استأنف عمال الإغاثة العمليات الإنسانية في مدينة حمص المنكوبة أمس، غداة تعرض سياراتهم لهجوم بقذائف هاون في الأحياء المحاصرة الخاضعة لسيطرة مقاتلي المعارضة، حيث تمكنوا من إجلاء 611 شخصاً من النساء والأطفال وكبار السن، مع إدخال إمدادات جديدة للمحاصرين، وتمديد الهدنة، وذلك رغم وقوع إطلاق نار كثيف من شبيحة النظام، مستهدفين تجمعاً لمدنيين خارجين في حي القرابيص وحاجز اللاذينا، أوقع 7 قتلى و15 جريحاً. في الأثناء، استمرت أعمال العنف المتفاقمة حاصدة 97 قتيلاً، بينهم 34 ضحية سقطوا بمجزرة جديدة نجمت عن غارات شنها سلاح الطيران بالبراميل المتفجرة التي أصبحت تعرف بـ«براميل الموت»، على منطقة دوار الحيدرية بحلب. كما طال القصف الجوي بالبراميل المتفجرة أحياء الشعار وقاضي عسكر والقاطرجي والأنصاري في حلب التي أصدر ناشطوها نداء لإغاثة آلاف المدنيين من نساء وأطفال الفارين من جحيم القصف في أحياء حلب الشرقية، والذين علقوا في مدينة كيليس على الحدود التركية.
وطال القصف ببراميل الموت أيضاً، مدينة داريا بريف دمشق التي هزها 22 برميلاً، ومدينة بصر الحرير وبلدة الغارية في ريف درعا، وقرية الشغور في إدلب، بينما هز انفجار دراجة مفخخة ساحة العاصي بمدينة حماة موقعاً العديد من القتلى والجرحى، تزامناً مع عمليتي إعدام ميدانية نفذتهما القوات النظامية والشبيحة بحق 7 أشخاص بينهم شقيقان في قريتي الروضة وصوران بالريف الحموي.
بالتوازي، لقي 20 شخصاً على الأقل حتفهم وأصيب العشرات بانفجار سيارة مفخخة نفذته «الدولة الإسلامية في العراق والشام» الإرهابية المعروفة اختصاراً بـ«داعش»، في سوق لبيع النفط في قرية الصبحة بريف دير الزور، وذلك بعد ساعات من سقوط 6 قتلى وعشرات الجرحى بقصف نفذه الطيران الحربي مستهدفاً بئر السياد النفطية بالمحافظة المتاخمة للحدود العراقية. وفي السياق، سقطت أمس، قذيفة هاون على مبنى خدمة المواطن التابع لمبنى المحافظة بمنطقة البحصة وسط دمشق، مما أدى إلى سقوط جريح وأضرار مادية.
وفي تطور متصل، سيطر الجيش الحر أمس، على قرية معان الموالية للنظام بريف حماة الشرقي وتمكن من قتل العديد من عناصر النظام وغنم أسلحة وذخائر بعد اشتباكات شرسة.
ومع حلول المساء أمس، تم إجلاء 611 سورياً من الأحياء المحاصرة بمدينة حمص تطبيقاً للاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، بحسب ما ذكر محافظ حمص ومشاهد تلفزيونية تظهرهم في حالة من الإرهاق الشديد. وقال طلال البرازي إنه «تم إجلاء 611 مدنياً من المحاصرين في أحياء حمص القديمة والعملية مستمرة حتى الآن». من جهته، أعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أنه تم إجلاء مئات المدنيين أمس، تطبيقاً للاتفاق بين الجيش والمسلحين المعارضين المتمركزين في نحو 10 أحياء محاصرة بالمدينة المضطربة.
وقال محافظ حمص لوكالة الأنباء الرسمية «سانا» إن المحافظة «جاهزة لتقديم جميع أنواع الدعم والمساعدة لإخراج الأطفال والنساء وكبار السن من مدينة حمص القديمة وإدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يرغبون بالبقاء داخل الأحياء القديم».
وشوهد العديد من النساء والأطفال والمسنين ينزلون من حافلات لدى خروجهم من هذه الأحياء، بحسب مشاهد بثتها قناة «الميادين» التلفزيونية ومقرها بيروت. وقد ساعدهم موظفون في الأمم المتحدة يعتمرون قبعات وسترات زرقاء وكذلك من الهلال الأحمر السوري تحت أنظار عسكريين سوريين. وبدت وجوه الأطفال شاحبة وعيون بعضهم محاطة بالزرقة وهم بين أيدي أمهاتهم أو آبائهم. وقالت امرأة وهي في حالة إرهاق شديد يحيط بها أولادها الثلاثة «كان ينقصنا كل شيء، كل الأولاد كانوا مرضى، لم يكن لدينا ما نشربه». ثم ناولها أحد موظفي الأمم المتحدة قنينة مياه. وقال رجل آخر لصحفي ساله منذ متى لم يخرج من الأحياء المحاصرة منذ يونيو 2012 والتي كانت عرضة للقصف الكثيف قبل هذا التاريخ «منذ عامين و4 أشهر».
