استهدفت طائرة مسيّرة، أمس، بقذيفة هاون منزل رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، الداعم للمتظاهرين المناهضين للسلطة، في النجف، وذلك غداة «مجزرة» أدت إلى مقتل 25 متظاهراً بهجوم على أيدي مسلحين مجهولين في بغداد.
وسيطر الغضب على العاصمة العراقية إثر ليلة دامية، إذ شنّ مسلحون مجهولون هجوماً على المتظاهرين وسيطروا لفترة وجيزة على مبنى يحتله المحتجون منذ أسابيع قرب جسر السنك، وهو ما أسفر عن مقتل 25 شخصاً على الأقل وإصابة نحو 130 آخرين بجروح، حسبما أكدت مصادر طبية. وأطلق المتظاهرون على الهجوم اسم «مجزرة السنك» نسبة إلى جسر السنك القريب من ساحة التحرير المركزية.
ووسط حالة الهلع، دعا المتظاهرون عبر وسائل التواصل الاجتماعي الناس إلى الالتحاق بهم والتجمع في ساحة التحرير المركزية بوسط العاصمة. وبالفعل، وصل المئات إلى الساحة قبل بزوغ فجر أمس.
وقال أحد المتظاهرين: «جئت بعد الحادثة، وكان هناك كثير من الأشخاص في التحرير والسنك»، مضيفاً: «إنه صدم من التدابير الأمنية المتراخية».
وتابع: «الشرطة كانت هناك، لكنها لم تفتشني حتى».
وأعقبت الهجوم عمليات تخويف أخرى في وقت مبكر من صباح أمس، عندما مرّ مسلحون مجهولون في قافلة من السيارات في الشارع الرئيسي المطل على النهر والمؤدي إلى ساحة التحرير وأطلقوا النار تجاه الساحة.
وقال شهود: «إن المسلحين الملثمين المدججين بالسلاح جابوا الشارع قرب الساحة وحاولوا التقدم إليها، لكنهم عادوا أدراجهم عند نقطة تفتيش لقوات الأمن العراقية». وتمثل تلك الحوادث أشد أعمال العنف خطورة في العاصمة منذ أسابيع وجاءت بعد أسبوع من إعلان رئيس الوزراء عادل عبد المهدي استقالة حكومته عقب شهرين من الاحتجاجات المناوئة لها.
ووقع الهجوم على المعتصمين، أمس الأول، بعد ساعات من إعلان الولايات المتحدة فرض عقوبات على ثلاثة من قادة الجماعات المسلحة، والذين قالت واشنطن إنهم يأمرون بقتل المحتجين.
وقال مسؤول كبير في وزارة الخزانة الأميركية: «إن واشنطن فرضت تلك العقوبات في الوقت الحالي لإبعاد هؤلاء الأشخاص عن أي دور في تشكيل الحكومة العراقية الجديدة».

«القبعات الزرقاء»
وإثر الهجوم الدامي، انتشر أصحاب «القبعات الزرقاء» العزّل التابعين للتيار الصدري في محيط المنطقة لحماية المتظاهرين. وتدفقت أعداد كبيرة من المحتجين إلى ساحة التظاهرات في بغداد والمحافظات الجنوبية حيث تجري اعتصامات منذ أسابيع عدة.
ويطالب العراقيون منذ أكثر من شهرين، بتغيير الطبقة الحاكمة منذ 16 عاماً والتي يتهمونها بالفساد والمحسوبية.
ويمثل الهجوم الأخير نقطة تحول في مسار حركة الاحتجاج العفوية في العراق، التي أسفرت حتى الآن عن سقوط 460 قتيلاً وأكثر من عشرين ألف جريح.
وسبق للقوات الأمنية المنتشرة في محيط ساحات التظاهر أن أطلقت النار مرات عدة على المتظاهرين، لكن ما جرى ليل الجمعة مختلف، إذ أن تلك القوات وقفت مكتوفة الأيدي أمام هجوم المسلحين.
ولم يكن أمام المحتجين سوى وسائل التواصل الاجتماعي لبث صور الفوضى في المكان.
ويبدو أن الأجهزة الأمنية الحكومية عاجزة عن التعرف عن المهاجمين أو اعتقالهم، في بلد اكتسبت فيه الفصائل والمليشيات المسلحة نفوذاً كبيراً، خصوصاً بعدما باتت تحمل صفة رسمية.

