نورة السويدي

قبل أيام قرأنا عن حادثة مؤلمة مؤسفة؛ وأظن أننا سنقرأ عنها بعد أيام وباستمرار، ما دام جرح الإهمال الأسري ينزف تاركاً الفضاء مفتوحاً أمام آفات المجتمع الضارة، لتلوث أطهر ما نملك في حاضرنا وأشرف ما ندخر لمستقبلنا وهم أطفالنا..

القصة باختصار، بدأت حين أرادت إحدى الأمهات أن تدخل إلى أحد مراكز التسوق الكبرى، ورأت أن تترك ابنتها الطفلة وأربعة من أشقائها في سيارتها المفتوحة النوافذ “وكانت الساعة قرابة الثانية عشرة ليلاً”! ليحوم بعد ذلك أحد الذئاب البشرية حول السيارة ويسأل الأطفال عن أسمائهم، ثم يمد يده عبر النوافذ متحرشاً بالفتاة، ولولا أن ضربته وربما علا صراخها لتمادى أكثر من ذلك..

هذه هي القصة في بضع كلمات، وإن كانت بحاجة إلى أسفار كثيرة لوضع النقاط على الحروف، لإظهار حال بعض الآباء والأمهات الذين يسيئون إلى أولادهم قبل أن يتعرضوا للإساءة من الغير، ويظلمونهم قبل أن يُظلموا من كثير من العابثين بطهارة الأطفال.

ومن هنا نرجو أن تتسع صدورنا لنقدنا الذاتي لحالنا مع أطفالنا، وهل نحن جديرون بمسمى الوالدين حين نسمح لمرضى النفوس أن يكسروا جدران العفة لدى أبنائنا؟ وهل نلوم أولئك الذئاب أكثر من لومنا للأسر اللامبالية؟ وأين حقوق الطفل الواجبة صيانتها من جميع أركان المجتمع، بكافة شعبه ومستوياته؟

والمؤلم في مثل هذه المسألة، أن قضايا التحرش بالأطفال أصبحت مطروقة بكثرة خلال السنوات الأخيرة، وكأن الأسر تعتقد على الدوام أن الأمر لا يعنيها، وأنها فوق احتمالات الاعتداء من الآخرين، وأن أطفالها لن ينالهم ما نال الآخرين، لتبقى هذه المتوالية من النفي المتكرر والإنكار اللامبرر، حتى نسمع عن مدرس خصوصي تحرش بطالبه أو طالبته في غيبة الأسرة لساعات عنهما، أو نسمع عن سائق هتك عرض طفل صغير لأن الحافلة كانت لا تقل سواهما، أو صاحب بقالة أو حارس بناية وغيرها..

في تكرار مؤسف لأخطاء تبدأ من نقطة واحدة باستمرار، هي إهمال الوالدين لأبنائهما الصغار، وعدم الاحتراس من تعرضهم لاعتداء أصحاب النفوس المريضة.

لا نريد من هذا أن نوصل رسالة بأن هذه التصرفات قد بلغت حد الظاهرة في مجتمعنا، فهي، والحمد لله، لا تزال تراوح عند مستوى التصرفات الفردية القليلة، إلا أننا في نفس الوقت لا نتساهل ولا نرضى بأن تقع حتى ولو حادثة واحدة من مثل هذا النوع من الحوادث في مجتمعنا ومع أي طفل، سواء من أبنائنا أو أبناء الوافدين المقيمين على أرضنا، لأن أعظم علامة لاستقرار المجتمع أن ينشأ الأطفال آمنين مطمئنين لا تنالهم أيادي السوء.

وأصحاب الاختصاص في هذا المجال يرسمون ثلاثة أركان تستند إليها آفة التحرش؛ أولها وأهمها على الإطلاق ما أشرنا إليه سالفاً وهو الإهمال الأسري، فهو المفتاح الأول والأهم لقضايا التحرش، وإذا تم ضبطه يمكن السيطرة على أكثر من 70% من هذه الحالات.

أما الركن الثاني لقضية التحرش بالأطفال، فهو الثقة المبالغ فيها وغير المبررة، بالخدم والقريبين من الأطفال، بحيث يرى البعض أن العاملين لدى الأسرة بمثابة الآباء أو الإخوة، وننسى أنهم من بيئة أخرى وثقافات مغايرة، وربما نشؤوا في أوضاع اجتماعية لا نعلم خفاياها، ولا نعي إلا عندما يقع المحذور.

وثالث هذه الأركان، هو قلة الوعي عند معظم الأطفال بأساليب المتحرشين، ولو بطريقة بسيطة وغير مفصلة، عبر تعليمهم بألا يستجيبوا لغريب لا يعرفونه، وألا يخوضوا في متاهات الإنترنت بصداقات وهمية، لأنها في الغالب تكون فخاخاً ومصائد تكمن وراءها المصائب.

ولا بد من الإشارة هنا إلى تصرفات تعمق الخوف من انتشار الأمر، وهي تتعلق بتستر الكثير من الأهل على قضايا التحرش التي يتعرض لها أطفالهم، وهو ما تنبه إليه مشروع قانون حماية الطفل، الذي وجه بإطلاقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، حيث ينص في أحد بنوده على إلزامية الإبلاغ من قبل المشرفين في المدارس والأطباء والمربين، عن أية حالات تحرش جنسي وإلا تعرضوا للمساءلة القانونية.

ولا عجب أن تحتل الأسرة المقام الأول من بين المؤثرات التي تتحكم في تشكيل شخصية الطفل سلوكياً ونفسياً، ومن هنا كانت حجر الزاوية في المسؤولية عن رعايته والانتباه له في كل شاردة وواردة تطرأ على حياته سواء فعلاً أو قولاً، وعليهم أخذ الأمور محمل الجد وعدم التهاون فيها، حتى لا يندموا حين لا ينفع الندم.