وفي وقت سابق أمس، ذكر محافظ حمص طلال البرازي لقناة «الميادين» أنه تم استئناف إجلاء النساء والأطفال وكبار السن من الأحياء المدمرة وسط حمص المحاصر، إضافة إلى إدخال المساعدات الإنسانية للمدنيين الذين يرغبون بالبقاء داخل الأحياء القديمة المضطربة. من جهتها، أشارت وكالة الأنباء الرسمية «سانا» إلى خروج مدنيين جميعهم من الأطفال والنساء وكبار السن المحاصرين في أحياء حمص القديمة باتجاه منطقة ديك الجن، وذلك تنفيذاً للاتفاق بين المحافظ والممثل المقيم للأمم المتحدة في سوريا. وقال التلفزيون الحكومي، إن إمدادات إنسانية أدخلت أيضاً إلى أحياء يحاصر فيها مدنيون ومقاتلون من المعارضة منذ عام ونصف رغم «إطلاق مسلحي المعارضة النار». غير أن التنسيقيات المحلية والهيئة العامة للثورة أكدتا أن شبيحة النظام استهدفوا مدنيين خارجين من الحصار من حي القرابيص بإتجاه حاجز اللاذينا وحي الوعر بحمص، برفقة سيارات الأمم المتحدة. وتحدث الناشطون عن أن هناك العديد من المحاصرين لم يتمكنوا من الخروج من مخابئ بسبب القصف ورصاص القناصة، والنعض الآخر عالق في منتصف الطريق. وسقط 7 قتلى و15 جريحاً بالقصف على حي القرابيص.
وسعت الأمم المتحدة إلى إجراء مفاوضات جديدة في حمص أمس، في محاولة منها حول توفير ممر آمن لقوافل المساعدات التابعة لها بأحياء المدينة المحاصرة منذ أكثر عام ونصف، وذلك بعد يوم من تعرض قوافلها للهجوم. وقال سكان محليون إن سيارات تابعة للأمم المتحدة دخلت المنطقة ويحاول موظفوها الحصول على ضمانات من أجل دخول آمن للمساعدات الغذائية والطبية للمدنيين. وذكرت المتحدثة باسم برنامج الغذاء العالمي عبير عاطف لقناة «العربية» أمس، «يجب أن تكون هناك ضمانات كافية.. لا يمكننا توصيل المساعدات من دون ضمانات». وتبادلت الحكومة والمعارضة الاتهامات فيما يتعلق بالمسؤولية عن إطلاق النار أمس الأول.
وكان الهلال الأحمر السوري ذكر أمس الأول، أنه سلم 250 طرداً من المواد الغذائية و190 مجموعة من مستلزمات النظافة والأدوية للأمراض المزمنة، حيث يحاصر ما يتراوح بين 2500 – 3000 مدني جراء القتال. وكانت وكيلة الأمين العام للشؤون الإنسانية ومنسقة الإغاثة في حالات الطوارئ، فاليري أموس، أعربت في وقت سابق عن خيبة أملها إزاء أعمال العنف التي عرقلت بعثة المساعدات في حمص، لكنها أكدت أن المنظمة الدولية وشركاءنا الإنسانيين لن يردعهم العنف عن تقديم أفضل ما لديهم لتوصيل المساعدات إلى الذين يحتاجون المساعدة.
في موازاة محنة حمص، سقط أمس 34 قتيلاً بينهم أطفال ونساء جراء قصف شنه الطيران الحربي بالبراميل المتفجرة على منطقة دوار الحيدرية بحلب، حيث استهدف القصف مكان تجمع لسيارات نازحين من أحياء حلب هاربين من القصف، لتطالهم براميل الموت حيث تحولت أجساد بعضهم إلى أشلاء كما جرح العشرات. وخلف القصف دماراً واسعاً بحوالي 9 سيارات كانت تقل نازحين، واندلعت النيران في بعض المركبات التي كانت تحمل أمتعة، كما انفجر أنبوب المياه القريب من الدوار لتغمر المياه بعض الجثث. وكان الطيران المروحي استهدف أمس الأول منطقة قرب دوار الحيدرية ببرميل متفجر، حصد 5 قتلى على الأقل وجرح آخرين. كما هزت براميل الموت أيضاً حارة الطبالين بحي قاضي عسكر في حلب، تزامناً مع قصف مماثل على حي القاطرجي. ولقي 3 أشخاص على الأقل هم سيدتان وطفل، حتفهم وسقط العديد من الجرحى جراء قصف بصواريخ فراغية ألقاها الطيران الحربي على حي الأنصاري الشرقي بحلب. وبالتوازي، استهدف الطيران الحربي بالبراميل المتفجرة أيضاً، حيي الشعار والقاطرجي، حيث أكد ناشطون أن العديد من الأسر عالقة تحت أنقاض المباني، مناشدين الدفاع المدني وأصحاب الآليات الثقيلة للإسراع بالتوجه للمنطقة ورفع الأنقاض. كما أطلق الناشطون نداء لإغاثة آلاف الهاربين من جحيم القصف والذين علقوا في مدينة كيليس على الحدود التركية.

الاتحاد