د خالد الخاجة

لجميع الأطفال دون تمييز الحق في حياة آمنة، وبيئة مستقرة، ورعاية دائمة، وحماية من أي مخاطر أو انتهاكات، كما أن مصلحة الطفل لا بد أن تكون مقدمة على أي مصلحة، وحاجاته الأساسية وحقوقه هي واجب، علينا جميعاً التعاون لتحقيقها.. بهذه الملامح الجلية سطر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، صفحة جديدة في مسيرة الخير والشرف لهذا الوطن، خلال ترؤس سموه جلسة مجلس الوزراء التي تم خلالها اعتماد إصدار مشروع قانون اتحادي في شأن حقوق الطفل.

وأود أن أتوقف عند بعض ملامح هذا التصريح الذي صدر من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لنكتشف ملامح المجتمع الإماراتي التي ربما لا يعرف حقيقتها الجالسون على مقاعد برلمان الاتحاد الأوروبي.

ماذا يعني أن تربي قيادة سياسية أبناءها وتنشئهم على أن لهم حقوقاً مصانة بقانون، وأن النيل منها أو انتقاصها خط أحمر؟ وكيف هو حال الطفل – وهو رجل المستقبل – الذي تمضي به سنوات عمره وقد تربى على أن له حقوقاً منذ أن رأت عيناه نور الدنيا، هل يقبل بعد ذلك التنازل عنها؟ إن مجتمعا ينشئ أجياله، منذ نعومة أظفارهم، على أن لهم حقوقاً غير مسموح تجاوزها، هو مجتمع يحترم الإنسان ويصون كرامته ويجعله حراً منذ صغره، ولا يمكن لمن تربى على أن يكون كريماً محمياً يسمو بإنسانيته التي كرمه الله بها، أن يقبل غير ذلك في كبره، فمن شب على شيء شاب عليه، بل إنه لن يقبل ذلك على الإنسان كونه إنساناً.

لذا فإن هذا الإعلان من جانب صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، يحمل، إلى جانب مضمونه القانوني، مضموناً تربوياً لا يقل في تأثيره عن فحواه.

لذا فإننا لا نستغرب أبداً حين يفتح غيرنا أفواههم من الدهشة، عندما ترسل القيادة السياسية في أعلى مستوياتها طائرة خاصة لمن تلم به ملمة، لحمله سالماً إلى وطنه عندما تضيق به السبل، أو تتابع حادث سير لمواطن خارج حدود وطنه أينما كان، لتطبيبه إلى أن يعود إلى وطنه فيلقى كل الرعاية والعناية.

ثم ماذا يعني أن يتم التوجيه بإعادة تسمية القانون المقترح باسم الطفلة «وديمة» ذات الثماني سنوات، والتي قتلت على يد والدها، ودفنها في الصحراء، فاهتز لها ضمير كل إنسان في الإمارات، واستنفرت القيادة كل الأجهزة الرسمية، وتبنت شقيقتها وكفلتها بالرعاية؟! ذلك يعني أن «وديمة» عنوان لحالة لم يعتد شعب الإمارات مثلها، في الوقت الذي تقع في بلاد أخرى شرقاً وغرباً جرائم أكثر بشاعة من تلك الجريمة، دون أن يهتز لأحد جفن لأنهم اعتادوها.

كما أن التوجيه بإصدار القانون باسم «وديمة» يخلد تلك الحالة في الضمير الإنساني، في الوقت الذي يطمس فيه غيرنا ذلك، وليتردد اسمها عند كل حادثة وفي ساحات القضاء، ويستشهد به المحامون، وليظل رمزاً للحرية والكرامة، والحفاظ على الطفل وصيانة حقوقه.

