فضيلة المعيني
قبل سنوات، وتحديدا في 2009، اقترح اللواء محمد سيف الزفين مدير الإدارة العامة للمرور في شرطة دبي، تخفيض سن الحصول على رخصة القيادة إلى 16 عاما، بناء على دراسة موضوعية قام بإعدادها، مشيرا إلى أن القانون يمنح رخصة قيادة دراجة نارية لمن هم في سن 17 وهذه أخطر من السيارة.
آنذاك أنا وغيري لم نستسغ هذا المقترح ورأيناه بمثابة أداة خطرة على حياة الأبناء وسلامتهم، لنفاجأ خلال الأسبوع الماضي بالمقترح نفسه يطل من جديد، حيث ناقشه مجلس السياسات والاستراتيجيات في وزارة الداخلية، ونظر في إمكانية خفض السن القانونية للحصول على رخص قيادة المركبات، وفق أطر قانونية وإجراءات محددة تكفل السلامة العامة من جهة، وفي المقابل تمكن شريحة واسعة من الأهالي الذين يفضلون الاعتماد على أبنائهم ممن هم دون سن الثامنة عشرة، في قضاء احتياجاتهم المعيشية ضمن إطار أسري خاص، وبحث كذلك الحلول والمقترحات والاشتراطات اللازمة ضمن المشروع، كوجود مرافق في المركبة من قرابة الدرجة الأولى، ووجود نظام رقابة تقني يتابع سرعة المركبة وطريقة قيادتها على نحو آمن.
اليوم ومن واقع تجارب مريرة تعيشها الأسر جراء صغار يقودون سيارات أشبه ما تكون بصداع لا يزول ومسلسل من المعاناة، ومع التقدير العظيم لجهود وزارة الداخلية والاحترام الكبير لكل قرار يصدر منها، وثقتنا في أنها تحقق دائما الصالح، نجد أنفسنا مجددا نرفض هذا المقترح وبشدة، متمنين عدم الموافقة عليه، لأنه لا يحقق من وجهة نظرنا أي مصلحة ولا يحرز أي تقدم..
ندرك تماما حجم التحدي الكبير الذي يواجه إدارات شرطة المرور، والأرواح التي تروح ضحايا حوادث السير، من الشباب من الجنسين، وكم أصبحت السيارة أداة قتل تأخذ الشباب، مثلها في هذا مثل الدراجات النارية التي تصف السلطات قائدها بأنه كمن يمشي على حبل تحته وادٍ سحيق، وهذه المشكلة لا تحل بتوجيه المراهقين إلى السيارات، ولن تصبح هذه بديلا عن الدراجات..
ومنع هذه الحوادث يكون بمنع استيراد هذه الدراجات القوية وما تتم إضافته لها فتصبح بقوة وسرعة الصوت، أو على الأقل وضع ضوابط واشتراطات لاستيرادها.
وبالنسبة لمنح الرخصة للصغار، فقد كان حريا وضعه بين أيدي أولياء الأمور وعرضه لاستبيان واسع يقول فيه الشركاء رأيهم، فإن رأت الأغلبية إقراره فليكن، وغير ذلك فلا بد من الإذعان للرأي الرافض للمقترح.
لماذا لا نؤيد المقترح؟ الحوادث المميتة، الممارسات التي لا تمت لأخلاق القيادة بصلة، والتي تنم عن قلة وعي بل وانعدامه، أعداد السيارات المحجوزة نتيجة لتلك الممارسات في مناطق البر حجزا إداريا وقانونيا، عشرات الآلاف من الدراهم التي تتكبدها الأسر نتيجة الغرامات الشهرية، التي تفرض على مخالفات سيارات يقودها الصغار ممن حصلوا على رخص القيادة للتو، الملف المروري لآباء وأمهات تلطخ بالنقاط السوداء، جراء مخالفات غيابية سجلت على سياراتهم بقيادة أبنائهم..
كلها كافية لإدراك ما يفعله هؤلاء الصبية في الطرقات السريعة والداخلية، وكلها مخالفات تتكرر، وبالطبع لا يرى رجال شرطة المرور جدوى من فك حجز أي سيارة يقودها هؤلاء الصغار فسرعان ما تعود إلى الحجز، كل ذلك بخلاف الكماشة الكبيرة شركات التأمين التي ستقضم الظهور مع كل حركة.
قبل كل ذلك كله، ليتنا نعمل على ترسيخ الوعي المروري وثقافة احترام النظام والتقيد به، كما هو الحال في المجتمعات المتقدمة، فإن أردنا تقليدها وتطبيق قرارات ناجحة فلا بد من تقليدها في كل ما هو ايجابي ومفيد.
– البيان