خوف من الأسوأ
وغداة ذلك، قال مصدر في التيار الصدري: «إن قذيفة من طائرة مسيّرة سقطت عند الجدار الخارجي لمنزل الصدر في منطقة الحنانة بالنجف جنوب بغداد». لكن الصدر لم يكن موجوداً في المنزل، وفقاً لما أكدته مصادر عدة.
وسبق للصدر أن أعلن تأييده للاحتجاجات، التي تطالب بكفّ يد التدخلات الخارجية في البلاد، كما أن «سرايا السلام» قامت باستعراض قوة مسلحة في أول أيام التظاهرات مطلع أكتوبر رداً على عمليات قتل وقنص المتظاهرين.
لكن كثيراً من المتظاهرين الذين يؤكدون على عفوية حراكهم وعدم ارتباطه بأي جهة سياسية، كانوا حذرين من دعمه.
وفي وقت لاحق، تجمع عشرات من أنصار الصدر أمام منزله في الحنانة هاتفين «كلنا جنودك».
ودعت «المعاونية» التابعة لـ«سرايا السلام» في بيان إلى «ضبط النفس» في انتظار التحقيقات، محذرة من «حدوث ما هو أسوأ، بردّ لا يتوقعه أحد في حال ثبوت تورط أي كان».

تشييع الضحايا
وإلى الجنوب، تجمع آلاف المتظاهرين الغاضبين في الناصرية والديوانية تضامناً مع ساحة التحرير في بغداد، وسط انتشار أمني كثيف، بحسب شهود عيان. وقال أحد هؤلاء «نحن هنا تضامناً مع بغداد».
وانتشرت القوات الأمنية في الناصرية، التي تتواصل فيها التظاهرات، رغم القمع الدامي الذي وقع الأسبوع الماضي وخلف أكثر من 20 قتيلاً.
وتستعد مدينة النجف لاستقبال جثامين المتظاهرين الذين قتلوا في بغداد. وشهدت تلك المدينة أعمال عنف قبل عشرة أيام، بعدما أضرم محتجون النار بالقنصلية الإيرانية.
وتجري في الوقت الراهن مفاوضات سياسية مكثّفة لاختيار رئيس وزراء جديد بعد استقالة عادل عبدالمهدي.
وكان المرجع الديني الشيعي الأعلى في العراق آية الله علي السيستاني شدد، أمس الأول، على وجوب اختيار رئيس الحكومة الجديدة «بعيداً عن أي تدخل خارجي».
قال السيستاني في خطبة الجمعة التي تلاها ممثله الشيخ عبد المهدي الكربلائي «نأمل أن يتم اختيار رئيس الحكومة الجديدة وأعضائها ضمن المدة الدستورية، ووفقاً لما يتطلع إليه المواطنون بعيداً عن أي تدخل خارجي».
ورغم أن عبد المهدي قدم استقالته إلى البرلمان بعد دعوة المرجعية، أكدت الأخيرة أنها «ليست طرفاً» في اختيار رئيس الوزراء الجديد.

الرئيس العراقي: الهجوم «اعتداء إجرامي»
اعتبر الرئيس العراقي برهم صالح، أمس، الهجوم الذي تعرض له المتظاهرين وسط بغداد بأنه «اعتداء إجرامي».
وقال صالح في بيان صحفي: «نتابع باهتمام شديد وبألم عميق، مع الجهات الحكومية المختصة ما حصل من اعتداء إجرامي مسلح قامت به عصابات مجرمة وخارجون على القانون، ذهب ضحيته عدد من الشهداء والجرحى في الاحتجاج الشعبي».
وأضاف صالح: «نؤكد مرة أخرى الحق المشروع لأي مواطن بالاحتجاج والتظاهر السلميين، ومنع وتجريم أي رد فعل مسلح وعنيف ضد المتظاهرين السلميين».
وأوضح الرئيس العراقي أن مسؤولية «أجهزة الدولة الأمنية، إضافة إلى حماية المتظاهرين السلميين والممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على أرواح العراقيين، هي ملاحقة المجرمين الخارجين على القانون والقبض عليهم وإحالتهم إلى القضاء العادل لينالوا العقاب الرادع الذي يستحقونه».
ودعا صالح الجميع إلى احترام الطابع السلمي للتظاهرات التي تدعو إلى الإصلاح والوئام المجتمعي والتعاون بين المواطنين والأجهزة الأمنية للدولة، للحفاظ على الأمن العام ومواجهة الخارجين على القانون.

الاتحاد الأوروبي: ما حدث «جرائم قتل»
وصف سفير الاتحاد الأوروبي في العراق مارتن هوث، أمس، أحداث ساحة الخلاني وجسر السنك وسط بغداد، التي وقعت مساء أمس الأول، بـ«جرائم قتل».
وقال: «إن ما حدث وسط العاصمة العراقية بغداد هو جرائم قتل، في إشارة إلى هجوم مسلحين مجهولين على المحتجين.
وكتب في حسابه على موقع تويتر للتواصل الاجتماعي: «غاضب وأشعر بالحزن العميق على جرائم القتل ضد أعداد من المتظاهرين والقوات الأمنية من قبل عناصر مجرمة من طرف ثالث».
وتساءل سفير الاتحاد الأوربي عن ما وصفهم بالمخربين قائلاً: «من هم المخربون الحقيقيون؟».

الاتحاد