وفي تقديري أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، عندما قال إن حقوق الأطفال خط أحمر لم يقصر ذلك على مجال بعينه، ولكنه توجيه رسمي لكافة المؤسسات، سواء التعليمية أو التربوية أو الاجتماعية وغيرها، كما أن إنشاء وحدات لحماية الطفل تتمتع بالضبطية القضائية وتمكن من التدخل الوقائي والعلاجي، يؤكد عدم التهاون في انتقاص حقوق الأطفال أو المساس بها.

ورغم أن حقوق الإنسان في أوطاننا، سواء كان رجلاً أو شاباً أو طفلاً، مصانة وموثقة قبل أن يعرفها الكثير من أرجاء الدنيا، بفعل ثقافتنا وحضارتنا وناموس حياتنا ومسلكنا وقيمنا وتربيتنا، وانطلاقاً من قيم الإسلام العظيمة، إلا أن تأطير تلك الحقوق في بنود قانونية من شأنه إرساء تكريس قيمة القانون ودولة القانون التي تهذب السلوك وتوضح لكل صاحب حق الطريق الصحيح الواجب اتباعه للحصول على حقه، وتلك قيمة كبيرة لتحقيق الأمن والعدالة المجتمعية.

لذلك فإن فوز الإمارات بعضوية مجلس حقوق الإنسان للسنوات الثلاث المقبلة، وحصولها على 184 صوتاً، والتي شكلت أعلى نسبة تصويت من تلك التي حصلت عليها مجموعة الدول الأربع الأخرى الآسيوية الفائزة بالعضوية، وأيضاً ثاني أعلى صوت على مجموعة الدول الثماني عشرة الفائزة بعضوية المجلس في دورته الجديدة التي ستبدأ اعتباراً من مطلع العام المقبل، لم يكن محض مصادفة، بل كان تعبيراً عن واقع معاش وحالة قائمة، وعن قناعة المجتمع الدولي بأن ما حدث من إنجازات في مجال حقوق الطفل والمرأة وتعزيز حقوق المواطن والعمال، يستحق أن يكون للإمارات مقعد في هذا المجلس عن جدارة واستحقاق.

وفضلاً عن ذلك، فإن العلاقة بين المواطن والقيادة في دولتنا، هي نموذج من التواصل المباشر الذي تتم من خلاله معرفة الأوضاع التي يعيشونها، وتلمس طموحاتهم إلى حياة كريمة، ومعرفة أوضاعهم المعيشية، ومشاركتهم في أفراحهم وأتراحهم، وهو ما يمثل رداً بليغاً، ليس من أبناء الإمارات، وهم أصحاب الشأن فحسب، بل من المجتمع الدولي كله، على ادعاءات البرلمان الأوروبي بشأن انتهاكات حقوق الإنسان في الإمارات التي قطعت فيها دولتنا شوطاً يفوق الكثير من الدول التي تتشدق بهذه القضية.

ولذلك جاءت تلك الادعاءات صادمة لكل المنصفين من المحللين والخبراء بشأن حقوق الإنسان، سواء داخل الإمارات أو خارجها، كما جاءت منافية للكثير من المؤشرات الدقيقة والدارسات التي خرجت من معاهدهم ومراكز دراساتهم عن أحوال المواطن في دولتنا، والتي لا نحتاج فيها إلى شهادات من الغير، لأننا الأصدق أنباء وأحوالاً من التقارير وهوى الغير ومآربهم.

إن الإمارات، وهي تسير بخطى واثقة وثابته ومتلاحقة في مجال صيانة حقوق الإنسان بصفة عامة والطفل بصفة خاصة، لا تميز في ذلك بين وافد ومقيم، ولكن مظلتها تتسع ليحتمي بها الجميع مهما اختلفت اللغات والثقافات والأجناس، وهو ما أكدته الدراسات الموثقة الصادرة عن المعاهد العلمية التي أقرت بأن دولتنا هي الأكثر جذباً واستقطاباً لمختلف الشعوب التي لا تجد غير الاحترام والرعاية والحماية للإنسان كونه أنساناً، دون أية اعتبارات، وتؤكد أن حقوق الطفل خط أحمر.

* البيان