجربة الإبداعية الإماراتية، وتعزيز العلاقات الثقافية بين الجانبين، وفتح أفق التعاون والعمل المشترك على الصعيد الثقافي.
وأكد العامري أن رؤية صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، تدعو إلى تبني الثقافة والفنون والآدب أساساً للعلاقات التي تربط بين شعوب العالم لضمان استدامة منجزات الإنسانية وازدهار واقعها ومستقبلها، موضحاً أن الثقافتين العربية والروسية تحملان الكثير من السمات المشتركة، وأن كل خطوة جديدة على صعيد تعزيز الروابط الثقافية هي ترسيخ للعلاقات التاريخية بين البلدين التي بدأت منذ حوالي 50 عاماً.
وأعرب رئيس اتحاد الكتاب الروس، نيكولاي إفانوف، عن رغبته بالمزيد من التبادل الثقافي بين روسيا والإمارات لإثراء مكتبة البلدين بالإصدارات التي تتناول الثقافة والتاريخ والفنون. فيما أشاد بافل كرينف بدور صاحب السمو حاكم الشارقة، وبأثر التزام سموه بدعم حركة الترجمة على تعزيز العلاقات بين المراكز الثقافية العالمية، معتبراً أن الشارقة تمثل أحد عناوينها الرئيسية.
وتسلم العامري، من رئيس الاتحاد، نسخة فضية من كتاب للشاعر الروسي الكبير بوشكين، وبدوره سلمه كتابين، أحدهما حول تاريخ طباعة القرآن الكريم، والثاني عن الخيول العربية في روسيا.

أثر التكنولوجيا على الثقافة
وفي جلسة حوارية جمعت بين أدباء وشعراء روس وإماراتيين، دار الحديث حول أثر التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي على مصير العلاقات الثقافية بين الشعوب ومستقبل سوق الطباعة والنشر والتوزيع، وفيها أكدت صالحة غابش أن الفضاء الرقمي منح الكتاب فرصة ثمينة للوصول إلى الجمهور بتكاليف وجهد أقل، وأشارت إلى أن التقنيات الحديثة قادرة على إيصال المنتج الفكري والأدبي، بما يمثله من هوية وتاريخ للأمم، إلى أي فرد في هذا العالم بسرعة وسهولة. فيما اعتبر الدكتور محمد بن جرش أن العالم ذاهب نحو مرحلة ستغير فيها التقنيات قواعد سوق الطباعة والنشر والتوزيع، وأشار إلى أن مستقبل العلاقة بين الكتاب الروس والإماراتيين قد يكون منصة إلكترونية تفاعلية ومشتركة بين الطرفين.
بدوره، رأى دينيس يزبونسوف أن التكنولوجيا الحديثة ستعيد إنتاج الأدب الكلاسيكي القديم وتقدمه للأطفال بطريقة جديدة، وهو ما سيعزز الروابط بين الأجيال من ناحية، وبين الثقافات والحضارات من ناحية ثانية. أما إيجور لوفينتش، فعبّر عن قلقه أن يأتي وقت يتولى فيه الذكاء الاصطناعي مهمة كتابة الشعر والرواية والأغنية، وشدد على أهمية التفريق بين توظيف التقنيات الحديثة في تسهيل مهمة الكتّاب والشعراء من ناحية، وبين توظيف هذه التقنيات لتحل محلهم.

عبيد والحمادي.. والدهشة
تحت عنوان «شهادات حية» وبحضور نخبة من الكتّاب والمثقفين الإماراتيين والروس، وصَّفت الكاتبة المهندسة صالحة عبيد، والكاتب الطبيب عمر الحمادي شواغل المثقفين والكتّاب الإماراتيين اليوم، وقدما شهادات حول رؤيتهما للتحولات التكنولوجية المعاصرة وأثرها على الأدب والإبداع، وعلاقة المهندسين والأطباء بالكتابة، إلى جانب الإشارة إلى أهمية النقد وضرورته لفرز الأعمال الجديدة عن سواها من الأعمال.
وقالت عبيد: «إن الدهشة هي التي ستظل تحرك الأدب وهي التي تضمن بقاءه وخلوده، مهما جرى من تحول تكنولوجي وتغير في ذاكرة وواقع المجتمعات في العالم، إذ لن يتمكن الذكاء الصناعي من الإحساس بالدهشة، لذلك حين تنتهي الدهشة ستنتهي البشرية».
بدوره توّقف عمر الحمادي عند أخلاقيات التعبير عن الرأي والكتابة والنقد على مواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أنه على الرغم من أن هذه المنصات وفرت الوقت والجهد وخلقت حالة تفاعل بين القارئ والكاتب، فإنها سمحت للبعض أن يستغلها في النقد الهدّام، وفي التحقير.

الاتحاد